أردوغان يسعى لوضع اليد على الجامعات بعد المدارس

مظاهرات طلابية بعد تعيين رئيس جامعة مقرب من الرئيس التركي.
الأربعاء 2021/01/06
جامعاتنا خط أحمر

أثار قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعيين مقرب منه في رئاسة جامعة مرموقة في إسطنبول موجة غضب واسعة في صفوف الطلبة، فيما ينظر متابعون إلى هذا التعيين على أنه محاولة لوضع اليد على المؤسسات الأكاديمية وتطويعها في خدمة الحزب الحاكم.

أنقرة - يكشف تعيين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمقرب منه على رأس إحدى جامعات تركيا المرموقة عن مساعي حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم لوضع يده على مؤسسات التعليم العالي بعد أن أحكم قبضته على المدارس بتغيير مناهج تدريسها، ما جعلها أقل علمانية وأكثر مواءمة لأجنداته.

وتظاهر المئات من طلاب جامعة البوسفور في إسطنبول الاثنين ضد تعيين مليح بولو واشتبكوا مع الشرطة، معتبرين التعيين محاولة من السلطة لوضع اليد على الجامعة.

وهتف المحتجون “لا نريد عميدا معينا” من قبل الحكومة و”إذا لم يرحل سنبقى!”، فيما طوقت الشرطة المكان واعتقلت عددا من المتظاهرين.

وقال أعضاء في هيئة التدريس بالجامعة إن بولو، الذي ذكرت وسائل إعلام تركية إنه تقدم بطلب للترشح عن حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان في الانتخابات البرلمانية عام 2015، هو أول رئيس جامعة يتم اختياره من خارج الجامعة منذ الانقلاب العسكري في تركيا عام 1980.

وأضافوا في بيان نشروه عبر وسائل التواصل الاجتماعي “لا نقبل ذلك لأنه ينتهك بوضوح الحرية الأكاديمية والاستقلالية العلمية وكذلك القيم الديمقراطية لجامعتنا”.

وتابعوا أن هذا التعيين “أمر آخر يضاف إلى العديد من الممارسات المعادية للديمقراطية المستمرة منذ عام 2016″، في إشارة إلى حملة قمع واسعة النطاق منذ الانقلاب الفاشل قبل خمس سنوات.

وإذا كان رئيس جامعة البوسفور يتم اختياره في الماضي عن طريق الانتخاب، فإن أردوغان أخذ على عاتقه تعيين رؤساء الجامعات عقب محاولة الانقلاب في العام 2016 التي أعقبتها سيطرة صارمة على كل المؤسسات.

وفي ذلك العام، أثار أردوغان امتعاض الأوساط الأكاديمية إثر تعيينه لأول مرة عميدا ليحل مكان رئيس جامعة البوسفور الذي يحظى بشعبية كبيرة، والذي انتخب قبل أيام قليلة من محاولة الانقلاب.

وفي العام الماضي أظهرت دراسة أجراها 12 أكاديمياً من جمعية حقوق الإنسان التركية أن ستة آلاف و81 أكاديمياً فُصلوا من الجامعات التي كانوا يعملون فيها في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة.

وقالت الدراسة إن حجم الأثر الذي وقع على القطاع الأكاديمي في البلاد كان أكبر بكثير من حالات الفصل تلك، وهو الأمر الذي خلق حالة من الخوف فرضت قيوداً على استقلال القطاع وحرية التعبير.

وأُغلقت 15 جامعة خاصة، ونُقلت ملكية أصول تلك الجامعات إلى مديرية الجمعيات والخزانة بموجب مرسوم رئاسي صدر في الثالث والعشرين من يوليو عام 2016.

6081 أكاديمياً فُصلوا من الجامعات التي كانوا يعملون فيها في أعقاب محاولة الانقلاب

وتعول قيادات العدالة والتنمية على توظيف قطاع التعليم الحساس لتمرير أجنداتها السياسية وتربية الناشئة على مبادئها وثقافتها، حيث نجحت إلى حد ما في ضرب مبادئ العلمانية الأتاتوركية، لكن كلفة ذلك المشروع سدد فاتورته التعليم التركي الذي فقد جودته وتردّى مستواه بدرجة تنذر بانهياره.

واتخذ أردوغان من إصلاح التعليم وسيلة لتغيير ثقافة المجتمع التركي عبر القضاء على العلمانية، فالكثير من المناهج الجديدة تُغير لدى الطلاب، منذ سنواتهم الأولى في المدرسة، العديد من المفاهيم التي تأسست عليها الدولة التركية العلمانية الأتاتوركية ومن أهمها النظرة إلى المرأة ومفهوم الأسرة وكذلك إلى مفاهيم العمل والاختلاط ما من شأنه أن يصنع أجيالا منغلقة تتمحور ثقافتها حول مبادئ الحزب الحاكم.

وفي مطلع العام 2017، أعلن وزير التعليم التركي عصمت يلماز عن عملية واسعة لتغيير مناهج التعليم الابتدائي قال إنها تهدف إلى تحسين نوعية التعليم عن طريق حذف الكثير ممّا سماه “موضوعات الحشو غير اللازمة في الحياة العملية للطالب” من المناهج الجديدة، التي أشار إلى أنها ستركز على نوعية التعليم لا على كمية المعلومات المعطاة للطلاب.

وقلص المنهج الجديد من الجزء الخاص بسيرة مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال أتاتورك، والذي كان يدرس في المراحل الأولى من التعليم، ما يعتبر خطوة ربما كانت غير متصورة أو واردة قبل سنوات، لكن مؤيديها من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم رأوها ضرورية من أجل إنهاء قدسية أتاتورك.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة جمهورييت المعارضة فإن المناهج الجديدة تحتوي في مادة “التربية والدين والأخلاق” للصف السابع على تعريف على “الجهاد في سبيل الله” و”الاستشهاد” وبعض التعريفات الإسلامية، بينما تم حذف الكثير من البنود المرتبطة بالعلمانية.

وفي 2016، تم إلغاء قَسم الصباح الذي كان الطلاب يرددونه في كل المدارس صباح كل يوم حيث يقدمون فيه التحية ﻷتاتورك ويتعهدون بالسير على خطاه وبذل أرواحهم في سبيل تحقيق مبادئه.

وتركز المناهج الجديدة أيضا على شرح محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في 15 يوليو 2016 والتي كانت تهدف إلى الإطاحة بحكم أردوغان.

وإلى جانب ذلك، حذفت من المناهج التعليمية الجديدة الدروس المتعلقة بنظرية النشوء والتطور للبريطاني تشارلز داروين بعد جدل طويل حول واقعيتها ومدى توافقها مع العلم، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى تقول إنها تتعارض مع الدين الإسلامي.

ويرى باتوهان آيداغول الذي يدير مجموعة بحث حول التعليم، أن “القصر الرئاسي يتحكم بشكل متزايد في التعليم، وليست وزارة التربية الوطنية”.

ويقول آيداغول إنه لم يرَ تغيّرات أسرع من تلك التي طرأت على المناهج في السنوات الخمس عشرة الماضية.

5