أردوغان يستبق مطلب دمشق بالانسحاب بإعلان انتهاء العمليات

الرئيس التركي يريد فتح قنوات الحوار مع سوريا لإنهاء مرحلة التوترات التي صنعها بنفسه في محيطه الإقليمي حتى لا تبقى لعنة تطارد حكمه لعقود.
الأحد 2024/07/14
مناورات أردوغانية جديدة

أنقرة- أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت نهاية وشيكة للعملية التي تنفذها القوات التركية ضد متمردي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا، في خطوة استبقت إعلان دمشق عن شرطها الانسحاب التركي قبل الحديث عن أيّ تفاوض أو لقاء على مستوى عال كما يطالب بذلك الرئيس التركي.

ويريد أردوغان أن يبدو في صورة الطرف الذي يمتلك المبادرة فيتخذ القرارات دون ضغط بالرغم من أن إعلان سحب القوات كان معروفا أنه شرط سوري مسبق لأيّ تواصل مع أنقرة.

وأكدت دمشق السبت أن أيّ مبادرة لتحسين العلاقة مع أنقرة يجب أن تبدأ بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وذلك بعد أيام من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه قد يدعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى تركيا “في أي وقت”.

◄ تركيا قدمت دعماً للمعارضة السياسية. وتحولت إسطنبول مقراً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أبرز مكونات المعارضة السياسية، قبل أن تبدأ بدعم الفصائل المعارضة المسلحة

وتجد سوريا نفسها في موقع قوة مع تكرار الرئيس التركي رغبته في فتح قنوات الحوار وإصراره على لقاء الأسد في أيّ مكان يحدده الرئيس السوري في أنقرة أو في أيّ مكان آخر. لأجل ذلك تطالب دمشق بانسحاب القوات التركية أولا وهو ما يعني رفض أيّ تفاوض على أيّ ترتيبات حدودية.

وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان إن “أيّ مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسسٍ واضحةٍ ضماناً للوصول إلى النتائج المرجوّة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية”.

وأضافت “في مقدم تلك الأسس انسحاب القوات المتواجدة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً”.

وأكدت أن سوريا تنطلق دائماً من قناعتها بأن “مصلحة الدول تُبنى على العلاقة السليمة في ما بينها وليس على التصادم أو العِدائية”، مشيرة إلى حرص دمشق على التعامل بإيجابية مع مختلف المبادرات التي طُرحت، بما في ذلك “المبادرات الخاصة بتصحيح العلاقة السورية – التركية”.

وكان أردوغان قال في السابع من يوليو “وصلنا الآن إلى نقطة أنه بمجرد أن يتخذ بشار الأسد خطوة نحو تحسين العلاقات مع تركيا، سنظهر له النهج نفسه”.

واعتبرت الخارجية السورية في بيانها أن نتيجة تلك المبادرات هو مسار هادف “يبنى على مبادئ محددة تحكم العلاقة بين الدولتين، أساسها احترام السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي”.

وتؤدي روسيا، وفق محللين، دوراً أساسياً لتحقيق تقارب بين حليفيها اللذين يجمعهما “خصم” مشترك يتمثل بالمقاتلين الأكراد الذين يتلقون دعماً من واشنطن.

وتزامنت تصريحات الخارجية السورية مع إعلان أردوغان السبت نهاية وشيكة للعملية التي تنفذها قواته ضد متمردي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا.

وقال أردوغان في ما يتعلق بسوريا “سنستكمل النقاط العالقة في الحزام الأمني على طول حدودنا الجنوبية في سوريا”.

وتكررت إشارات الرئيس التركي إلى رغبته في لقاء الأسد، ما يؤكد أنه أنهى قطيعته النفسية مع الأسد ويهيئ نفسه والرأي العام التركي والإقليمي لكسر القطيعة مع دمشق في مسار شبيه بكسر القطيعة مع الإمارات والسعودية ومصر.

◄ أردوغان يريد أن يبدو في صورة من يمتلك المبادرة بالرغم من أن إعلان سحب القوات كان معروفا أنه شرط سوري مسبق

ويراهن أردوغان على علاقته الوطيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترتيب لقاء ثلاثي يجمع بينهما وبين الأسد ليكون فاتحة لكسر القطيعة وفتح الباب أمام تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

ولا يبدو أردوغان مهتما بالترتيبات الخاصة بالتسوية من الجانب التركي بما في ذلك مناقشة وضع المعارضة السورية التي احتمت بأنقرة لأكثر من عشر سنوات ووضْع الفصائل المسلحة التي تنتمي إليها، ويمكن أن يناقش أيّ ترتيب يخصها بما في ذلك تسليمها إلى الأسد ضمن حزمة تفاهمات فضفاضة تحمل مسمّيات توحي بالحل مثل دمجها في القوات الحكومية.

ويريد الرئيس التركي، الذي يقضي آخر ولاية رئاسية له، أن ينهي مرحلة التوترات التي صنعها بنفسه في المحيط الإقليمي (العربي والغربي) حتى لا تبقى لعنة الأزمات تطارد حكمه لعقود. وفي الوقت الذي تطورت فيه العلاقات مع دول الخليج ومصر والولايات المتحدة واليونان تبقى الأزمة السورية هي العقدة التي يمكن أن تؤثر على صورة أردوغان على المدى البعيد داخل تركيا وخارجها.

في الداخل بدأ أردوغان وحزب العدالة والتنمية يدفعان ضريبة الإبطاء في حل أزمة اللاجئين من خلال غضب الشارع، وهو ما ظهرت نتائجه بشكل واضح في الانتخابات الأخيرة، وقد تتعمق أكثر إذا لم تتوصل أنقرة إلى تسوية تعيدهم من خلالها إلى سوريا على مراحل في السنوات المقبلة.

ويجد الرئيس التركي أن الغضب الشعبي من قضية اللاجئين، ورغبة السوريين أنفسهم في مغادرة تركيا في ظل اتساع مشاعر الكراهية ضدهم، عنصران مشجّعان على طرح التسوية مع الأسد دون أن يثير أيّ ردّ فعل سلبي من قبَل الأتراك، سواء من المعارضة أو حتى من داخل حزب العدالة والتنمية الذي يرى أن استمرار بقاء السوريين ستكون له تداعيات على صورته ووضعه الانتخابي المستقبلي.

◄ من خلال الانسحاب، أردوغان يهيئ نفسه والرأي العام التركي والإقليمي لكسر القطيعة مع دمشق في مسار شبيه بكسر القطيعة مع الإمارات والسعودية ومصر
من خلال الانسحاب، أردوغان يهيئ نفسه والرأي العام التركي والإقليمي لكسر القطيعة مع دمشق في مسار شبيه بكسر القطيعة مع الإمارات والسعودية ومصر

وقبل اندلاع النزاع العام 2011، كانت تركيا حليفاً اقتصادياً وسياسياً أساسياً لسوريا. وجمعت الرئيس التركي أردوغان علاقة صداقة بالرئيس الأسد.

إلا أنّ العلاقة بين الطرفين انقلبت رأساً على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد النظام. فقد دعت أنقرة بداية حليفتها إلى إجراء إصلاحات سياسية، لكن مع قمع التظاهرات بالقوة وتحوّلها تدريجاً إلى نزاع دام، دعا أردوغان الأسد إلى التنحي “منعاً لإراقة الدماء”.

وفي مارس 2012، أغلقت تركيا سفارتها في دمشق. بعدها، كرّر أردوغان وصف الأسد بأنه “مجرم وإرهابي”، بينما وصف الأخير نظيره التركي بأنه “لص” وداعم لـ”الإرهابيين”.

وقدمت تركيا دعماً للمعارضة السياسية. وتحولت إسطنبول مقراً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أبرز مكونات المعارضة السياسية، قبل أن تبدأ بدعم الفصائل المعارضة المسلحة.

وإن كانت تركيا شنّت منذ 2016 ثلاث هجمات ضد المقاتلين الأكراد، مكّنتها من السيطرة على أراض سورية حدودية واسعة، إلا أنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع دمشق إلا في العام 2020، بعد مقتل عدد من عناصرها بنيران قوات النظام في شمال غرب البلاد. وهدأت الأمور بعد وساطة من روسيا.

وبعد قطيعة استمرت 11 عاما، برزت صيف عام 2022 مؤشرات تقارب بين الطرفين، مع دعوة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى مصالحة بين النظام والمعارضة.

وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعاً دامياً تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دماراً واسعاً بالبنى التحتية واستنزف الاقتصاد. كذلك، شرّد وهجّر أكثر من نصف عدد السكان داخل البلاد وخارجها.

 

اقرأ أيضا:

          • كيف ساهمت مركزية القرار في صعود الاقتصاد التركي ثم تدهوره

1