أردوغان يركب قطار الموقف من إسرائيل في محطته قبل الأخيرة

وقف التعامل التجاري مع إسرائيل بعد أشهر من الحرب وعشرات الآلاف من الضحايا والملايين من المهجرين.
السبت 2024/05/04
مواقف متناقضة

أنقرة - اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التصعيد مع إسرائيل بعد مرور نصف سنة من الحرب في غزة، وهو ما ينظر إليه محللون على أنه محاولة لركوب قطار الموقف من إسرائيل في محطته قبل الأخيرة، في ظل مؤشرات على اقتراب التوصل إلى هدنة.

ويريد أردوغان أن يرقّع موقفه من خلال هذا التصعيد المفاجئ ليمحو صورة من تخلى عن الفلسطينيين وأدار لهم الظهر، وإلا ما معنى وقف التعامل التجاري مع إسرائيل بعد أشهر من الحرب وعشرات الآلاف من الضحايا والملايين من المهجرين، ولماذا الآن وليس في الأشهر الأولى للحرب حين كان الوضع يستدعي الضغط على إسرائيل للتراجع.

ويشعر الرئيس التركي أن كل ما كان يقوله عن دعمه للفلسطينيين ومزايداته على الآخرين قد فشل في أهم امتحان، وهو يتحرك في الوقت الضائع لإنقاذ صورته وصورة بلاده لدى الفلسطينيين والعرب.

ومن الواضح أن أردوغان لم يلجأ إلى التصعيد مع إسرائيل إلا بعد أن اطمئن إلى أن أميركا باتت تتقبل مواقف من هذا النوع، وهي نفسها صارت تنتقد سياسة الحكومة الإسرائيلية وتعارض اجتياح مدينة رفح، وفي وقت تحركت فيه الجامعات الأميركية والغربية عموما للاحتجاج على السلوك الإسرائيلي في الحرب.

ولم تتخذ أنقرة الخطوة التصعيدية مع إسرائيل في وقت سابق حتى لا تبدو وكأنها تتحرك عكس التيار، وربما تثير غضب الولايات المتحدة واللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة وتدفعه لعرقلة صفقة أف – 16، لكن التحرك الآن لن يكلف الكثير في ظل مناخ دولي معارض لاستمرار الحرب وضاغط لوقفها والتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد.

◙ أردوغان يشعر بأن ما كان يقوله عن دعمه للفلسطينيين ومزايداته على الآخرين قد فشل في أهم امتحان

وأعلنت وزارة التجارة التركية تعليق جميع الصادرات والواردات إلى إسرائيل ومنها اعتبارا من يوم الخميس الماضي، وأرجعت هذا إلى “تفاقم المأساة الإنسانية” في الأراضي الفلسطينية.

وقالت الوزارة في بيان “تم وقف معاملات التصدير والاستيراد المرتبطة بإسرائيل، بما يشمل جميع المنتجات”. وأضافت “تركيا ستنفذ هذه الإجراءات الجديدة بشكل صارم وحاسم حتى تسمح الحكومة الإسرائيلية بتدفق غير متقطع وكاف للمساعدات الإنسانية إلى غزة”.

وبدا أردوغان في تصريحاته في صورة المتحدي الذي لا يأبه بالخسائر التي ستلحق بلاده من وراء قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل. وقال الجمعة ردا على سؤال عن هذه الخطوة “بلغ حجم التجارة الثنائي 9.5 مليار دولار لكن اعتبرناه غير موجود وأغلقنا هذا الباب”. لكن الوقائع تقول العكس تماما، حيث عمل الرئيس التركي ما في وسعه للحفاظ على مصالح بلاده مع إسرائيل.

وفي البداية، قابل أردوغان الرد الإسرائيلي القاسي على غزة بتصريحات تقوم على التعميم وتساوي بين حماس وإسرائيل؛ مثل قوله “انطلاقا من مبدأ ‘لا خاسر في سلام عادل’، ندعو كافة الأطراف الفاعلة إلى تحمل مسؤوليتها لإحلال السلام”.

ولاحقا عرض مقترح أن تتولى تركيا جهود وساطة لوقف إطلاق النار، وتجاهلته إسرائيل كليا. وبعد لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة قال أردوغان “سنبدأ التنقيب عن الطاقة مع إسرائيل، وسنشرع في تشغيل خطوط نقل الطاقة ليس إلى تركيا فحسب بل إلى أوروبا أيضا”.

وأظهرت بيانات رسمية من وزارة الزراعة الإسرائيلية، نشرت في فبراير الماضي، قائمة تضم عددا من الدول التي استمرت في تصدير الخضروات والفواكه إلى إسرائيل بعد حرب السابع من أكتوبر الماضي على رأسها تركيا والأردن.

وارتفعت الصادرات التركية إلى إسرائيل بنسبة 35 في المئة خلال فترة الحرب الإسرائيلية على غزة، ووفقا لبيانات وزارة التجارة في تركيا بلغت الصادرات التركية إلى إسرائيل 319.5 مليون دولار في نوفمبر، وارتفعت في الشهر الثاني من الحرب على غزة بنسبة 34.8 في المئة خلال ديسمبر إلى 430.6 مليون دولار.

وفرضت تركيا الشهر الماضي قيودا تجارية على إسرائيل بسبب ما قالت إنه رفض إسرائيل السماح لها بالمشاركة في عمليات إسقاط جوي للمساعدات على غزة.

◙ أردوغان يريد أن يرقّع موقفه من خلال هذا التصعيد المفاجئ ليمحو صورة من تخلى عن الفلسطينيين وأدار لهم الظهر

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن الرئيس التركي ينتهك الاتفاقات بإغلاق موانئ أمام الواردات والصادرات الإسرائيلية. وكتب كاتس على منصة التواصل الاجتماعي إكس “هذه هي الطريقة التي يتصرف بها الدكتاتور، متجاهلا مصالح الشعب التركي ورجال الأعمال الأتراك، ومتجاهلا اتفاقيات التجارة الدولية”.

وقال كاتس إن إغلاق الموانئ أمام الواردات من إسرائيل والصادرات إليها يخالف الاتفاقيات التجارية، مضيفا على منصة التواصل الاجتماعي إكس أن إسرائيل ستعمل على إيجاد بدائل للتجارة مع تركيا.

وقال أردوغان الشهر الماضي “لم نعد نقيم علاقات تجارية مكثفة مع إسرائيل فقد انتهى الأمر”، وذلك حينما سُئل عن التجارة المستمرة مع إسرائيل رغم اللهجة الحادة من أنقرة. لكنه لم يشر حينذاك إلى قطع أنقرة جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل.

ووضعت تركيا الشهر الماضي قيودا على تصدير الصلب والأسمدة ووقود الطائرات ضمن 54 فئة من المنتجات الأخرى لإسرائيل وقالت إن ذلك بسبب رفض إسرائيل السماح لأنقرة بالمشاركة في عمليات إسقاط المساعدات جوا على غزة.

وتظهر بيانات التجارة التركية أن أهم صادرات البلاد إلى إسرائيل هي الصلب والمركبات والبلاستيك والأجهزة الكهربائية والآلات، بينما هيمن الوقود على الواردات وجاء بقيمة 634 مليون دولار العام الماضي.

وقالت أربعة مصادر في قطاع التصدير لرويترز إن المُصدّرين الأتراك ممن لديهم طلبيات مؤكدة يبحثون عن سبل لإرسال بضائعهم إلى إسرائيل عبر دولة ثالثة بعد أن أوقفت أنقرة التجارة البينية.

وقال مصطفى جولتيبي رئيس جمعية المصدرين الأتراك الجمعة إنه سيتعين على تركيا تعديل هدف التصدير لنهاية العام من 267 مليار دولار إلى 260 مليار دولار إذا لم يتم حل مشكلة التجارة مع إسرائيل في غضون شهرين.

وأشار إلى أن تعويض الخسارة المحتملة الناجمة عن ذلك والتي تتراوح بين خمسة وستة مليارات دولار من خلال الأسواق الأخرى في فترة زمنية وجيزة ليس سهلا.

1