أردوغان يرضخ لضرورة الانعطاف النقدي لترقيع أزمات تركيا العميقة

عودة شيمشك على رأس وزارة المالية محاولة لاستعادة ثقة المستثمرين.
الاثنين 2023/06/05
هل ترى نهاية للسوق؟

أنقرة - تتجه تركيا على الأرجح إلى تغيير سياساتها النقدية التي أصر الرئيس رجب طيب أردوغان على اتباعها وتفاخر بكونها أثبتت جدواها، في محاولة وصفها ملاحظون بأنها "عملية تخدير" للأتراك الذين يعاونون من مشاكل عميقة منذ سنوات.

وكان أردوغان قد ألمح السبت الماضي إلى أن حكومته المنتخبة حديثا ستعود إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية عندما أسدى مهمة معالجة أزمة غلاء المعيشة في تركيا وتوترات أخرى إلى رجل الأسواق المخضرم محمد شيمشك.

ويُعد تعيين شيمشك الأبرز، إلى جانب المدير الاقتصادي التقليدي جودت يلماز كنائب لرئيس الوزراء في الحكومة الجديدة التي تواجه تحدّي شاقا لاستعادة ثقة المستثمرين بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز بها أردوغان لولاية ثالثة.

ويرى محللون أن اختيار هذه الشخصية لتولي حقيبة المالية يعني تسليم زمام الاقتصاد إلى مُدافع عن السياسات التقليدية. وقد يمهد الطريق لتغيير السياسة النقدية المثيرة للجدل، وهو تحول ملحوظ في سياسة أردوغان طويلة الأمد لخفض الفائدة رغم ارتفاع التضخم.

إمري بيكر: أردوغان أدرك تآكل الثقة في قدرته على إدارة التحديات
إمري بيكر: أردوغان أدرك تآكل الثقة في قدرته على إدارة التحديات

وقال شيمشك أثناء مراسم توليه منصبه الجديد في أنقرة الأحد إن "تركيا ليس أمامها أي خيار سوى العودة إلى صنع السياسة العقلانية ومبادئنا الأساسية ستكون هي الشفافية والتجانس والقدرة على التكهن والتوافق مع المعايير الدولية".

وأضاف الخبير الإستراتيجي السابق في شركة ميريل لينش للاستشارات، وتولى مناصب مختلفة ببلاده كأحد صانعي السياسات المالية البارزين خلال الفترة بين 2007 و2018 "أنا على علم بالواجب الثقيل الذي تم إسناده إلي، وآمل أن نخرج منه سويا".

وسيكون دور شيمشك حاسما للرئيس التركي لتحقيق هدف استعادة السيطرة على إسطنبول وأنقرة، وهي طموحات تعتمد على استقرار الليرة، وكبح التضخم بعد سنوات من التحركات غير التقليدية التي أعطت الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب كل شيء آخر.

ومنذ مغادرته منصبه في 2018 بسبب خلافات مع أردوغان حول اعتماد سياسات غير تقليدية لمواجهة الصدمات، فقدت الليرة أكثر من 75 في المئة من قيمتها مقابل الدولار وسط سلسلة من التخفيضات في الفائدة.

وفي أول تصريح له بعد تعيينه، قال شيمشك نهاية الأسبوع الماضي إن “خفض التضخم إلى خانة الآحاد على المدى المتوسط وتسريع التحول الهيكلي الذي سيقلل من عجز الحساب الجاري لهما أهمية حيوية بالنسبة إلى بلدنا".

وأضاف أن "الشفافية والاتساق وقابلية التنبؤ والامتثال للمعايير الدولية ستكون مبادئنا الأساسية لتحقيق هدف رفع مستوى الرفاه الاجتماعي".

ويأتي التحول الواضح في الاقتصاد في الوقت الذي يقول فيه العديد من المحللين إن السوق الناشئة الكبيرة تتجه نحو الاضطراب نظرا لاستنفاد الاحتياطيات الأجنبية، والتوسع في خطة الودائع المحمية المدعومة من الدولة، وتوقعات التضخم غير المضبوطة.

وكان شيمشك يحظى بتقدير كبير من قبل الأسواق المالية العالمية عندما شغل منصب وزير المالية ونائبا لرئيس الوزراء بين عامي 2009 و2018.

وذكرت تقارير أن أردوغان كان من شبه المؤكد أن يضعه مسؤولا عن الاقتصاد، مما يمثل عودة جزئية لسياسات السوق الحرة بعد سنوات من زيادة سيطرة الدولة على أسواق العملات الأجنبية والائتمان والديون.

ويرى محللون أنه بعد الحلقات السابقة التي تحول فيها أردوغان إلى العقيدة فقط للعودة بسرعة إلى طرق خفض الأسعار، فإن الكثير سيعتمد على مقدار الاستقلال الذي يُمنح لشيمشك.

◙ أزمة الليرة لا تزال مربكة
◙ أزمة الليرة لا تزال مربكة 

وقال إمري بيكر مدير في مجموعة أوراسيا التي تغطي الشؤون التركية لرويترز إن "هذا يشير إلى أن أردوغان قد أدرك تآكل الثقة في قدرته على إدارة التحديات الاقتصادية لتركيا".

وأشار إلى أنه في حين أن تعيين شيمشك قد يؤخر الأزمة لبعض الوقت، فمن غير المرجح أن يقدم إصلاحات طويلة الأجل للاقتصاد.

وأضاف "ربما يتمتع شيمشك بتفويض قوي في وقت مبكر من فترة ولايته، لكنه يواجه رياحًا سياسية معاكسة متزايدة بسرعة لتنفيذ السياسات مع اقتراب الانتخابات المحلية في مارس 2024".

ويشدد برنامج أردوغان الاقتصادي منذ العام 2021 على الحوافز النقدية والائتمان المستهدف لتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والاستثمار، مما يضغط على البنك المركزي للتحرك ويقوض استقلاليته بشكل سيء.

◙ البرنامج الاقتصادي ركز منذ 2021 على الحوافز النقدية والائتمان لتعزيز النمو والصادرات والاستثمار ما ضغط على المركزي

ونتيجة لذلك وصل التضخم السنوي إلى أعلى مستوى له في 24 عاما متجاوزا 85 في المئة العام الماضي قبل أن يتراجع إلى حدود 40 في المئة.

وفقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها في العقد الماضي بعد سلسلة من الانهيارات، وكانت الأسوأ في أواخر عام 2021. وسجلت قيعان جديدة على الإطلاق تتجاوز 20 ليرة للدولار بعد جولة الإعادة أواخر مايو.

وتشير التقييمات عن حالة الاقتصاد التركي إلى أنه على مشارف التعرض إلى انتكاسة في النمو هذا العام وذلك منذ سنوات طويلة بسبب مخلفات الدمار الذي خلفه الزلزال مطلع فبراير الماضي.

ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ إلى 2.8 في المئة خلال هذا العام نزولا من 5.6 في المئة العام الماضي، ما يجعل السلطات في وضع محرج للخروج من المأزق.

ومع استمرار الضغوط، التي تواجه الاقتصاد التركي خفضت وكالة ستاندرد آند بورز في أبريل الماضي نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي لتركيا من مستقرة إلى سلبية.

وأشار خبراء الوكالة في مذكرة حينها إلى أن سلسلة من التحديات، بما في ذلك تكاليف التعافي من الزلازل، والتضخم الذي خرج عن السيطرة كانت أسبابا كافية لاعتماد هذا التقييم.

وكانت آخر مرة خفضت فيها ستاندرد آند بورز تصنيفها الائتماني لتركيا في شهر سبتمبر الماضي، مشيرة إلى مخاوف بشأن السياسة النقدية التيسيرية للغاية في البلاد.

وتعرض التصنيف الائتماني لتركيا للتخفيض من جانب الوكالتين الرئيسيتين الأخريين في الأشهر التسعة الماضية، إذ خفضت وكالة موديز تصنيف البلاد في أغسطس إلى بي3 مشيرة إلى مخاطر ميزان المدفوعات.

أما وكالة فيتش فخفضت تصنيف الديون السيادية لتركيا إلى بي في شهر يوليو الماضي بسبب مخاوف ارتفاع التضخم.

10