أردوغان يدشّن عقدا ثانيا من تجارة المتشددين

يدفع إقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده ستعتمد على مرتزقة غير أتراك في الحرب التي ستخاض في ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي إلى التساؤل عن مرد اعترافه هذا ومن ثمة تكليف وزير خارجيته بنفي ذلك. إن هذه الخطوة تفتح الأبواب على مصراعيها لازدهار تجارة تسفير الشباب المتأثر بأردوغان وبشعاراته الإخوانية، لتُفتح بذلك مع بداية عام 2020 عشرية ثانية لسوق غرّرت وزجت بعد عام 2011 بالآلاف من الشباب اليائس في الكثير من الدول العربية إلى الاعتقاد بأن الدخول إلى الجنة سيكون حتما عبر دخول سوريا أو الانضمام إلى داعش لمحاربة ما يعتبرونه حكومات كافرة.
تونس- حين تحدثت المئات من التقارير والدراسات الدولية بعد عام 2011 عن الأدوار التركية في دعم الإرهاب والتشجيع عليه عبر توفيرها كل الظروف الملائمة والممرات الآمنة لتسفير الشباب المسلم من أكثر من دولة عربية للقتال في سوريا تحت شعار “إنقاذ الإسلام”، كانت كل الأذرع السياسية الموالية للحلف القطري – التركي تتكفّل بمهمة النفي لتلميع صورة أنقرة.
لكن ما الذي حصل اليوم، هاهو رجب طيب أردوغان الساعي لعثمنة ليبيا من بوابة حماية حكومة فائز السراج يقر بأن أنقرة ستعتمد على مرتزقة غير أتراك في الحرب التي ستخوضها لمنع سيطرة الجيش الوطني الليبي على العاصمة طرابلس.
ويقول الرئيس التركي “ستكون لدينا فرق أخرى مختلفة كقوة محاربة، وأفرادها ليسوا من جنودنا”، زاعما أن هدف الوجود العسكري التركي في ليبيا ليس القتال، وإنما الحيلولة دون وقوع أحداث من شأنها التسبب بمآس إنسانية وتقويض الاستقرار في المنطقة، وذلك عبر دعم “الحكومة الشرعية”.
كما أعلن وكأن لديه ضمانات دولية وخاصة إقليمية تتعلق خاصة بدول الجوار المعنية أكثر من أي طرف مما قد يحصل في ليبيا من حرب، أن جنودا من الجيش التركي بدأوا بالفعل التوجه تدريجيا إلى ليبيا.
إن الدفع التركي الواثق من نفسه لإحياء المشروع الإخواني من بوابة ليبيا، يعيد إلى الأذهان نفس السيناريو الذي اعتمدته أنقرة لدى بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 مع فوارق طفيفة، ففي سوريا كانت التعلة الوقوف إلى جانب الثورة لإسقاط النظام أما في ليبيا فإن الأمر مختلف تماما ويتعلق بحماية حكومة السراج والميليشيات الإخوانية المقاتلة هناك في طرابلس.
يركز الجميع خاصة في دول الجوار التي يرتبط أمنها القومي مباشرة بما سيحدث في ليبيا وخاصة تونس والجزائر باحتشام أو بمواقف تعلن مساندة الخطوة التركية على خطورة ما ستفرزه الحرب من تشتت في الداخل الليبي ومن أزمة إنسانية مرتقبة.
لكن في حقيقة الأمر، يبدو واضحا أن أردوغان الذي اعترف بإرسال مرتزقة ومن ثمة كلف وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو لنفي ذلك قد غمز لأذرعه والخلايا الإخوانية في شمال أفريقيا لتجهيز أنفسها للمعركة بنفس الآليات التي خيضت بها الحرب في سوريا أي الاستعداد مرة أخرى لتحريك سوق تسفير الشباب إلى ليبيا من بوابة نصرة الإسلام.
إن رهان الرئيس التركي على عكس الريح التي كادت أن تقضي بصفة نهائية على مشروع الإخوان في منطقة شمال أفريقيا هو وليد قراءة في التطورات السياسية بدول الجوار.
في تونس التي كانت من أكثر الدول التي تضرّرت طيلة تسع سنوات من تسفير شبابها إلى بؤر الاقتتال في ليبيا وسوريا والعراق لم يتغيّر الأمر كثيرا بالنسبة لأردوغان، فحركة النهضة مازالت في الحكم، أما الرئيس التونسي قيس سعيد فقد بدت مواقفه متذبذبة وغير حاسمة على الرغم مما أثاره استقباله لأردوغان قبيل أسابيع قليلة من مصادقة البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا.
أما في الجزائر، فيبدو أنه رغم التغييرات السياسية الحاصلة لم تغير شيئا من موقفها الداعم لحكومة السراج الذي تحوّل الاثنين للقاء الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.
تراهن تركيا مجددا على توفر أرضية خصبة مملوءة بمظاهر اليأس الاجتماعي تسهل عملية أدلجة الشباب في دول الجوار الليبي وإيهامهم بأن السفر للقتال في ليبيا هو ضرورة دينية ملحة لا تنتظر التأجيل.
إن المخاطر الآنية في ما يتعلق بالتهديدات التركية لمصالح الشعب الليبي لا تنحصر في التساؤل عن مدى انتصار تركيا وحكومة الوفاق على أرض المعركة، بقدر ما تتعلق ببداية جديدة سيكون عنوانها افتتاح تركيا لعشرية ثانية من التغرير بالآلاف من الشباب في معركة وهمية لا هم لها سوى حفظ ما تبقى من أذرع الإخوان.
إن ما يدفع أيضا لوجوب التخوف من هذا السيناريو المفخخ يكمن في أن بعض الحكومات الملتصقة بالمحور التركي – القطري وخاصة في تونس نجحت خلال العشرية الأولى التي تلت ما يعرف بالربيع العربي في طمس وقبر نتائج أي لجان تحقيق تقصت لمعرفة وإدانة كل من تورط في تسفير الشباب إلى بؤر الاقتتال انطلاقا من ليبيا ومرورا بتركيا وصولا إلى سوريا.
يؤكد اعتراف أردوغان المسموم بالرهان على المرتزقة في ليبيا أن تركيا والإخوان في ليبيا يتبادلان الأدوار كما يتبادلان الهدايا، ففي التسع سنوات الماضية وحتى قبل ظهور تنظيم داعش في العراق وسوريا تحوّلت طرابلس التي كانت تحت سلطة يدعمها الإخوان إلى أرض تدريب خلفية لاستقطاب المتشددين دينيا ومن ثم تسفيرهم إلى سوريا بتسهيل تركي.
الدفع التركي لإحياء المشروع الإخواني من بوابة ليبيا يعيد إلى الأذهان نفس السيناريو الذي اعتمدته أنقرة بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011
لكن المشهد اختلف اليوم مع إعلان تركيا إرسال قوات إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق في مواجهة العملية العسكرية التي ينفذها الجيش الوطني الليبي لتطهير طرابلس من الإرهاب والجماعات المتطرفة الموالية لها.
وبعد أن كانت سوريا هي محطة الوصول الأخيرة، أصبحت الآن المنطلق الأول للإقدام على بعث رحلات هجرة عكسية إلى ليبيا تضم قرابة 1000 مقاتل مرتزق وصلوا إلى طرابلس مثل فرقة السلطان مراد ولواء المعتصم وسليمان شاه.
هذا المخطط أكده رامي عبدالرحمان مدير المركز السوري لحقوق الإنسان بقوله إن “هؤلاء المرتزقة يوعدون بنيل الجنسية التركية وبأموال كبيرة من قطر”.
وأضاف أن كل هذه المغريات لا تدفع من الحكومة التركية بشكل قطعي، وإنما من حكومة السراج وقطر، مُشيرا إلى أنّ مراكز تجنيد هؤلاء المرتزقة هي في الراعي وجرابلس وعفرين بسوريا، وإلى وجود سباق من قبل المقاتلين للذهاب إلى ليبيا.
وينقل عن أحد قادة ما يُسمّى الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة، إنّ القضية ليست قضية إرسال مرتزقة بل رد الجميل عندما أرسل مهدي الحاراتي وعبدالحكيم بلحاج جهاديين إلى سوريا.
ولئن يبدو تنفيذ هذه المخططات وليد الاتفاق العسكري بين أردوغان والسراج في موفى العام الماضي، فإن جزءا من أسراره تم الكشف عنه منذ أشهر، حيث ذكرت العديد من التقارير منذ شهر يوليو 2019 أن نقل المقاتلين المتطرفين من إدلب في سوريا إلى ليبيا يتم عبر الأراضي التركية بواسطة طائرات شركة الأجنحة الليبية المملوكه من قبل عبدالحكيم بلحاج.
ويعد بلحاج أحد قادة الميليشيات المتطرفة في ليبيا ويقيم منذ مدة في تركيا ويدير إمبراطورية مالية بدعم تركي قطري، وهو مطلوب للقضاء في ليبيا بسبب تورطه في العديد من الأعمال الإرهابية.