أرامكو تبدأ رحلة الاستثمار الخارجي في صناعة الغاز

دخلت خطط السعودية لإنتاج الغاز مرحلة جديدة مع تدشين عملاق النفط أرامكو باكورة استثماراته الخارجية، والتي من المتوقع أن تساعد الشركة على ترسيخ أقدام البلد الخليجي نحو المنافسة مع كبار هذه الصناعة في غضون سنوات وفق المخطط له.
الرياض - أعلنت شركة النفط السعودية أرامكو الخميس أنها اتفقت على الاستحواذ على حصة أقلية إستراتيجية في شركة الغاز الطبيعي المسال مِد أوشن للطاقة مقابل نصف مليون دولار مع خيار زيادة حجم المساهمة.
وشركة مِد أوشن تملكها وتديرها شركة الاستثمار الأميركية إي.آي.جي بارتنرز، التي قادت كونسورتيوم لشراء حصة 49 في المئة في نشاط أرامكو الخاص بخطوط أنابيب النفط في عام 2021، وهي صفقة جمعت من خلال الشركة السعودية 12.4 مليار دولار.
وتعمل مد أوشن على استحواذ حصص في أربعة مشاريع أسترالية للغاز الطبيعي المُسال، في إطار إستراتيجية نمو لإنشاء أعمال عالمية متنوعة في هذا المجال، الأمر الذي يفتح الآفاق أمام السعوديين من أجل تحقيق طموحاتهم في هذا المضمار.
وبموجب "الاتفاق الذي ينتظر إتمامه الحصول على الموافقات التنظيمية والاشتراطات النهائية، فإن أرامكو لديها خيار زيادة حصتها والحقوق المرتبطة بها في مد أوشن للطاقة في المستقبل"، وفقاً لبيان صادر عن الشركة.
وتعطي التحركات السعودية المتسارعة باتجاه توسيع الاستثمار في مجال صناعة الغاز لمحة أكثر وضوحا عن نوايا الدولة الخليجية الغنية بالنفط لمزاحمة جارتها قطر، التي تواجه تحديات للانفراد بالسباق العالمي.
وتسابق الرياض الخطى لإنجاز مشروعها الإستراتيجي بالتوسع في إنتاج الغاز والدخول بقوة إلى أسواقه وتلبية حاجاتها والمنافسة في هذا القطاع الحيوي، بوتيرة تنقلها من الاكتفاء الذاتي إلى التصدير المباشر والاستثمار في مصادره الخارجية بشراكات عالمية.
ولطالما تجاهلت أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، الغاز واعتبرته أمرا تكميليا وأقل ربحية من النفط رغم امتلاكها رابع أكبر احتياطي في العالم.
لكن رؤية 2030 التي تهدف لاستثمار كل الإمكانات التي تمتلكها البلاد، والتي تثاقلت أو تساهلت في استغلالها تعزز الآن هذا التوجه الجديد، فضلا عن تلبية الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء.
وقال ناصر خالد النعيمي رئيس التنقيب والإنتاج في أرامكو في بيان "تعد هذه الصفقة خطوة مهمة في إستراتيجية أرامكو السعودية لتصبح لاعبا عالميا رائدا في أعمال الغاز الطبيعي المسال".
وأضاف "لا شك في أن مِد أوشن للطاقة مجهزة جيدا للاستفادة من الطلب المتزايد على الغاز المسال، لذلك تعكس هذه الشراكة الإستراتيجية رغبتنا في العمل مع كبار اللاعبين الدوليين لتحديد وفتح فرص جديدة على المستوى العالمي”.
وفي أكتوبر الماضي، قالت مِد أوشن إنها اتفقت مع شركة طوكيو غاز اليابانية على شراء حصصها في محفظة مكونة من أربعة مشاريع أسترالية للغاز الطبيعي المسال مقابل 2.15 مليار دولار.
وذكرت مصادر لرويترز في يوليو إن إي.آي.جي تسعى من خلال مستثمرين دوليين، لاسيما في الشرق الأوسط، لشراء حصة تمنحها بعض السيطرة في مِد أوشن، وهي جزء من كونسورتيوم يستحوذ على شركة أوريجن أنيرجي الأسترالية مقابل 10.2 مليار دولار.
ويتوقع رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين أمين الناصر نمواً قوياً في الطلب على الغاز، خصوصاً مع "استمرار التوجه العالمي نحو تحوّل الطاقة”.
وقال إن "الصفقة عززت علاقة أرامكو مع شركة إي.آي.جي"، مضيفا أن الغاز "سيكون مهما لتلبية الاحتياجات العالمية المتزايدة لطاقة آمنة ومتوفرة وأكثر استدامة”.
وكان الناصر قد أكد في مارس الماضي أن أرامكو تبحث بنشاط في فرص الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم.
ويتزايد الطلب على الوقود الأحفوري ذي الكثافة الكربونية الأقل مثل الغاز الطبيعي نتيجة التغيّر المناخي، لإتاحة الوصول إلى الطاقة على المستوى العالمي، خاصة أن التحوّل إلى نظام طاقة أنظف أمر لا يخلو من الصعوبة ولا توجد له حلول سريعة.
وتتفق أغلبية الدول على أن إيقاف استخدام الفحم في الشبكات الكهربائية مهم إزاء المشكلة المعقدة للحد من الانبعاثات. وتعتبر مصادر الطاقة المتجددة بما فيها الطاقة النووية جزءًا من الحل، وخصوصًا للمناطق الحالية التي لا تمتلك شبكات كهربائية.
ولكن يعتبر الغاز جزءًا مهمًا من مجموعة الحلول على نطاقٍ واسع، فهو ضروري كوقود انتقالي خلال فترة التحول في أنظمة الطاقة، وكمصدر طاقة مستمر إلى حين توسع انتشار محطات الطاقة الشمسية والرياح بعد عقود من الآن.
وتخطط أرامكو أن تكون ضمن أكبر ثلاثة منتجين للغاز الطبيعي في العالم بحلول 2030، كما تريد مضاعفة إنتاجها في العقد القادم إلى 23 مليار قدم مكعبة قياسية يوميا من أجل تلبية الطلب العالمي والمحلي للطاقة في المستقبل.
وقال بلير توماس رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة إي.آي.جي "بينما ينصب تركيزنا الأوّلي على المعاملات المعلنة في أستراليا، نعتقد أن هناك مجموعة من الفرص على النطاق العالمي".
وأكد أن للغاز الطبيعي المُسال دور رئيس يلعبه في تمكين التحوّل المنظم الذي يوازن بين هدفي المجتمع المتلازمين لتقليل الكربون وأمن الطاقة.
وتمتلك السعودية احتياطيا كبيرا من الغاز يبلغ 324.4 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى تريليونات الأقدام المكعبة المحتمل اكتشافها، حيث نفذت أرامكو حفر عشرات الآبار في السنوات الماضية، بحثا عن الغاز الحجري.
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قد دشن في ديسمبر 2016 مجموعة مشاريع في التنقيب والإنتاج في معامل واسط للغاز ومعامل أخرى في النفط والغاز بقيمة إجمالية قدرها 50 مليار دولار في المنطقة الشرقية.
كما افتتح مشروع وعد الشمال والذي يحتوي على أول معمل لإنتاج الغاز الصخري في منطقة طريف، وبدأت أرامكو إجراء دراسات زلزالية في بعض أجزاء البحر الأحمر، حيث يعتقد البعض بوجود رواسب غاز طبيعي كبيرة.
وإلى جانب ذلك هناك استثمارات جديدة سيتم ضخها لاستثمار الغاز الصخري بمنطقة الأحساء في حقل الجافورة القريب من الحدود الإماراتية - العمانية، الذي تقدر احتياطاته بنحو 3 مليار قدم مكعب من الغاز الصخري.
وتريد السعودية تعزيز استعداداتها للتحولات المستقبلية المتسارعة في قطاع الطاقة، رغم أن محللين يقولون إن إنتاج الغاز الصخري قد ترتفع تكلفته في البلد الخليجي بسبب ندرة المياه التي يحتاجها في عملية تكسير الصخور.