أرامكو السعودية تقود صناعة النفط للاستثمار في الذكاء الاصطناعي

اهتمام الشركات بالذكاء الاصطناعي بما في ذلك الشركات الناشطة في صناعة الوقود الأحفوري، وعلى رأسها عملاق النفط السعودي أرامكو، يؤكد أن الذكاء الاصطناعي تجاوز مرحلة كونه أداة اختيارية، بل أضحى مكونا أساسيا يفرض وجوده لدعم آفاق التطوير والنمو.
الرياض - تشير دراسات حديثة إلى أن شركات النفط والغاز أصبحت تستخدم الذكاء الاصطناعي بكثافة على محاور كثيرة ومتنوعة لتعظيم العوائد، مما سيساعدها على تطوير اكتشافات جديدة وتعزيز الإنتاج من الأصول القائمة وتحسين العمليات والسلامة والأمان.
والأهم من ذلك، أن تكامل أعمال شركات الطاقة من خلال الاعتماد أكثر على التقنيات التكنولوجية المتقدمة يسمح لها بتحصيل القيم الحقيقية التي تولدها الاستثمارات في القطاع، وبالتالي جني المزيد من الإيرادات.
وتعتبر أرامكو السعودية أكبر مستثمر نفطي في تقنيات الذكاء الاصطناعي. وكشف عن هذا الأمر تقرير حديث لمنصة غلوبال داتا الذي أبرز أن البلد الخليجي يستثمر بكثافة في جميع أنواع التكنولوجيا المتطورة التي سيصبح مستقبلا منافسا فيها.
وذكرت غلوبال داتا أن أرامكو أنفقت 3.5 مليار دولار على البحث والتطوير في العام الماضي، وإن الشركة نشطة في ما يصل إلى 250 مجالا من مجالات الابتكار تشمل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الطائرات المسيرة والروبوتات والسيارات الكهربائية.
ونشرت الشركة الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التنقيب عن النفط ومراقبة الأعطال واكتشاف التهديدات السيبرانية. وبحسب إيرينا سلاف الكاتبة في مجال الطاقة بمنصة “أوبل برايس” الأميركية، يضيف هذا إلى أدلة تنوع الذكاء الاصطناعي الذي يقود شعبيته المتزايدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات وغيره.
كما تشير المعلومات إلى اجتهاد أرامكو في تحقيق نوع جديد من الميزة التنافسية المعتمدة على التكنولوجيا، وفق سلاف. وفتح عملاق النفط السعودي مطلع 2023 جبهة جديدة في سياق تنمية وتوسيع أعماله من بوابة التركيز على الحلول السحابية، ضمن خطة لترسيخ الرقمنة في الأنشطة الاقتصادية.
وأعلن حينها تدشين مشروعه المشترك مع شركة كوجنايت أي.أس تحت اسم “كنتكست” لتطوير وتوزيع ونشر حلول رقمية متقدمة للزبائن في قطاعات النفط والغاز والطاقة الكهربائية والمنافع والتصنيع والشحن. وفي إطار سعي أكبر شركة للنفط في العالم وراء التكنولوجيات الجديدة، يدعم صندوقها واعد فينتشرز للاستثمار الجريء شركة تيرا درون اليابانية باستثمار يقدر بنحو 14 مليون دولار.
وتعمل تيرا في تصميم برمجيات تساعد المُسيرات في فحص ومراقبة الأنابيب والخزانات والأماكن المغلقة أو الحبيسة الأخرى. والشركة السعودية ليست الوحيدة التي اتبعت هذا المسار. وقد تحرك قطاع النفط والغاز بسرعة كبيرة في الآونة الأخيرة، بعد أن كان معروفا ببطئه في تبني التكنولوجيا الناشئة تقليديا.
وأحالت صناعة النفط منذ فترة طويلة أدوات الذكاء الاصطناعي إلى المهام المكتبية، أو المهام الخلفية مثل تقييم المسوحات الزلزالية، في حين أبقت على عمليات الحفر والتكسير الهيروليكي في أيدي البشر.
ولكن هذا الواقع تبدّل الآن، فقد صارت الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لإدارة عمليات الحفر عن بعد، واقتراح طرق أفضل للتكسير الهيدروليكي، والتنبؤ بموعد فشل مضخات الآبار النشطة.
وذكرت وكالة بلومبيرغ في وقت سابق هذا العام أن حفارات الصخر الزيتي الأميركية تنشر الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الحفر ورفع معدلات استرداد الآبار.
وكان قطاع الصخر الزيتي الأميركي من أوائل متبني هذه التكنولوجيا حيث تبقى تكاليف الإنتاج فيه أعلى مقارنة بعمليات التنقيب التقليدية عن النفط والغاز. ويفتح هذا شهية أكبر للحلول الجديدة. وتنخفض هذه التكاليف بفضل التكنولوجيا لتسريعها فترة الحفر وتحسن الدقة في نفس الوقت.
وتبدو أرامكو في ظاهرها من شركات النفط التقليدية. لكنها مبكرة وحريصة على تبني أحدث التقنيات لتحسين عملياتها، حتى خلال السنوات الصعبة مثل 2023. وتبدو الشركة مستعدة لخوض المزيد من المغامرات في مجال التكنولوجيا.
وذكرت غلوبال داتا أن أرامكو أنشأت نظام سيل البيئي للابتكار الرقمي (أو المختبر السعودي للابتكار المتسارع) للشراكة مع مؤسسات أخرى كالوكالات الحكومية والشركات الناشئة “لتعزيز تطوير منتجات الابتكار الرقمي”.
وقال سوراب نيالكالكار، رئيس قسم الابتكار في غلوبال داتا، إن “أرامكو تراهن على التقنيات المستقبلية أيضا. وهي تراقب عن كثب نظام الشركات الناشئة البيئي”. واستثمرت في الماضي القريب في العديد من الشركات مثل براغماتيك التي تطور رقائق أشباه الموصلات المرنة، وشركة صن رايت للتكنولوجيا المالية.
ويبدو أن أرامكو والسعودية تحاولان أن تتبعا خطى الإمارات العربية المتحدة لتقليل اعتمادهما على الدخل النفطي. ويمكن اعتماد الذكاء الاصطناعي والروبوتات وبقية التكنولوجيا الجديدة التي تنتجها الشركات الناشئة ومجال التكنولوجيا الأوسع لتعزيز إنتاج النفط أيضا.
ويتيح الذكاء الاصطناعي مساعدة المنتجين على خفض تكلفة إنتاج برميل النفط وزيادة الكفاءة وخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
ويلجأ المنتجون إلى هذه التقنيات لمساعدتهم في التنبؤ بحدوث عطل وشيك في المضخات، ما يساعد تلك الشركات على زيادة إنتاجية المضخات وكفاءتها، وبالتالي تقليل تكاليف التشغيل في نهاية المطاف.
كما أن الكاميرات فائقة الدقة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكنها تصوير أدق التفاصيل في خطوط الأنابيب، في حين أن الروبوتات الذكية يمكنها إجراء عمليات تفتيش، وصيانة منتظمة في منشآت النفط والوصول إلى مناطق يستحيل على العمال الوصول إليها.
وقالت منصة إفيركور إيزي إن الذكاء الاصطناعي (والتقنيات الأخرى) سيخفض تكاليف الإنتاج بأرقام مزدوجة خلال السنة الحالية. وقال المحلل بالمنصة جيمس ويست لبلومبيرغ في مارس الماضي، إن “وفورات التكاليف ستكون كبيرة وقد تبلغ 25 في المئة وحتى 50 في المئة في سيناريوهات معينة”.
وإذا تمكن الذكاء الاصطناعي من خفض التكاليف التي تتكبدها شركات حفر الصخر الزيتي، فمن المؤكد أنه سيكون قادرا على خفضها لكل لاعب آخر أيضا، حتى بالنسبة للسعوديين الذين يعدون المنتجين الأقل تكلفة في العالم.
لكن تخفيض الكلفة يبقى إحدى الفوائد العديدة التي يمكن لصناعة النفط أن تجنيها من استخدام التكنولوجيا مثل الآبار الأكثر إنتاجية، والاستكشاف الأكثر دقة، والكشف الأفضل عن التهديدات، بما في ذلك الأمن السيبراني والتسرّبات. والأفضل من كل هذا هو تأمين متطلّبات تشغيل الذكاء الاصطناعي الشره للكهرباء بأقل كلفة ممكنة.