أدوية مغشوشة تفتك بسكان أفريقيا بدل أن تشفيهم

لومي – بعد إصابته بالملاريا والتيفوئيد، ظن الخياط أياو هييفي المقيم في توغو أنه سيتعافى بعدما وُصفت له أدوية، إلا أن العقاقير التي حصل عليها كانت مغشوشة وكلّفته إحدى كليتيه.
قال هييفي “بعد أربعة أيام من تناولي الأدوية، لم يسجل جسمي أي تحسن، بل بدأت أشعر بألم في بطني”.
وبعد أسبوعين من المعاناة، أصبح غير قادر على المشي ونقل إلى المستشفى الجامعي في لومي عاصمة توغو الواقعة في غرب أفريقيا.
وأضاف هييفي “أخبرني الأطباء بأن كليتَي تضررتا… فقد كانت الأدوية والمضادات الحيوية التي استخدمت لمعالجتي في العيادة الطبية مغشوشة”.
واليوم، بعد مرور أكثر من أربع سنوات، يعاني هذا الخياط من فشل كلوي مزمن ويتعين عليه الذهاب إلى المستشفى لغسل الكلية بانتظام.
وقصة الخياط هييفي ليست فريدة من نوعها في قارة تنتشر فيها الأدوية المغشوشة.
وتقدر منظمة الصحة العالمية بأن نحو مئة ألف شخص في مختلف أنحاء إفريقيا يموتون كل سنة جراء تناولهم الأدوية “المغشوشة أو دون المعايير المطلوبة”.
وقدرت الجمعية الأميركية للطب الاستوائي في عام 2015 أن 122 ألف طفل دون سن الخامسة توفوا بسبب تناول أدوية مكافحة الملاريا ذات النوعية الرديئة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وقد ساهمت التشريعات الضعيفة وأنظمة الرعاية الصحية السيئة والفقر المنتشر على نطاق واسع، في ازدهار هذه السوق القاتلة. ومنذ عام 2013، كانت نسبة 42 بالمئة من مجموع الأدوية المغشوشة -التي ضبطت في مختلف أنحاء العالم- في أفريقيا.
يقول خبراء، إن العقارين الأكثر احتمالا أن يكونا منتهيي الصلاحية أو غير فعالين هما المضادات الحيوية ومضادات الملاريا. وفي محاولة من أجل التصدي لهذه الآفة اجتمع رؤساء سبع دول أفريقية، هي جمهورية الكونغو وغامبيا وغانا والنيجر والسنغال وتوغو وأوغندا، في لومي لتوقيع اتفاق يجرّم الاتجار بالأدوية المغشوشة ويعزز التعاون بين الحكومات ويشجع الدول الأفريقية الأخرى على الانضمام إلى هذه المبادرة.
ورغم ذلك، تبقى مهمة القضاء على تدفق الأدوية المغشوشة مهمة جسيمة، فتلك الأدوية تعرض في غلافات بلاستيكية أو تعرض في أكشاك متداعية داخل أسواق في مختلف أنحاء غرب أفريقيا. وغالبا ما تكون أسعارها جزءا صغيرا من سعر الأدوية المماثلة المباعة في الصيدليات حيث تكون الضوابط أكثر صرامة. وقال الدكتور إينوسنت كوندي كبيتو رئيس جمعية الصيدلة في توغو “من الصعب جدا تتبع مصدر الأدوية المغشوشة”.
وأوضح “البلدان التي تذكر على العلب لا تكون في معظم الأحيان بلدان منشأ هذه الأدوية”.
وتشير التقديرات إلى أن 30 إلى 60 بالمئة من الأدوية المباعة في أفريقيا مغشوشة، وقال الطبيب إن معظم هذه الأدوية تأتي من الصين أو الهند.
وتوغو هي من بين الدول الرائدة التي تحاول وقف تدفق الأدوية المغشوشة. ومن الإجراءات التي اتخذتها لتحقيق هذا الهدف، تعديل القانون في عام 2015، فأصبح المخالفون يواجهون بموجبه عقوبة السجن لمدة 20 عاما ودفع غرامة تبلغ حوالي 85 ألف دولار.
ولفت كبيتو إلى وجود “شبكات إجرامية منظمة” تدير عمليات بيع الأدوية المغشوشة، وأشار إلى أن التجار يمكنهم تحويل استثمار بقيمة ألف دولار فقط إلى ربح مقداره 500 ألف دولار. وتهرب الأدوية المغشوشة بالطريقة نفسها التي يتم بها تهريب الأسلحة أو المخدرات، وغالبا ما تحقق عائدات أعلى.
وتعد نيجيريا أكثر دول أفريقيا تعدادا للسكان بـ200 مليون نسمة، وهي الوجهة الأولى في القارة للأدوية المغشوشة.
122 ألف طفل توفوا بسبب تناول أدوية الملاريا ذات النوعية الرديئة في أفريقيا سنة 2015
ففي سبتمبر 2016، صادرت منظمة الجمارك العالمية عشرات الملايين من الحبوب والأدوية المغشوشة في 16 ميناء حول أفريقيا وكانت 35 بالمئة من هذه الحبوب والأدوية موجهة إلى نيجيريا. وينتشر في مختلف أنحاء البلاد عشرات الآلاف من بائعي المنتجات المقلدة.
وعادة ما تكون المنافسة بين التجار شرسة والوكالة الرسمية المتخصصة في مكافحة هذه المعضلة عاجزة عن التصدي لها بشكل فعّال.
في محاولة لتحسين الوضع، أسست فيفيان نواكاه في عام 2017 شركة “ميدساف” وجمعت 1.4 مليون دولار لمساعدة النيجيريين على تتبع أدويتهم من المنتج إلى المستهلك.
وقالت، “لا تملك البلاد شبكة توزيع موثوقا بها ومركزية”.
وأوضحت “يتعين على المستشفى في بعض الأحيان التعامل مع 30 أو 40 موزعا للأدوية التي يحتاج إليها. كيف يمكنك التحكم في الجودة مع عدد كبير من الموردين؟”.
ونتيجة لذلك، لم تغمر الأدوية المغشوشة أو المعيبة الأسواق فحسب، بل غمرت أيضا الصيدليات والمستشفيات الحكومية والخاصة على حد السواء.
وتعمل ميدساف على مراقبة جودة آلاف المنتجات في أكثر من 130 مستشفى وصيدلية في نيجيريا. وهي تتطلع إلى التوسع في نيجيريا وساحل العاج والسنغال.
وتستخدم هذه الشركة الناشئة التكنولوجيا وإدارة قواعد البيانات والتحليل لمراقبة حركة الأدوية والتحقق من رقم التسجيل الرسمي وتواريخ انتهاء الصلاحية وظروف التخزين.
وقالت نواكاه “التكنولوجيا التي نستخدمها يمكن أن تساعد على حل معظم القضايا المتعلقة بالأدوية المغشوشة. الناس يموتون من دون سبب. يمكننا تغيير ذلك”.