أدهم العبودي: كل كتابة هي خطوة نحو المستقبل

من الصفات المغلوطة لأدب الشباب حصره في أنه كتابة جانحة للحديث عن موضوعات الرعب والجريمة والاعتماد على ثيمات التشويق السينمائي السطحية، وهذا ما تفنده عدة تجارب أدبية شابة مثل الروائي المصري أدهم العبودي، والذي التقته “العرب” في حديث عن روايته الأخيرة “الخاتن” والعوالم التي دارت فيها أحداث الرواية، وغيرها من الموضوعات الثقافية.
الثلاثاء 2016/06/21
علينا أن نستعين بالتاريخ لصنع أساطيرنا الخاصة

ولد الروائي المصري أدهم العبودي في صعيد مصر بمدينة الأقصر، ودرس في كلية الحقوق جامعة أسيوط، كتب مجموعة قصصية بعنوان “جلباب النبي”، كما فازت روايته الأولى “باب العبد” بجائزة الشارقة للإبداع العربي 2012، ليتبعها بعدد من الأعمال الروائية البارزة هي “متاهة الأولياء” التي اختيرت كثاني أفضل رواية صدرت في الوطن العربي بعد رواية “366” لأمير تاج السّر في عام 2013 في استفتاء مؤسّسة نجيب محفوظ الثقافية، و”الطّيبيون”، فضلا عن رواية “خطايا الآلهة”، وأخيرا رواية “الخاتن” التي صدرت مطلع العام الجاري.

ختان الأوطان

في روايته الصادرة حديثا “الخاتن” يتحدث العبودي عن ختان الأوطان من قبل الأنظمة القمعية والسلطوية، منطلقا من حدث تهجير الأكراد من أوطانهم إبان الحرب العالمية الأولى، وعن سبب اختياره لذلك الحدث والزمان كنقطة انطلاق للرواية يقول العبودي “هذه المنطقة شبه مُغلق عليها تاريخيا، لم يتناولها روائي من قبل، ولم يُبدِ فيها بيانا ولا خيالا ولا حتّى حاول كاتب أن يتطرّق إلى علاقة الكرد بالنظام العربي، أو النّظام العثماني آنذاك، وهي منطقة ثريّة، مليئة بالإخفاقات والإحباطات المتوالية، وقد قرأت عن هذه الفترة كثيرا، لم أجد تأريخا وافيا، ولم أجد أرضا يُمكن أن تنطلق منها أحداث روايتي غير الخيال، اللّهم إلّا بعض التأويلات السّطحية، والتدوينات غير الوافية”.

في بداية رواية “الخاتن” يقارب الروائي المصري ما بين ختان الإناث وما يتبعه من ألم نفسي وختان الأوطان. وهي مقاربة تم بترها في الصفحات الأولى؛ إذ ينتهي الحديث عن مصير الفتاة المختونة في كلمات قليلة وإن تذكرها البطل فيما بعد، وهنا يلفت العبودي إلى أن الصّورة الرمزية التي عمد إلى تشكيلها داخل متن البناء الروائي لم تُبتر بمدار الأحداث، فكان الذي يشغله هو وصف صورة صادمة لفعل الخِتان تليق بأثر هذا الفعل نفسيا على الأنثى، وهو أثر له دلالات قطعية حاسمة.

ختان الأوطان

مضيفا “أظنّها كان لابدّ وأن تأتي عن طريق آلية البتر السردي، فضلا عن زعمي بأنّي واحد من الذين لا يتّكئون على البناء التقليدي في كتابة الرواية، فقد يجوز أن يحلّ حدث ما في رواية عندي كأحد الأحداث المحرّكة لرواية أخرى، وفق فروض النسيج الروائي، لا أظنّ أنّي أهتمّ كثيرا بالآليات الصّارمة والقيود التي تكبّل روائيين آخرين، مع ذلك، لديّ حسّ متوهّج ودائم بشخوصي أثناء مباشرة رسم التصّورات عنهم، أو رسم مصائرهم، أو تشابك هذه المصائر وتعقّدها”.

وبسؤاله عن سبب اختياره لأن يرحل الكرديفي الرواية إلى مصر والصعيد تحديدا دون غيرها من الدول، وإذا ما كانت الرواية قد فرضت ذلك التحول، يقول العبودي “لا تستطيع أن تفرض عليّ الرواية تحوّلا في المُجمل، يُمكنني أن أسوق الأحداث للاتّجاه الذي يتسّق وتصوّري، أو يتلاءم مع الخيال الروائي، كون الكردي رحل إلى مصر ثم الصّعيد فذلك كان لغاية وضرورة حدثية، منها على سبيل المثال أنّ الصّعيد هو الأرض التي تنطلق منها كلّ تصوّراتي عن العالم، الأرض التي يُمكن لها أن تمنحني التفاصيل والخيال والسرد، بشخوصه وملابساته وطريقة التلاقي مع الحياة، الصّعيد عندي هو أصل كلّ التأويلات والإسقاطات، فهل كان يُمكن أن أرحل إلى أرض أخرى لا أعرفها وأجعلها مصبّا للأحداث في روايتي؟ لا أظنّ أنّ هذا منطقي، والذين يفعلونه، سرعان ما يسقطون في انفلات الحدث أو عدم وصف المكان بالشّكل المناسب، أو يسقطون في أخطاء فادحة لها علاقة بجغرافيا المكان وميتافيزيقيته”.

الكتابة مستقبل

عن اهتمامه بطرح الأسئلة الفلسفية والوجودية في أعماله، وضرورة وجود البعد الفلسفي في العمل الأدبي، يوضح العبودي “ليس لديّ تصوّر ثابت عن مفهوم التشويق الروائي، ما معنى التشويق أصلا؟ أفلام الأكشن مليئة بالتشويق، لكنّها لا تشكّل تاريخا بصريا للمكان، ولا ترسّخ للجمال، والروايات البوليسية وروايات الرعب والبوب آرت التي سادت الشريحة القرائية مؤخّرا، كلها قائمة على هذا المفهوم الملتبس، من يتذكّر اليوم محمود سالم أو نبيل فاروق؟ فالرهان على الكتابة التي تتجاوز حدود الزّمن وتعيش، الكتابة التي تشكّل الوعي وتؤثّر تأثيرا مباشرا على التغيّرات المجتمعية، إضافة إلى أنّ الذي يستهويني بالأساس هو العلاقات الجدلية بين الإنسان ومكانه، بين الإنسان وعقيدته، بين الفرد والآخر، وكي يتمّ تكوين فلسفة خاصة بعيدة كلّ البعد عن المفاهيم التجارية، علينا أن نتوخّى الحذر أثناء الكتابة، وأن تكون خلفياتنا الثقافية ومخزوننا المعرفي أساسات لاقتحام الوعي العام، والتأثير عليه”.

الثقافة العربية منبطحة أمام السّلطة

في روايته “الطيبيون” يعود العبودي إلى الحقبة الفرعونية من التاريخ المصري، وفي “الخاتن” يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وعن سبب اهتمامه بالعودة إلى حقب تاريخية قديمة، وحجم الجهد البحثي الذي يتطلبه ذلك منه، يشير العبودي إلى أن التّاريخ طاقة كُبرى مفتوحة أمام كلّ خيال، وعلينا أن نستعين بالتّاريخ لصنع أساطيرنا الخاصّة، من فكرة الامتداد الحضاري نفسها، وغير ذلك، فروايات “باب العبد” و”متاهة الأولياء” و”خطايا الآلهة” لم تكن تتحدّث عن حِقب تاريخية بعينها، بقدر ما كانت تفتّش في تاريخ الإنسان نفسه، “إذا علينا أن ننهل من التّاريخ القديم كي نصنع تاريخا جديدا”، مضيفا “هذا شاق حقيقة، فلكي تكتمل كتابة ‘الطيبيون’ قرأت ما يناهز الخمسين مرجعا، منهم سليم حسن كاملا، وهنري برستيد، وغيرهما، وفي ‘الخاتِن’ استعنت بمراجع كثيرة عن فترة الحرب العالمية الأولى، وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط، والتحوّلات التي حصلت فيه”.

وبسؤاله هل على الرواية أن تستشرف البعض من ملامح المستقبل؟ يجيب العبودي “في العموم كلّ كتابة هي مستقبل في حدّ ذاتها، ليس شرطا أن تستشرف ملامح مستقبل بعينه، لأنّها في النهاية أحد ملامح هذا المستقبل، ليس شرطا أن تواكب التغيّرات المجتمعية المتعاقبة، لأنّنا لسنا أمام مرجع تاريخي، نحن أمام رواية، تقوم في الأصل على الخيال، يُمكنها أن تتّخذ من تغيّرات المجتمع أرضية ينطلق منها الخيال”.

أما في ما يخص رؤيته للمشهد الثقافي المصري في الوقت الراهن، فيعتبر ضيفنا أن هذا المشهد غائم، ولا حدود لفسادِه، إذ هناك أجيال تتحكّم في مقدّرات الثقافة المصرية، والعربية ككلّ، هذه الأجيال تربّي أجيالا أخرى على هذه السياسة، فتضيع الحقوق، وتسيطر كيانات بعينها على المؤتمرات والجوائز والندوات والتكريمات والمِنح والعطايا والثقافة ووزيرها وموظفيها.

ويشدد الروائي على أن المشهد الثقافي بلغ حدّ انعدام الأمل في إصلاحه، وفيه تتجلّى المصالح الفردية، والمنفعة، والثقافة العربية منبطحة أمام السّلطة بشكل سافر وواضح، فلم تتحرّر الثقافة العربية من قيود السلطة، ولن تفعل، لأنّ السّلطة التي تريد الاستمرار في مسلسل القمع والتغييب والتجهيل عليها أن تبدأ بالثقافة أولا. المثقف في الظلّ، منفصل عن الشّارع، وليس على المثقّف الآن غير أن يُبدي آراءه بحريّة، ويكتب، فقط.

15