أدنوك للغاز بداية لطرح صناعة الطاقة في أسواق الشرق الأوسط

يراقب المحللون تواصل ارتفاع الاهتمام العالمي بالأصول المرتبطة بالنفط والغاز بدرجة غير مسبوقة نتيجة مخلفات الحرب في شرق أوروبا على اقتصادات العالم، ما جعل الدول المنتجة تركز على القطاع بشكل أكبر، مما يحفز على المزيد من الإدراجات وخاصة في أسواق الشرق الأوسط.
لندن - تتزايد قناعة محللي الطاقة بأن إدراج ذراع الغاز لشركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” مجرد بداية لطرح هذه الصناعة في أسواق الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة.
ويبدو التركيز على هذا القطاع يتجاوز الارتباط التقليدي بعقد الصفقات وتنمية الموارد الطبيعية وزيادة الاستثمار التشغيلي لتحقيق المكاسب، بالنظر إلى المتغيرات العالمية الراهنة.
وذكرت مجموعة الطاقة الإماراتية في هذا السياق عبر بيان صدر عنها الأسبوع الماضي أن عائدات الاكتتاب العام لأدنوك للغاز، التي تشكلت من دمج ذراعها لمعالجة الغاز ووحدتها للغاز الطبيعي المسال، وصلت إلى 2.5 مليار دولار.
ويعد الطرح أكبر إدراج حتى الآن خلال السنة الحالية في أسواق المنطقة، بما يدل على محورية الشرق الأوسط وخاصة الإمارات وقطر والسعودية، في التمويل الدولي.
وحتى الآن لا توجد مؤشرات على أن الدوحة ستقوم بطرح شركة قطر للطاقة في البورصة، كما أن الكويت تبدو بعيدة عن التفكير على الأقل حتى الآن في إدراج شركة البترول الحكومية، في المقابل قد تفكر مصر في ذلك.
وحددت أدنوك تخطي القيمة المستهدفة لقيمة إجمالي الطلب على أسهم الطرح بخمسين مرة، حيث تجاوزت 124 مليار دولار. وقررت بذلك رفع حجم الطرح الأولي إلى 5 في المئة من أسهم الشركة.
وكان أكبر طرح في العالم، الذي قاده عملاق النفط السعودي أرامكو في أواخر 2019، قد تلقى تقلبات بنحو 119 مليار دولار، في حين جمعت الشركة نحو 32 مليار دولار من اكتتاب اثنين في المئة من أسهمها.
واختارت أدنوك الأم تسعير الأسهم عند 2.37 درهم (0.65 دولار) للسهم الواحد، بعد أن عرضت نطاقا سعريا يتراوح من 2.25 إلى 2.43 درهم.
وبفضل ذلك تم تقييم الشركة بأكثر من 50 مليار دولار، ما يجعلها تقارن مع مجموعة الطاقة الإيطالية إيني وفاليرو إنرجي الأميركية للتكرير وأوكسيدنتال بتروليوم الأميركية لإنتاج النفط.
ويرى سيريل ويديرشوفن، الكاتب في منصة “أوبل برايس” الأميركية، أن أزمة الطاقة العالمية هي الدافع الرئيسي وراء الاهتمام الكبير بغاز أدنوك، حيث يرتبط جزء كبير منها بهذا السوق.
وقال “تشمل عوامل أزمة الغاز الرئيسية تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو وعجز مصادر الطاقة المتجددة عن سد الفجوة التي خلّفتها موسكو في أوروبا”.
وتبرز آثار أزمة إمدادات الغاز في بيانات أدنوك للغاز للسنة المالية 2022/2021، فهي تعددّ أرباحا قياسية بلغت 8.7 مليار دولار العام المالي الأخير، الذي انتهى في أكتوبر الماضي.
ورغم الضبابية التي تسود الاقتصاد العالمي، لكن يسود تفاؤل بين محللي الطاقة، بمن فيهم ويديرشوفن، من أن يتواصل تصاعد الطلب العالمي على الغاز، وأن تظل الأسعار مرتفعة حتى العام 2026 على الأقل.
واستثمرت أدنوك للغاز وغيرها من شركات الطاقة العملاقة المليارات من الدولارات لمواكبة الطلب المتوقع في المستقبل، خاصة مع تحقيقها لأرباح قياسية العام الماضي. ومن المتوقع أن يبدأ تداول أسهمها بداية من الاثنين المقبل.
وقررت أدنوك خلال الأسبوع الماضي زيادة حجم طرحها بنسبة 25 في المئة لمواكبة اهتمام المستثمرين الكبير. ومن المنتظر أن تخلق أسعار الطاقة المرتفعة وتوقعات السنوات القادمة الإيجابية تدفقا نقديا مرتفعا.
ومن المنطقي توقع عمليات طرح عام أولي جديدة مرتبطة بالغاز في المنطقة خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث يبقى الاكتتاب العام الأولي لغاز أدنوك أنجح عملية طرح عام لشركة أبوظبي العملاقة حتى الآن.
وقدّم المستثمرون طلبات شراء بقيمة 23 مليار دولار، حيث تجاوزت الاكتتاب بحوالي 58 ضعفا. لكن المستثمرين الرئيسيين يبقون من المؤسسات الاستثمارية، بما في ذلك الشركات المرتبطة بأبوظبي التي التزمت بشراء 850 مليون دولار من الأسهم في الطرح العام الأولي، مثل “ألفا ظبي القابضة”.
وحوّلت المجموعة الأم المملوكة لحكومة أبوظبي قبل عملية الطرح حوالي 5 في المئة من رأسمال أدنوك للغاز إلى شركة أبوظبي الوطنية للطاقة.
وستركز الشركة، التي تأسست أواخر العام وبدأت العمل رسميا مطلع 2023، على جني ثمار احتياطيات أبوظبي من الغاز التي تعد سابع أكبر احتياطيات في العالم، حيث تستهدف زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال ثلاث مرات إلى 15 مليون طن سنويا.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية لأدنوك للغاز حوالي 10 مليارات قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا، وتقدم الشركة خدماتها لمجموعة كبيرة من العملاء المحليين والدوليين من خلال محفظة واسعة من المنتجات.
وتوفر أدنوك للغاز نحو 60 في المئة من احتياجات دولة الإمارات من الغاز، كما تصدر الغاز الطبيعي ومنتجات أخرى لمجموعة من الزبائن في أكثر من عشرين دولة.
ويعتقد ويديرشوفن أن السوق يمكن أن تشهد المزيد من الأخبار المتعلقة بالاكتتابات في الأشهر القليلة المقبلة، حيث تراقب الأطراف الأخرى في المنطقة مدى توجه المستثمرين إلى الأصول المتعلقة بالهيدروكربونات.
وتوقع أن تعيد قطر تقييم خياراتها، حيث تتطلع أكبر دولة مصدرة للغاز في العالم إلى الاحتفاظ بدورها المهيمن. وقال “ستنتج دفعة كبيرة للبلاد عن أي مبيعات إضافية لأسهم الشركات المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال”.
كما قد تفكر مصر المنتجة للغاز في شمال أفريقيا في هذا النهج لإنعاش اقتصادها. ويمكن أن تقرر تقييم خيار طرح حصة في صناعة الغاز الطبيعي المسال سريعة النمو، لجني بعض السيولة الإضافية دون الحاجة إلى طالب الدعم المالي من جيرانها العرب.
لكن العرض الأكبر قد يأتي من أرامكو، حيث كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يدرس فكرة طرح المزيد من الأسهم على المستثمرين.
وقال ويديرشوفن “ستلاحظ الرياض بالطبع نجاح الاكتتاب العام الأولي لشركة أدنوك للغاز”. ويعتقد أن بيع 2.5 إلى خمسة في المئة أخرى من أرامكو قد يكون عرضا جذابا للسعوديين.
وأضاف “قد يشكّل التقييم المرتفع الحالي للأصول الهيدروكربونية والحاجة إلى تمويل المشاريع العملاقة، مثل نيوم وأوكساجون، حافزا كبيرا لصناع القرار في أكبر منتج للنفط في العالم.