أدنوك تطارد فرص دعم محفظة أصولها في أوروبا

تبذل شركة أدنوك الإماراتية جهودا كبيرة لتعزيز عملياتها الناشئة وخاصة في أوروبا عبر محاولة الاستحواذ الصعبة على بي.بي البريطانية لتصبح أعمالا تجارية قيمتها المليارات من الدولارات خلال العقد الحالي بما يترجم إستراتيجيتها التوسعية.
أبوظبي - كشفت مصادر مطلعة أن شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) فكرت في الآونة الأخيرة في شراء شركة بريتيش بتروليوم (بي.بي) البريطانية، لكن المداولات لم تتقدم إلى ما هو أبعد من المناقشات المبدئية.
وذكرت المصادر لوكالة رويترز الجمعة أن أدنوك رأت في النهاية أن بي.بي لن تكون الشركة المناسبة لإستراتيجيتها. وصرح أحد المصادر بأن الاعتبارات السياسية أثّرت أيضا على هذه الخطوة المحتملة.
وتراجع أداء بي.بي التي تبلغ قيمتها 88 مليار جنيه إسترليني (110.3 مليار دولار) مقارنة بأداء الشركات المنافسة لسنوات، وهو ما يقول مستثمرون ومحللون إنه جعل الشركة البريطانية هدفا محتملا للاستحواذ.
وتمر شركات النفط الأميركية العملاقة بأكبر عملية اندماج في الصناعة منذ عقود، لكن شركات النفط الأوروبية الكبرى لم تنخرط في ذلك حتى الآن.
وعاقب المستثمرون خطة بي.بي لتقليل إنتاج الوقود الأحفوري وتحوّلها بوتيرة أسرع نحو مصادر الطاقة المتجددة مقارنة بالشركات المنافسة ومنها شل وإكسون وشيفرون. وتراجعت الشركة البريطانية عن خططها الأكثر جرأة للتحول في الطاقة في فبراير 2023.
وعلى العكس من ذلك، زادت أدنوك ثاني أكبر شركة للطاقة في الخليج العربي بعد العملاق السعودي أرامكو طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز، كما يسعى الرئيس التنفيذي سلطان الجابر إلى إعادة تقديم الشركة الحكومية العملاقة باعتبارها شركة نفط عالمية كبرى.
ومنذ تولى الجابر منصبه في العام 2016 على رأس الشركة، تخلت أدنوك عن نهجها المحافظ السابق، وسعت إلى تحقيق حضور عالمي طموح أسوة بما تقوم به شركات عالمية كبرى في القطاع.
وتعد أدنوك غير المدرجة كبيرة بما يكفي للنظر في الاستحواذ على الشركة البريطانية التي تعد الأصغر بين الكبار.
وتتطلع الشركة الإماراتية ضمن إستراتيجيتها التوسعية إلى ضمان تدعيم حضورها في أسواق أوروبا وكذلك أفريقيا، وتوسيع أنشطتها في مجالات أخرى من الطاقة.
ويقود تنامي الطلب كبار اللاعبين إلى إعادة ترتيب تسويق حصصهم وإلى تحقيق أكبر ما يمكن من الإيرادات، خاصة في ظل تراجع الاستثمارات في القطاع والتداعيات التي لا تزال مستمرة جراء الأزمة الأوكرانية، ما جعل الأسعار في أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وقال مصدران إن “أدنوك وبي.بي تحدثتا مباشرة خلال الأشهر القليلة الماضية، كما طلبت الشركة الإماراتية المشورة من بنوك استثمارية حول صفقة محتملة”.
وذكر مصدر آخر أن الشركة الإماراتية درست جميع الخيارات عندما تطلعت إلى شركة بي.بي، بما في ذلك شراء حصة كبيرة. وأكد أن بي.بي كانت ضمن عدة شركات تدرسها أدنوك.
وفي عمليات الاستحواذ المحتملة، عادة ما تقيم الشركات الكبيرة القيمة في السوق والقيمة الإستراتيجية للمنافسين.
وفي ما يتعلق بدراسة الاستحواذ على بي.بي، قال المصدر إن “الأمر لم يتقدم كثيرا”. وأوضح أن أدنوك تتطلع أيضا لشركات عالمية أخرى لمنحها إمكانية الوصول إلى محفظة أكبر من الغاز الطبيعي المسال.
وأحجمت أدنوك عن التعليق على تلك الأنباء، كما رفض متحدث باسم بي.بي ومتحدث باسم وزارة الأعمال البريطانية التعليق.
شركات النفط الأميركية العملاقة تمر بأكبر عملية اندماج في الصناعة منذ عقود، لكن شركات النفط الأوروبية الكبرى لم تنخرط في ذلك حتى الآن
وارتفعت الأسهم الأميركية لشركة بي.بي 0.2 في المئة في تعاملات بعد ظهر الخميس الماضي، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ ستة أشهر عند 40 دولارا لتمحو خسائرها السابقة.
وتؤكد هذه الخطوات طموحات أدنوك للتوسع دوليا ضمن إستراتيجية تحول الطاقة التي تتبناها دولة الإمارات. كما تسلط الضوء على ضعف شركة بي.بي مع تشكيك المستثمرين في خططها.
وقالت أدنوك لرويترز في وقت سابق إنها “تبحث عن فرص استثمارية في مجالات تشمل الطاقة المتجددة والغاز والبتروكيماويات والغاز الطبيعي المسال في إطار توسعها عالميا”. وتنظر أدنوك إلى تلك القطاعات باعتبارها من الأسواق الرئيسية للنمو في المستقبل.
وتسعى أدنوك إلى الاستحواذ على سلسلة من الأصول الأوروبية. وقدمت في العام الماضي عرضا غير ملزم بقيمة نحو 11.3 مليار يورو (12.1 مليار دولار) للاستحواذ على شركة صناعة البلاستيك والكيماويات الألمانية كوفيسترو.
كما تجري محادثات مع شركة أو.أم.في النمساوية لإنشاء شركة كيماويات عملاقة تصل مبيعاتها السنوية مجتمعة إلى أكثر من 20 مليار دولار.
وفي ديسمبر الماضي، اتفقت على شراء حصة شركة أو.سي.آي المنتجة للكيماويات في شركة إنتاج الأمونيا واليوريا فرتيغلوب مقابل 3.6 مليار دولار.
وتقدر بي.بي، التي أعلنت عن أرباح بلغت 13.8 مليار دولار العام الماضي، بأدنى قيمة بين شركات النفط العالمية الكبرى قياسا بالقيمة السوقية مقابل التدفق النقدي.
واتسعت الفجوة بين نسبة السعر إلى التدفق النقدي على أساس الاثني عشر شهرا التالية لشركة بي.بي ومنافستها شل في الأشهر القليلة الماضية إلى مستويات لم تُسجل منذ سنوات.
وقال جياكومو روميو المحلل لدى جيفريز إنه على الرغم من تداول أسهم بي.بي “مع خفض واضح للقيمة مقارنة مع نظيراتها”، إلا أن الشركة لديها “مجموعة جذابة من الأصول منها فرص نمو جيدة في محفظتها الأولية وأعمال تجارية هي الأفضل في فئتها”.
وتولى موري أوشينكلوس الرئيس التنفيذي لشركة بي.بي منصبه في يناير الماضي، خلفا لبرنارد لوني الذي أقيل في ديسمبر 2023 بسبب مغالطته لمجلس الإدارة حول علاقات شخصية مع زملائه.
وقال جوشوا ستون المحلل في يو.بي.أس إن “خطوة أدنوك تسلط الضوء على وجهة النظر القائلة بأن قطاع النفط والغاز الأوروبي يجري تقييمه بأقل من قيمته الحقيقية”.
وأضاف ستون لرويترز “السؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كانت بي.بي قادرة على إقناع السوق بالنمو الذي لم يتحقق بعد من أعمالها لتحول الطاقة”.
وفي فبراير الماضي، أعلن أدنوك وبي.بي اللتين تعملان معا منذ أكثر من نصف قرن عن مشروع مشترك لتطوير أصول الغاز في مصر.
كما قدمتا عرضا بقيمة ملياري دولار لشراء حصة 50 في المئة في شركة نيوميد الإسرائيلية لإنتاج الغاز العام الماضي، لكن توقفت الصفقة مؤقتا بسبب الحرب في المنطقة.
ودخل قانون الأمن القومي والاستثمار البريطاني حيز التنفيذ في العام 2022، ويمنح الحكومة سلطة التدخل في عمليات الاستحواذ لأسباب تتعلق بالأمن القومي في قطاعات منها الطاقة.
وأبلغت الحكومة البريطانية في وقت سابق بي.بي المدرجة في بورصة لندن أنها ستمنع أيّ محاولات استحواذ من قبل كيانات أجنبية نظرا للقيمة الإستراتيجية للشركة، حسبما قالت مصادر مطلعة لرويترز.
ولم يتضح ما إذا كانت الحكومة الحالية ستتخذ الموقف نفسه. وقالت مصادر لرويترز الشهر الماضي إن “الإمارات أبدت اهتماما بالاستثمار في البنية التحتية للطاقة النووية في بريطانيا”.
وأوقفت الحكومة الشهر الماضي عملية استحواذ إماراتية على صحيفة تليغراف، كما تعتزم منع الحكومات الأجنبية من امتلاك صحف بريطانية.