أدب ووسائط

الأحد 2018/01/07

لا يمكن أن ننكر ونتنكر اليوم لدور الإنترنت كحلقة من حلقات التطور التكنولوجي والعلمي الهادف إلى تكسير الحدود الجمركية ضمن اقتصاد السوق والتبادل الحر. وفي المقابل، أصبح الحديث في هذا الخضم عن رأس المال المعرفي الآتي من مجموع الخبرات والأنماط للهويات الثقافية؛ وقد يتم الرقي بها لمجتمع المعرفة الذي لا يتوقف عند التداول التقليدي للثقافة والمعرفة.. بل إنتاجها وتسويقها بالمعنى الرمزي.

في هذا السياق، وضمن المجال الأدبي، ظهرت مواقع ثقافية ضمن الشبكة الإلكترونية تمتص الإبداعات على اختلاف أشكالها من شعر وقصة ورواية.. وهو ما ساهم حقا في توفير مساحة حرة دون رقيب ولو أدبيا أحيانا. فأصبح الأدب منسابا كبحيرة في جزيرة ما ضمن واقع يحاصر المساحات الثقافية ويطاردها نظرا للأعطاب الكثيرة المعروفة.

فالشبكة هذه، لا تكتفي بالعرض فقط، بل خلق نوع من الحوار المباشر حول الإبداعات. وهو ما أدى إلى تفاعل مباشر، دفع الكثير من النوافذ الإيصالية إلى تطوير تأثيثها الداخلي؛ قصد سهولة الاستخدام وإثارة المشاهد جماليا. وبالتالي، فالصفحة على الإنترنت تتصف ليس فقط بعرض وطول؛ بل برحابة وعمق الداخل. فبدأ هذا الواقع الإلكتروني ينتج آلياته التواصلية وخصوصية تلقيه.

ضمن هذه المساحة الإلكترونية انضافت للأدب المعروض تقنيات الحاسوب والإنترنت من صوت وصورة ومشاهد وحركة.. فأصبح الأدب يتميز عن الآخر الورقي بمواصفات تفاعلية لمخاطبة مشاعر المشاهد وإثارته، ليس فقط للتلقي، بل للمساهمة في بناء النص دلاليا واحتماليا. إن هذا الفيض والذي لا يستقر على ملمح، يطرح السؤال حول النشر الورقي الذي ينبغي أن يتحرر من أحاديته، وبالتالي دمقرطته..

كما يطرح السؤال حول المؤسسة الثقافية قصد تجديد آليات تواصلها لتتصف بالنجاعة والانفتاح.. إذا حصل، ستغدو حلقة الإنترنت امتدادا طبيعيا لأشكال التواصل الأخرى قصد إخضاع الأدب الافتراضي للسؤال دون انعزاله ضمن صناديق فاقدة للحركة والنقاش الجاد حتى لا تطفو الرداءة ويسقط الأدب.

ويمكن طرح السؤال أيضا حول الكثير من المواقع الثقافية الإلكترونية التي تتحرك دون أسئلة موجهة بقدر ما تراكم المواد دون جدل حقيقي داخل الثقافة والتاريخ.. لأن الأدب لا يمكن أن يكتسي معناه وتموقعه إلا داخل سير زمني، وتبصيم إنساني دون انغلاق طبعا. ونعرف أن السرعة تقتل الأدب الأصيل لذا ينبغي استحضار هذه المحاذير حتى لا يتحول الإبداع إلى رفس لغوي لا ظاهر له ولا باطن لا وجه له ولا خلفية.

فهذه التقنيات الرقمية جعلت الإيصال متعدد الوسائط والخصائص؛ فأصبحنا معها نتحدث عن واقع افتراضي وأدب رقمي.. وهو ما يدفع إلى توالد أسئلة عدة مرافقة، نصوغ منها: هل يحضر الإنترنت وضمن المجال الأدبي والثقافي كشاشة فقط للعرض والاستعراض أحيانا؟ أم كأداة من أدوات الإيصال الموسومة بالسرعة والفعالية؟ وكيف تعامل المبدع العربي اليوم مع هذه التقنية؟ وما هي مساحة الأدب -بمعنى الأدب- ضمن هذه النافذة؟

إن الثورة المعلوماتية على انتشارها الواسع في العالم، نعرف أنها تنمو عربيا في بيئة غريبة لكن أحيانا بشكل مشوه، كأن هناك قطيعة بين ما هو ورقي ورقمي. وامتد ذلك إلى الأدباء أنفسهم، إذ ليس هناك إقبالا كليا على هذه الأدوات التواصلية والتي ليست غاية في حد ذاتها. لكننا نرى البعض يشهرها كبدائل لآليات التواصل التقليدي والورقي.

في تقديري، فالأدب في جوهره أدب، وحتى الأشياء التي تنضاف إليه (إلكترونيا) فهي من صميم تربته: من صورة وحركة ومشاهد. ولعل الهدف هو إيصال العمل الأدبي لتلق حواري وفعال. وبالتالي، تبادل التجارب والخبرات لخلق ذاك الجدل المفتقد داخل الثقافة العربية، في انفتاح تجاذبي مع الثقافات الإنسانية. ومن جهة أخرى فالإنترنت فتح باب التخزين على مصراعيه للعرض والتوثيق والاستثمار…

الآن يمكن تحميل موسوعات وكتب هناك وعلى افتراض. ومن شأن هذا أن يحفز على ضبط معالم ذاكرتنا الجمعية المعطوبة على أكثر من صعيد. الشيء الذي يدل أن الإنترنت في مجال الإبداع والثقافة ينبغي توظيفه تبعا لرغبات وحاجيات جماعية تجيب على أسئلة المرحلة المعقدة المسالك دون الذوبان في النمط والنموذج الساري أو تكريس لقطيعة غير مبررة بين الورقي والرقمي.

من هذا المنطلق، قد يساهم الإنترنت في تداول الأدب على مستوى أوسع وإخراجه من نطاق المحلية، وقد يؤدي ذلك إلى جدل خلاق بين الورقي والرقمي لكي يغدو كلاهما امتدادا للآخر. ولا يمكن أن يسود ذلك إلى ضمن مناخ عقلاني وحداثي ليس في الأذهان والتمثلات فقط، بل على الأرض.

شاعر وكاتب من المغرب

10