أدب تدمير الطفل

الأحد 2016/08/21

هل السبب أنني قارئ غير متابع لحركة الكتابة العربية الموجهة للطفل؟ ربما، فليس من المعقول أن تكون هذه هي حقيقة مشهد الأدب المكتوب للطفل العربي! قصص تحمل عناوين مكررة وكأنها لم تغادر فضاء سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، من قبيل “الأرنب الكسلان”، “مغامرات عصفور”، “القطة أليفة”، “الفيل المغرور”..، ورسومًا لم تتحرك بالخيال ولو ستين سنتيمترًا خلال أكثر من ستين عامًا، تخلط في المفهوم بين البساطة والبلاهة، والمباشرة والركاكة.

هل بالفعل ما زال الأدباء العرب المهتمون بالطفل يظنون أن هذا الخطاب هو المناسب لأطفالنا، وهي مصيبة، أم أنهم يدركون أنه بالفعل لم يعد مناسبًا، ولكنهم لعجزهم عن تطوير أنفسهم قرروا التشبث بما يعرفون لأنه مصدر رزقهم الوحيد؟ وهي مصيبة أيضًا.

الأعجب من كُتّاب هذه النوعية من الأدب الموجّه للطفل هم ناشرو هذا الأدب، والأعجب من الطرفين عدم الانتباه إلى أن استمرار حركة بيع هذه الكتب وشرائها منتهية الصلاحية الفكرية والجمالية لا يعني إقبال الأطفال عليها، إنما يعني أن آخرين يُشبهون هؤلاء الكتاب وهؤلاء الناشرين هم المسؤولون عن شراء هذه الكتب وتخزينها على أرفف مكتبات المدارس والحضانات وغيرها من مؤسسات لا تحكمها رؤية تعليمية أو تربوية أو جمالية من الأساس، مجرد مؤسسات لديها ميزانيات تسعى لإنفاقها على بنودها الرسمية، ومجموعة من “أمناء المكتبات” وأضعها بين ظفرين لأنها مجرد مصطلح لوظيفة لم يعد يحمل معناه؛ لا أمانة فيه ولا مكتبة بالمعنى الدقيق، إنما موظفون مهمّتهم توريد كتب أطفال للمكتبات وإنفاق الميزانية المخصصة لذلك قبل انتهاء العام المالي، وهذه هي الكتب التي يعرفونها أو يجدونها أو يعرضها عليهم الناشرون بصفقات تساهم في دعم ميزانياتهم الشخصية المتواضعة. أين الطفل وأين الأدب المكتوب للطفل من كل هذا؟ إنه أدب تدمير مبرمج لما بقي من أمل في المستقبل.

خلال العشرين سنة الماضية -لن أقول تطورَ- بل انتقل مفهوم الطفولة إلى سماء أخرى، هذه السماء لم يعد يليق بها هذا الرّكام المسفّ من الكتابات التي تتمسح بالطفل وعوالمه ونفسيته وسلوكه ونموّه وخياله.. بينما هي لا تعرف عن كل ذلك -إن كانت تعرف- إلا ما لم يعد صالحًا للتداول منذ أربعين عامًا على الأقل.

ماذا نريد لأطفالنا؟ هذا سؤال ينبغي أن تكون له هيئة أو كيان مختص مهمته متابعة طروحات ومقاربات للردّ عليه، وهي طروحات ومقاربات لأنها ليست نهائية ولا ثابتة بل تتغير كل يوم بتغيّر معطيات العصر وظروفه، وعليه فإنها تحتاج إلى متابعة دورية دؤوبة واعية تقترح وتطوّر باستمرار برامج مناسبة لتحقيق التصور المناسب لما نريد لأطفالنا. هذه البرامج تتحول إلى مشاريع عمل في المناهج التعليمية والإعلامية والألعاب والكتب وكافة أوعية التواصل المختلفة التي تؤثر في الطفل.

يبدو الكلام متعاليًا عن الواقع العربي المخزي ومتجاهلًا لحقائقه التي ليس أصعبها أن هناك أطفالًا بلا مأوى ولا غذاء، ولكن عزائي الوحيد هي قناعتي بأنّ ما أتحدث عنه جزء أصيل من حلّ تلك المشكلات بإحياء الأمل في مستقبل خال منها ومن غيرها.

إن التخطيط لمستقبل أطفالنا هو أفضل ما نستطيع تقديمه لهم الآن، ربما غفروا لنا جناياتنا المتكررة عليهم، وجنايات من سبقونا علينا بحسن نية تكاد لفرط جنايتها أن تصبح سوء نية وإجراما.

شاعر من مصر مقيم في الإمارات

13