أدب القارة الأفريقية من خلال رواية مكتوبة بالعربية

أضحت أفريقيا بكل تراثها الثقافي وغناها الحضاري مجالا للصراع والنزوح والتهجير والفرار، للمطالبة بالحرية ونبذ التسلط. واقع يحكمه منطق السيطرة والهيمنة على كنوز القارة التي تتحكم فيها قوى خارجية. كل هذا أثرى الأدب الأفريقي بصوت متمرد خاص له فرادته.
عمر الخروصي
الجزائر - يقدم الأدب الأفريقي اليوم صورا مختلفة للقارة السمراء التي تناضل من أجل الاستقلال والسيادة، وتتحدى نفسها أمام الأزمات الجديدة، بينما تنشد الوحدة والانفتاح على العالم، كما نجد أصوات الأفارقة الذين يقفون بحدة ضد التغريب ومختلف أشكال الاستلاب.
وتحولت الرواية إذن إلى خطاب حضاري متكامل يتداخل فيه الفني مع التاريخي والاجتماعي والسياسي ليصبح بذلك النص الروائي بيانا لقارة كاملة. وقد اختار الناقد والأكاديمي الجزائري وليد خالدي صوتا جزائريا لإبراز ملامح من آداب أفريقيا المكتوبة بالعربية علاوة على تفكيكه للكثير من ملامح الأدب الأفريقي المعاصر. ويقارب كتاب “الأدب الأفريقي بين المركز والهامش” لمؤلفه وليد خالدي موضوع أدب القارة الأفريقية من خلال الرواية المكتوبة باللغة العربية.
أهمية الرواية الأفريقية تكمن في معالجتها للمواضيع المتنوعة والإشكالات الراهنة برؤية شاملة تلامس جوهر الإنسان والوجود
ويشير المؤلف بين ثنايا هذا الإصدار إلى أن الأدب الحقيقي، بكل ما تعنيه الكلمة من معان، “يتجلى في ذلك الأدب الذي يضع الموضوعات الإنسانية ضمن الاعتبارات الأولى في استقراء ما هو كائن؛ متجاوزا في ذلك الاستعلاء الثقافي المتخندق في الرؤى الضيقة، والأيديولوجيات المتكلسة، والتصنيفات الاختزالية المضللة بطبقاتها المتراكمة في نظرته إلى الكون، والحياة، والإنسان".
ويرى خالدي أن أهمية العمل الروائي "تكمن في معالجته للمواضيع المتنوعة، والإشكالات الراهنة، في ضوء الرؤية الشاملة التي تلامس جوهر الإنسان والوجود، باتباع منطق التمرد الخارج عن سنن التقاليد السائدة، وعن كل موروث في بناء النص؛ لأن مقاومة التنميط على مستوى الأفكار والمضامين والأشكال التعبيرية، تتمثل في الخروج عن النسق المعتاد والمألوف ضمن أفق الكتابة الإبداعية".
الأدب الأفريقي
ويناقش المؤلف إشكالية الكتاب عبر محاور متنوعة، أبرزها “الأدب الأفريقي.. معاني ودلالات المفهوم”، و”الأدب الأفريقي.. ما بعد الكولونيالية والدرس الأدبي”، و”أدب ما بعد الكولونيالية.. عنف المتخيل في رواية ‘الزنجية’ للروائية الجزائرية عائشة بنور”، و”بلاغة التواتر السردي.. المحكي الإفرادي”، و”عنف المتخيل وسؤال الوعي".
ويقول خالدي عن اختياره لرواية "الزنجية" للروائية الجزائرية عائشة بنور من أجل دراستها كنموذج عن الأدب الأفريقي إن "النظرة الواعية في إدراك حقيقة الأشياء جعلت من الروائية عائشة بنور من خلال منتوجها السردي ‘الزنجية’ تطرح -بطريقة ضمنية- الأسئلة المصيرية والقضايا الأنطولوجية التي شكلت نواة هذا العمل الفني في انبنائه، بحيث تحدد طبيعة بنيته السردية في تقديم الأحداث المتنوعة، والمتعلقة بالمادة الحكائية أو القصصية".
من جهة أخرى يشير مؤلف الكتاب إلى أن القارئ المتتبع لتفاصيل الرواية، على مستوى الأحداث والشخوص والأزمنة والأمكنة، "يستشف في ثناياها انتفاضة حقيقية ضد واقع مرفوض وغير مشروع، كردة فعل واعية تجرنا إلى مساحات ثقافة المقاومة في تنوع صورها، بالمفهوم الإنساني، وعبر رؤية متماسكة تطالعنا في بناء لغوي محكم يلوح في مضامينه عبر الإشادة بالمعايير والقواعد المرتبطة بالمنظومة القيمية والوجدانية والأخلاقية".
ويلفت إلى أنه في مقدمة القواعد تلك نجد معالجة موضوع الهجرة غير الشرعية والتمييز العنصري والأمراض الفتاكة التي تحصد أرواح البشر، منها الإيبولا والملاريا، كمادة دسمة لعملها الفني أو الإبداعي بأبنيته الفكرية وأساليبه التعبيرية ومواده الترميزية وتشخيصاته الجوانية، من خلال رصد حركة الذوات على مستوى الفعل والتفكير والوصف، بالإشارة إلى الأوضاع الأفريقية وما تعيشه هذه القارة من هزائم متتالية ومتعاقبة كحالة مستمرة تمارس استبدادا بشقيه المرئي واللامرئي.
التمرد والتراجيديا
ويضيف خالدي "على ضوء هذه الحقيقة، فنحن إذن إزاء معادلة أفرزت لنا سيناريوهات ضيقت من هامش الاختيارات، والممكن والمتاح؛ نتيجة الانزلاقات، والتجاوزات، والخروقات التي لامست الحياة الإنسانية، وهذا الإحساس المتعاظم، بتداعياته التي تتأرجح بين الصراع والتعايش، تبدت ملامحه في الواقع المعيش المحاط بتلك الاضطرابات الداخلية، والنزاعات المتواصلة، والطبقات المتناحرة، والهويات المتصارعة، التي تعيش مجموعة من التوترات والتناقضات، على حساب الفاعلية الإنسانية المنتجة؛ ما دفع بالممارسات الفردية والجماعية إلى البحث عن حياة أفضل تضمن لهم لقمة العيش الذي يؤمن لهم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بتحقيق الأمل المفقود، والحلم المنشود من أجل ضمان العيش الكريم".
ويرى أن هذا المصير التراجيدي كان بمثابة الحافز الذي دفع المجتمعات الأفريقية المضطهدة إلى اتخاذ مسالك الهجرة طريقا للخلاص والنجاة بتجشم وعثاء السفر إلى أصقاع العالم، وقطع الآلاف من الكيلومترات، بحثا عن حياة آمنة وهادئة توفر نوعا من الاستقرار النسبي الذي يخفف من وطأة الصعوبات والتوترات النفسية والتهديدات الأنطولوجية.
يشار إلى أن الأكاديمي وليد خالدي حاصل على دكتوراه في الأدب العربي، ويدرس النقد الأدبي المعاصر بجامعة طاهري محمد في محافظة بشار (جنوب الجزائر)، ومن مؤلفاته “فعل القراءة وما بعد الحداثة.. مقاربة في رواية اليربوع للكاتب حسين فيلالي" (2020)، و"توهجات جسد" (نصوص شعرية/ 2020)، و"ضباب سيعودنا الليلة" (نصوص شعرية/ 2021).