أدباء وأكاديميون يدعون إلى تعزيز المحتوى العربي على الإنترنت

اليوم العالمي للغة العربية يناقش علاقة لغة الضاد بالذكاء الاصطناعي.
الأربعاء 2024/12/18
العربية أمام تحديات صعبة

يحتفي العالم في الثامن عشر من ديسمبر الجاري باليوم العالمي للغة العربية، المناسبة السنوية التي خصصت هذا العام للبحث في علاقة العربية بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والابتكار، وهو ما يراه العديد من الكتاب والأدباء والباحثين رهانا ضروريا اليوم يحتاج إلى مشاريع متعددة.

الدوحة - دعا أدباء وأكاديميون إلى تعزيز المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي لسد الفجوة الرقمية وبناء محتوى يتناسب مع مكانة اللغة العربية في العالم المعاصر.

ونوهوا في تصريحات لهم بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، الموافق للثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بضرورة حوسبة ورقمنة التراث الثقافي واللغوي.

الكتابة في الافتراضي

يشير الناقد والأكاديمي السوداني الدكتور هاشم ميرغني، الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية لعام 2024 في فئة البحث والنقد الروائي، إلى أن احتفالنا باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر كل عام يجب أن يحفزنا على مناقشة حزمة من الإشكاليات العديدة التي تجابه هذه اللغة في عالمنا المعاصر. ومن بين هذه الإشكاليات فقر المحتوى الرقمي لهذه اللغة مقارنة مع غيرها، فعلى الرغم من أن هذه اللغة تحتل المرتبة الخامسة بين أكثر اللغات تحدثا بعد الصينية والإسبانية والإنجليزية والهندية، إلا أنها شأن بعض هذه اللغات الكبرى تعاني من حضور متضائل على الشبكة الدولية لا يتجاوز الـ3 في المئة وفق أكثر الإحصاءات تفاؤلا، وحتى هذا الحضور الضئيل يعاني من جملة من الإشكاليات هو الآخر مثل: التكرار، وفقر المحتوى، وانتهاك حقوق المؤلف المتمثلة في قرصنة المواد دون الرجوع إلى مؤلفيها وناشريها، والنقل من الآخر، وانبتات جسور التعاون بين المؤسسات الأكاديمية.. إلخ.

وفي ما يخص المحتوى الإبداعي للعربية على شبكة الإنترنت، يرى الدكتور هاشم أن أكبر إشكالياته تتجلى في طغيان ثقافة الصورة على ثقافة الكلمة التي بدأت مع ظهور التلفزيون وتكتسب كل يوم، بل كل لحظة، أرضا جديدة لتستوعب أجيالا جديدة بكاملها داخلها حتى يظهر جيل لا يكاد يعرف شيئا يقع خارج دائرة ما تم تصويره حيث سيتم إقرار مقولة “ما لم يتم تصويره لم يقع”، وعلى سبيل المثال فإن كل الفظائع التي تقع الآن في حروب قريبة وبعيدة، أو ترتكب في أقبية هذا النظام أو ذاك، ولم تصل إليها عين الكاميرا، تعد كأنها لم تقع، لأنه لم يرها أحد سوى المكتوين بنارها.

بالمقارنة مع ما ينشر من الأدب على صفحات الجريدة والمجلة والكتاب، فإن وسائل التواصل حققت قفزة هائلة

ويردف قائلا “على الرغم من قتامة هذا المشهد إلا أنه يجب الإقرار بأن صناعة الكلمة في الشبكة الدولية – رغم هيمنة الصورة – قد شهدت انفجارا كبيرا، إذ سمحت لكل أولئك الذين كانوا يقعون خارج دائرة الكتابة – بسبب إشكاليات النشر أو الرقابة أو غيرها – بالولوج لتيار الكتابة العريض والإسهام الفاعل فيه، كما لا بد من الإشادة أيضا بعدد واسع من المواقع والمدونات الإبداعية على الشبكة، مثل: جهة الشعر، والألوكة، وشبكة الفصيح، وأنطولوجيا القصة العربية، وكيكا، وغيرها، ولكن أغلب هذه المواقع يعمل بجهود وإمكانيات ذاتية، وينقصه دعم المؤسسات الثقافية والأكاديمية مما يعرضها لخطر التوقف في أي لحظة كما حدث فعلا لبعضها.

وبدوره يقول الشاعر والروائي السوري عيسى الشيخ حسن إن التقانات المتجددة عن طريق وسائل التواصل أضافت “ماعونا” جديدا للأدب العربي، من حيث النشر المتاح عبر صفحات افتراضية، وضمان انتشارها في سائر أنحاء العالم. وبالمقارنة مع ما ينشر من الأدب على صفحات الجريدة والمجلة والكتاب، فإن وسائل التواصل حققت قفزة هائلة في ثنائية النشر والتوزيع أو الكتابة والقراءة، حيث تنال نصوص مختلفة الآلاف من القراءات في وقت قياسي، فقد انتفت الحواجز أمام الكلمة، وتم تجاوز الكلفة التي يتطلبها نشر الكتب ورقيا، كما تم الخلاص من الرقابة والمنع. لذلك انحازت فئات واسعة ولاسيما من جيل الشباب إلى الاكتفاء بالقراءة عبر الشاشات، هاجرين الصحف والكتب الورقية، في ظاهرة عززتها العزلة ولاسيما خلال جائحة “كوفيد – 19”.

ويلفت حسن إلى أن معظم الأدباء العرب لجأوا إلى أوعية النشر الجديدة، مستفيدين من هذا الفضاء، وهو منهم، فقد نشر من خلال هذه الوسائط نصوصا مختلفة، جمع بعضها في كتب، مثل روايتي “خربة الشيخ أحمد” و”العطشانة”، وديوان “حمام كثيف”، وقد حققت روايته “العطشانة”، نحو 3000 قراءة في وقت قياسي.

ويضيف “ما زلت حتى الآن أكتب نصوصي في تلك الوسائط، عادا إياها الوسيلة الوحيدة التي أصل من خلالها إلى قارئي، على الرغم من سلبيات هذا الأمر. فقد بات النشر مباحا ومتاحا لعدد غير محدد من الكتاب، وإن أدى هذا إلى كتابات متفاوتة يغلب عليها الغث، ولكن ذلك أدى أيضا إلى فرز مبكر عبر مواقع ومنصات باتت ملجأ للقارئ الباحث عن النص الحقيقي، ويبقى الرهان أن يشهد الإبداع نصوصا تقبل هذا التحدي في الفضاء الجديد.

مشاريع ضرورية

الذكاء الاصطناعي ضاعف التحديات أمام الثقافة العربية في ما يتعلق بالمحتوى العربي في مجالات الفكر والإبداع والعلوم

يؤكد الكاتب والأكاديمي القطري الدكتور مرزوق بشير أن الاحتفاء باليوم بالعالمي للغة العربية، مناسبة للتأمل بشكل شامل في أحوال الثقافة العربية واتجاهاتها المعاصرة، وقدرتها على التأثير والتأثر، في ظل التحولات العلمية والتكنولوجية وشبكات الاتصال ووسائط التواصل الاجتماعي.

ويشير إلى أن الذكاء الاصطناعي ضاعف من التحديات التي تواجهها الثقافة العربية، خاصة في ما يتعلق بالمحتوى العربي في مجالات الفكر والإبداع والعلوم، نسبة لضعف هذا المحتوى مقارنة باللغات الحية الأخرى. مما يتطلب من بناة الإستراتيجيات العلمية والتنموية دراسة الحقائق وتحليلها ونقدها ووضع الحلول والمنهجيات المناسبة لسد الفجوة الرقمية وبناء محتوى يتناسب مع إمكانيات الأمة العربية البشرية والمادية، ويخرجها من موقع المستهلك إلى موقع الإنتاج والمشاركة في العالم المعاصر.

وينوه بشير بجهود المؤسسات القطرية في مجالات الرقمنة والحوسبة، داعيا إلى تعزيز هذه الخبرات في كافة المستويات الدراسية ومراحل التعليم، مشددا على ضرورة صياغة مناهج وطرق تدريس وتدريب تعزز وعي الطلاب والشباب بمعارف التكنولوجيا الجديدة وتؤسس لوعي نقدي للظواهر العلمية والثقافية، لأن المعرفة النقدية والوعي هما الحصانة من الآثار السلبية والاتجاهات الضارة في توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

ويشير إلى ضرورة ابتكار نظم ومناهج متوازنة بين العناية بالبحث العلمي والتفكير المنهجي والتراث الثقافي والإبداع الأدبي والفني، في سبيل استعادة إرث وعطاء الأمة العربية، التي وهبت الإنسانية قامات علمية رفيعة في مجالات الفلك والطب والهندسة، ومثلها من رموز الأدب وعلوم اللغة والبيان.

ومن جانبه، يوضح الخبير اللغوي المغربي الدكتور عزالدين البوشيخي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، في تصريح مماثل أن المحتوى العربي في الإنترنت يعرف نموا مطردا وتزايدا مستمرا على استخدامه واتساع دائرة مجالاته، ويحتاج الأمر إلى إجراء دراسات لتقييم هذا المحتوى من جهة جودته وشموله وموثوقيته ومستوى استخداماته ومدى تلبيته لحاجات الجمهور العربي.

ويؤكد أن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يشكل إسهاما حقيقيا في دعم هذا المحتوى العربي في الإنترنت، ذلك أن هذا المعجم يشمل معظم ألفاظ اللغة العربية الصحيحة الموثقة من مصادر مطبوعة وموثوقة، مدعومة بشواهد نصية مشفوعة بتواريخ تأليفها وأسماء مؤلفيها. ويتوقع أن يبلغ عدد هذه الألفاظ العربية في المعجم نحو ثلاثمئة ألف. إلا أن أهم إسهام يتمثل في المدونة النصية التي استند إليها هذا المعجم في استخلاص ألفاظه وشواهده النصية والمعلومات الأخرى المرتبطة بالمداخل المعجمة.

ويشير إلى أن هذه المدونة تشمل مئات الملايين من الكلمات العربية في نصوص تغطي مجالات المعرفة الإنسانية من آداب وفنون وفلسفة وعلوم لغوية وشرعية وطبيعية على مدى ما يناهز عشرين قرنا من تاريخ العربية.

 

اقرأ ايضا:

        • مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعزز الحضور العالمي للغة العربية

12