أدباء عرب يكتبون بالفرنسية ويواجهون ازدواجية اللغة

الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية ليس أدبا فرنسيا، رغم أنه منشور في دور النشر الفرنسية، ورغم أنه مكتوب بالفرنسية، لكن اللغة لم تصنع أبدا هوية قومية مختلفة للكاتب الذي ولد عربيا.
الأربعاء 2018/05/23
ازدواجية الثقافة واللغة

القاهرة - أليس من المثير للجدل أن المرء عندما يتصفح رفوف أية مكتبة فرنسية فإنه يجد مجموعة كبيرة من الكتب عن الثقافة العربية المكتوبة أساسا باللغة الفرنسية، في نفس الوقت الذي يلاحظ أن مثل هذه العناوين تكاد تكون مفقودة في رفوف المكتبة العربية؟

لاشك أن المرء سيصدم لو طالع هذا الكم الهائل من العناوين الخاصة بهذا الموضوع، باللغة الفرنسية، والكثير من هذه الكتب قديم تاريخيا وحديث أيضا، ورغم ذلك فإنه لا يوجد في المكتبة العربية كتاب واحد يدرس هذه الظاهرة ويقدمها إلى القارئ العربي.

 ومن هنا جاء كتاب “المغتربون.. الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية” للكاتب محمود قاسم الذي صدر عام 1996 بعنوان “الأدب العربي المكتوب بالفرنسية”، الذي أعادت نشره من جديد وكالة الصحافة العربية- ناشرون، مع إضافة فصول إليه.

إنهم من وطن واحد، وجميعهم مهاجرون إلى لغة وطن لا يتكلم بها وطنهم وهم واقعون في ازدواجية ثقافية واضحة، ثقافة البلاد التي ولدوا فيها وانتموا إليها، وثقافة البلد الذي وجدوا أنفسهم يتكلمون لغته أو يختارونه مهجرا.

هذا هو حال أغلب الأدباء العرب الذين يكتبون إبداعهم باللغة الفرنسية إن لم يكن حال جميعهم، ولاشك أن هناك مجموعة من السمات العامة التي يمكن أن تربط في ما بينها أدب هؤلاء الكتّاب أو إبداعهم، أو حتى علاقتهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه، سواء الذي جاؤوا منه أو قدموا إليه.

وليس كتاب محمود قاسم هو الأول من نوعه في المكتبة العربية، بل هو أيضا الأول من نوعه الذي يفرد مثل هذه الصفحات عن الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية في كل الوطن العربي وخارجه، ففي عناوين الكتب التي رجع إليها نجد هناك تقسيمات واضحة للأدب العربي المكتوب بالفرنسية حسب المناطق، فهناك أدب في المغرب العربي وآخر في مصر.

 أما الكتب التي تتناول الأدب الفرانكفوني فهي تتعامل أساسا مع اللغة التي تجمع بين الأدباء في أماكن عديدة من العالم، منها كندا وبلجيكا وسويسرا وأفريقيا وبعض المستعمرات الفرنسية القديمة المتناثرة في العالم، وأيضا أدب الأوروبيين الفارين من شرق أوروبا الذين بدؤوا يكتبون بالفرنسية، مثل يوجين أونسكو، وكونديرا.

هؤلاء الأدباء يواجهون بازدواجية أدبية فهم في بلدانهم ينظر إليهم كغرباء وفي المهجر ينظر إليهم كمهاجرين
هؤلاء الأدباء يواجهون بازدواجية أدبية فهم في بلدانهم ينظر إليهم كغرباء وفي المهجر ينظر إليهم كمهاجرين

وقد أوضح الكتاب، أن الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية ليس أدبا فرنسيا، رغم أنه منشور في دور النشر الفرنسية، ورغم أنه مكتوب بالفرنسية، لكن اللغة لم تصنع أبدا هوية قومية مختلفة للكاتب الذي ولد عربيا، ولكن ظروف نشأته وتعليمه جعلته يتقن الفرنسية التي يعتبرها لغة كتابة أولى، لكنها لم تطمس أبدا في هويته العربية، ولو شئنا أن نقيس ذلك بشكل واضح فإن الفصل الذي قدمه عن الأدباء اليهود الذين كتبوا باللغة الفرنسية، قد بين كيفية الاختلاف بين الكاتب اليهودي الغربي الذي يعيش في نفس المدينة باريس، السفارديم منهم حيث يعتبرون أنفسهم عربا يهودا، وهم لم يناصروا إسرائيل في سياستها ولم يقوموا بزيارتها ولم يتخلوا عن هويتهم العربية. وظلوا يكتبون دائما عن سنوات الحنين التي عاشوها في مصر والمغرب العربي. وقد أراد محمود قاسم أن يضع هذا المقياس ليوضح كيف أن الأدباء العرب الذين يكتبون بالفرنسية قد ظلموا كثيرا في أوطانهم، وقد جاءت المأساة من أن هذا الظلم وقع من جوانب عديدة، منها مقياس حركة الترجمة من ناحية ومنها النظرة إليهم نظرة بريبة واضحة وقصدية، كأن هذا الكاتب الذي قد اتخذ لنفسه لغة تعبير هي أساسا للمستعمر قد جنح بذلك إلى العمالة. وهو تصور ساذج من الكثيرين الذين علقوا على عالم ألبير قصيري بعد أن ترجمت له أربع روايات، ثم في عالم أندريه شديد، حيث نظر البعض إلى هذا الأدب الذي يدور أغلبه في الأحياء الشعبية باعتباره أدبا يشوه وجه مصر، وأنها أبدا لم تكن هذه الحواري رغم أن هؤلاء أنفسهم قد أعجبوا كثيرا بنفس العالم في الروايات العربية التي كتبها أدباء من طراز نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وإحسان عبدالقدوس وآخرين.

كما أن هذا الأدب قد تعرض للغبن في عالمه العربي بشكل ملحوظ، حيث إن هؤلاء الأدباء لم يشكلوا تجمعا، وكانوا بعيدين جسمانيا عن دائرة الحلقات الأدبية، وبذلك ترك الباحثون العرب الساحة مفتوحة لأقرانهم الأجانب، وخاصة الفرنسيين للاهتمام بهذا الإبداع.

هؤلاء الأدباء يواجهون بازدواجية أدبية، فهم في بلادهم العربية ينظر إليهم على أنهم كتاب أجانب يعيشون في بلد أجنبي، ومن المعروف أن أغلبهم قد رحلوا إلى فرنسا بعد أن تقلصت أنشطتهم في بلدانهم، وعندما تغيرت كتاباتهم تحت وقع الزمن، لجأ بعضهم إلى تجريد إبداعه من الزمان والمكان، لكن أغلبهم لم ينفعل بالمكان الجديد. ثم إن الفرنسيين ينظرون إليه كمهاجر وليس كواحد من أبناء الوطن، وهو في المقام الأول أيضا مثقف فرانكفوني، ولم تتعامل الأوساط الفرنسية أبدا معهم على أنهم فرنسيون حتى لو حصلوا على الجنسية الفرنسية.

وقد حاول الكتاب أن يستعرض بانوراميا، الكثير من الأسماء المهمة في عالم الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية، فخصص شبه قاموس صغير لكُتّاب كل بلد في نهاية الفصل الخاص به، هذا بالإضافة إلى إلقاء الأضواء مركزة على أبرز الأسماء في بلادها. من خلال البحث والتحليل والرصد لهذا الأدب. وجاءت الإضافات الكثيرة هنا لتؤكد أهمية هذا الموضوع.

14