أداء قطاع الصناعة يعزز مسار تنويع الاقتصاد العماني

تؤكد النتائج الإيجابية للإصلاحات الاقتصادية في سلطنة عمان أن البلد مقبل على تحول في مجاله الصناعي مع تجسيد الحكومة لخططها في هذا المضمار بشكل واقعي، والذي عكسه أداء شركات القطاع التي أصبحت تقود نمو الأنشطة غير النفطية في البلاد.
مسقط- حقق القطاع الصناعي العماني قفزة مهمة في عدة مؤشرات رئيسية محققا أعلى نمو في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع القطاعات الأخرى، ليكون قاطرة للنمو المستدام وأحد أهم ركائز التنويع الاقتصادي في رؤية 2040.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن مركز الإحصاء والمعلومات الحكومي إلى أن الصناعات التحويلية شهدت نموا بنسبة 9.2 في المئة بنهاية الربع الأول من 2024 بالأسعار الثابتة بمقارنة سنوية.
وزادت قيمة إنتاج الصناعات التحويلية من 871 مليون ريال (2.26 مليار دولار) إلى 2.47 مليار دولار في جميع الأنشطة الصناعية مشكّلة ما نسبته 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما ارتفع كل من ناتج صناعات المواد الكيماوية الأساسية بنسبة 6.4 في المئة من 826.5 مليون دولار إلى 879.58 مليون دولار وناتج الصناعات التحويلية الأخرى بنسبة 6.3 في المئة من 1.33 مليار دولار إلى 1.14 مليار دولار.
ويبدو المسؤولين متفائلين في ضوء هذه النتائج، حيث اعتبر صالح مسن وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، للتجارة والصناعة، أن نسبة النمو المحققة في القطاع تعتبر أعلى بكثير من مستوياتها العالمية.
ويظهر أحدث تقييم لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) إلى أن الإنتاج الصناعي العالمي سجل بين يناير ومارس الماضيين نموا معتدلا بنسبة 0.9 في المئة.
وجاء تحقيق هذا الرقم رغم التحديات التي واجهت الاقتصاد العالمي كارتفاع معدل التضخم، وأسعار الطاقة المتذبذبة، وانقطاعات سلاسل التوريد المستمرة وتداعيات الصراعات الإقليمية.
ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى مسن قوله إن “الصناعة يشهد نقلات نوعية وتحسن مستمر”، مشيدا بالجهود الكبيرة التي يبذلها الصناعيون والمؤسسات الحكومية المختلفة لتنمية القطاع ونقله إلى آفاق جديدة يستطيع من خلالها المنتج المحلي المنافسة.
وأوضح أن النمو الكبير الذي شهده ناتج الصناعات التحويلية لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة جهود متواصلة لدعم المنتج المحلي، مما أدى إلى زيادة للطلب في السوق العمانية، وكذلك التوسع في التصدير لأسواق جديدة.
وتعمل الشركات المحلية على مواكبة التطورات التكنولوجية واهتمامها بتحسين سلاسل الإمداد من خلال تبني تقنيات جديدة في إدارة اللوجستيات واستخدام أنظمة تتبع متقدمة لإدارة المخزون.
وقال مسن إن ذلك “كان له الأثر الإيجابي في استمرار النمو في قطاع الصناعات التحويلية مع مواصلة الشركات الصناعية الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة وتحسين كفاءتها الإنتاجية، وزيادة قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية”.
وأوضح أنه بتبنيها إستراتيجيات مرنة تتأقلم مع التغيرات في أسعار المواد الخام وتذبذبات أسعار الطاقة والتحديات اللوجستية، لضمان الاستدامة في النمو.
وتصنف يونيدو، البلد الخليجي، غير العضو في أوبك، في المركز 53 عالميا والرابع إقليميا في مؤشر الأداء الصناعي التنافسي لعام 2024، الذي يعمل على قياس القدرة التنافسية الصناعية للاقتصادات العالمية البالغ عددها 153 دولة.
ويؤكد مازن السيابي المدير العام المساعد للصناعة بأن الوزارة تعمل على تنفيذ عدد من المبادرات لتعزز مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، أهمها الترويج للمنتجات المحلية عبر تنظيم المعارض والفعاليات التجارية داخل السلطنة وخارجها.
وتقدم السلطات تسهيلات للشركات للتوسع في الأسواق الخارجية عبر وكالة ضمان الصادرات وتشجيع ريادة الأعمال الصناعية ودعم الشركات الناشئة.
وقال السيابي إن الجهود منصبة باتجاه “تنمية الموارد البشرية للقطاع عبر التدريب وتحديث البنية الأساسية من خلال تحسين وسائل النقل والخدمات اللوجستية لتسهيل حركة المواد والمنتجات بين المنشآت والأسواق”.
وشدد على أن العمل على تنفيذ مبادرات الإستراتيجية الصناعية 2040 كفيل بتحقيق نمو مستدام في القطاع، وزيادة قدرته على جذب الصناعات ذات التقنية العالية، ما يسهم في تعزيز الاقتصاد ودعم سوق العمل.
وتشير بيانات مركز الإحصاء أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع بلغت 5.2 مليار دولار بنهاية أغسطس الماضي.
كما تم التوقيع على اتفاقيات استثمارية لـ60 مشروعا صناعيا بحجم استثمارات بلغ 2.3 مليار دولار في مختلف الأنشطة الصناعية وجميع المناطق الصناعية والاقتصادية والحرة منذ بداية هذا العام.
وتقوم الصادرات بدور حيوي في تعزيز الاقتصاد العماني، حيث تُعد من الأدوات الأساسية لتحقيق أهداف التنوع وتقليل الاعتماد على النفط وجني المزيد من الإيرادات.
وتسعى مسقط إلى تحقيق استدامة اقتصادية وتوسيع قاعدتها الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمارات وتحفيز الإنتاجية، وتعزيز الابتكار وإتاحة فرص عمل وفتح أسواق جديدة وتقوية العلاقات التجارية.
وخلال أغسطس الماضي، نمت الصادرات غير النفطية، والتي يتمثل معظمها في الصادرات الصناعية، بنسبة 11.2 في المئة بنهاية مايو الماضي، بمقارنة سنوية لتتخطى أكثر من 7.8 مليار دولار.
وارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة 15 في المئة إلى دولة الإمارات و14.6 في المئة إلى الولايات المتحدة، كما تضاعفت عشر مرات إلى كوريا الجنوبية، مدفوعة بالأخبار الإيجابية بتوقيع دول مجلس التعاون اتفاقية تجارة حرة مع سيول.
ولفت جاسم الجديدي المدير الفني لمكتب وكيل وزارة التجارة أن الصادرات الصناعية إلى كوريا بلغت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي نحو 749 مليون دولار.
وعزا ذلك النمو إلى زيادة صادرات المنتجات البتروكيماوية مثل منتجات النافثا والميثانول، والمنتجات المعدنية كالألمونيوم والحديد، والمنتجات الغذائية كالأسماك، ومنتجات مواد البناء كالرخام وغيرها.
وتهدف أجندة الإصلاح العمانية، وهو مسار تتوخاه معظم دول الخليج العربي مع اختلافات في الإنجاز، إلى تطوير كافة مناحي الحياة بتنويع مصادر الدخل والابتعاد تدريجيا عن الاعتماد على صادرات الطاقة، مع تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
وتأمل مسقط عبر تلك الرؤية في الوصول لتحقيق نسبة نمو تقدر بنحو 6 في المئة بحلول 2040 وأن تكون ضمن أفضل 20 دولة في العالم، وضمن العشر دول الأوائل تجاريا.