أخطاء بشرية متشعبة تصنع مآسي يومية في المجتمع الجزائري

إدراج التربية المرورية في المقرر الدراسي للحد من استفحال الحوادث.
السبت 2023/09/09
معاناة اجتماعية ونفسية بسبب الحرائق

تعيش العائلات الجزائرية التي اكتوت بنار فراق أحد أفرادها نتيجة حوادث السير أو الغرق أو الحرائق التي عرفتها البلاد مؤخرا، معاناة نفسية واجتماعية أثرت على سير حياتها اليومية. ورغم ما تقدمه الحكومة والمجتمع المدني من حلول للتقليص خصوصا من حوادث السير، إلا أن الظاهرة في ازدياد، ما حدا بالحكومة إلى إدراج التربية المرورية في المقررات المدرسية لزيادة الوعي بمخاطر الطرقات.

الجزائر - تتواتر يوميا في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر أخبار حوادث السير المميتة وحتى الغرق في البحر خلال أشهر الاستجمام، فاحتلت بذلك البلاد صدارة الدول والمجتمعات في مثل هذه الحوادث، ورغم أن الأمر يتعلق بالخطأ البشري الذي يقع تحت دائرة الإصلاح والعلاج، إلا أنه لا مؤشر في الأفق على انحسار تلك الظاهرة المأساوية، لتتواصل بذلك المعاناة الاجتماعية والنفسية التي تعيشها العائلات باستمرار.

وتفيد بيانات جزائرية رسمية بتسجيل أربعة آلاف حالة وفاة و50 ألف جريح سنويا جراء حوادث السير اليومية، لتضاف بذلك إلى الحوادث العارضة على غرار الحرائق والغرق لتكون بذلك الجزائر من أعلى البلدان في العالم التي تسجل أحداثا مميتة بشكل يومي، بكل ما تتركه من أحزان وخسائر.

وحتى خلال جائحة كورونا، كانت الجزائر تسجل أحداث سير مميتة بشكل يومي، يفوق عدد ضحاياها أعداد الذين يقتلهم الفايروس، ولذلك لم تنفك السلطات المختصة وسائر مكونات المجتمع المدني تقرع أجراس الإنذار، وتقدم في كل مرة مقاربة جديدة أملا في التقليص من وطأة الظاهرة، لكن يبدو أن المسؤوليات والأسباب متشعبة، ما يدعو إلى أن تكون الحلول شاملة، ولا تقتصر على قطاع واحد بل تشمل عدة قطاعات.

وقد خلفت الحوادث المرورية خسائر بشرية ومادية كبيرة، كثيرا ما تركت أضرارا نفسية وذهنية على الأهل، وخلقت طبقة من اليتامى والأرامل ضحايا حوادث السير أو الحرائق أو الغرق، وكثيرا ما أحرجت مؤسسات التأمين بسبب اضطرارها لدفع مبالغ سنوية فوق طاقاتها المالية.

محمد كواش: إدراج التربية المرورية سيثير جدلا في الأوساط التربوية قياسا بما يعانيه الأطفال من إنهاك
محمد كواش: إدراج التربية المرورية سيثير جدلا في الأوساط التربوية قياسا بما يعانيه الأطفال من إنهاك

وفي خطوة استباقية للتقليص من استفحال الظاهرة عبر تربية الأجيال الصاعدة على الثقافة المرورية، عمدت وزارة التربية الجزائرية إلى إدراج مادة التربية المرورية في مختلف الأطوار التعليمية لأول مرة في تاريخ المدرسة الجزائرية، عملا بتوصيات خبراء ومختصين في هذا المجال.

وعلق وزير التربية عبدالحكيم بلعابد على الخطوة الجديدة بالقول “هذه الخطوة تعتبر مهمة من أجل الوقاية والتحسيس من خطر حوادث المرور"، مشيرا إلى أنها "فرصة أيضا لتكوين التلاميذ ومنحهم الثقافة المرورية في ظل ما نعيشه اليوم من حوادث مرور مميتة".

وتحولت الطرقات في الجزائر إلى مقابر فردية وجماعية، ففيها يلقى أربعة آلاف فرد حتفهم، وفيها أيضا يصاب نحو 50 ألفا آخرين، وكان آخرهم مقتل ثمانية أشخاص إثر تقلبات جوية مفاجئة، أين باغت ارتفاع منسوب مياه نهرين في محافظتي تلمسان والبيض عائلتين بكاملهما كانتا على متن سيارتيهما، وقبلها بأسابيع لقي 34 شخصا حتفهم وأصيب 14 آخرون، وهم جميعا ركاب حافلة بمحافظة تمنراست بأقصى الجنوب، وذلك إثر ارتطام سيارة نفعية بها.

وثمّن الخبير الدولي في السلامة المرورية محمد كواش إدراج التربية المرورية في المقرر الدراسي لأول مرة بالقول “نثمن كثيرا هذا القرار لأن المثل المعروف يقول ‘التعليم في الصغر كالنقش على الحجر’، وهذا يدخل في مبدأ أن طفل اليوم هو سائق الغد".

وأضاف في تصريح نقله موقع "سبق برس" المحلي أن "إدراج التربية المرورية في الوسط المدرسي يعتبر من الأساليب العالمية في إنشاء جيل متحضر يطبق القانون، وأن المقاييس الخاصة بالتربية المرورية مبنية على الجانب الردعي والتكويني والاستثمار في الجانب البشري الذي ينطلق من الصفر، أي من التلميذ من خلال التربية في البيت والتوجيهات من المعلم والأستاذ".

وتابع "إدماج التربية المرورية أمر مهم جدا ومن المبادئ الأولى في قطع الطريق الامتناع عن اللعب وغيرها، وإدماج التربية المرورية ينقسم إلى ثلاث مراحل حسب مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، وقد جاءت متأخرة، فقد كانت مبرمجة منذ العام 1987 بتوصية من رجل الأمن والخبير الراحل محمد العزوني".

وتعددت جهود السلطات والجمعيات المختصة والناشطين المستقلين من أجل بلورة مقاربة تقلص من حدة الظاهرة التي صارت من الأسباب الرئيسية في وفيات الجزائريين، لكن لا الردع ولا التحسيس أفضيا إلى نتائج ملموسة، وهو ما يوحي بأن الأسباب متشعبة.

وتوقع خبير السلامة المرورية أن يثير إدراج المادة الجديدة جدلا في الأوساط التربوية والبيداغوجية، قياسا بما يعانيه الأطفال من إنهاك في الموسم الدراسي، لكنه طمأن الأولياء والناشطين التربويين بأن المسألة تتعلق بدروس مرورية أضيفت إلى المناهج المألوفة.

◙ خلال جائحة كورونا كانت الجزائر تسجل أحداث سير مميتة بشكل يومي يفوق عدد ضحاياها أعداد الذين يقتلهم الفايروس

وفصّل المسألة بأنه "في الطور الابتدائي ستقدم التربية المرورية في شكل دروس لمادة القراءة أو المحادثة أو التعبير من خلال الحديث حول حوادث المرور والإسعافات والسلوكيات الخاطئة في الطرقات والطريقة الصحيحة في القطع وتجنب اللعب في الطريق ودور الشرطي والمسعف".

وفي الطور المتوسط "تتطور لتتناول ولو سطحيا المسائل الفيزيائية المتعلقة بالسياقة والتوجيهات الخاصة بالإشارات المرورية، لأن الطرقات ليست للسيارات فقط، ولهذا عليهم معرفتها ويجب أن تدرس، وحتى في الثانوي تضاف مع مختلف اللغات والعلوم الطبيعية".

وتابع “هناك أيضا جانب خاص بالآداب والتربية الإسلامية، ولأنها مادة تدرس في كل المراحل، سيتم تناول آداب الطريق وسلوكيات التلميذ ومساعدة الغير (..) وغيرها من خلال الأحاديث والآيات".

ومع ذلك تبقى العديد من العوامل المساهمة في استفحال ظاهرة حوادث السير المميتة مغيبة عن المعالجة لأسباب غير معلومة، كما هو الشأن بالنسبة إلى وضعية وحالة بعض الطرقات التي تفتقد شروط السلامة المرورية، فضلا عن نوعية المركبات حيث لم تكن مصالح الرقابة خلال السنوات الماضية تكترث للمعايير اللازمة، وكذلك قطع الغيار غير الأصلية أو غير المطابقة لشروط السلامة أيضا.

15