أخطاء الحكومة تحول الوجود الإسرائيلي المباشر في سوريا إلى أمر واقع

المسلحون المتشددون في قوات الأمن السورية يثيرون مخاوف الأقليات.
الأحد 2025/05/04
الدروز يشيعون قتلاهم في الاشتباكات الأخيرة

القدس- أعلن الجيش الإسرائيلي السبت أنه ينتشر في جنوب سوريا لمنع دخول “قوات معادية” إلى المناطق الدرزية، في خطوة يقول مراقبون إن الهدف منها تحويل الوجود العسكري الإسرائيلي على الأراضي السورية إلى أمر واقع وعدم الاكتفاء بمناطق محدودة على الحدود.

ووجد الإسرائيليون في ضعف حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع وقلة حيلتها فرصة لتثبيت أنفسهم طرفا مباشرا في الملف السوري، مثلما يفعلون حاليا في لبنان.

لكن المبرر الرئيسي الذي يساعد إسرائيل هو عجز “سوريا الجديدة” عن إدارة ملف الأقليات بشكل عادل. ومع وجود مسلحين متشددين صلب القوات الحكومية السورية أو متحالفين معها، باتت الأقليات تخشى على أمنها خاصة بعد الهجوم العنيف على الساحل السوري من المسلحين المشحونين طائفيا، وما خلّفه من عشرات القتلى بعضهم مدنيون تم استهدافهم على الهوية.

◄ الطائرات الحربية الإسرائيلية شنت أكثر من 20 غارة استهدفت مراكز عسكرية في جميع أنحاء سوريا ليل الجمعة السبت

كما أن سوء إدارة التوتر مع الدروز غذى النزعة الانفصالية لدى مجموعات من الشباب ترفض تسليم سلاحها وترك المناطق الدرزية تحت رحمة المسلحين المتشددين العاملين مع الحكومة، وهو ما تأكد بعد الكمائن التي استهدفت المسلحين الدروز، والتي أفشلت التفاهمات بين الوفد الحكومي ومشايخ الطائفة.

ورغم أن غالبية الدروز يعارضون أيّ دور إسرائيلي في سوريا حتى وإن كان تحت مظلة حمايتهم، إلا أن الردود العنيفة للقوات الحكومية وحلفائها دفعت أعدادا من الدروز للتفكير في استدعاء الدعم الخارجي، سواء إسرائيل أو الاستنجاد بقوات أممية، كما جاء على لسان أبرز رؤساء طائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري الذي طالب الخميس بتدخل “قوات دولية لحفظ السلم” في سوريا، في مطلب قالت دمشق إنه لن يؤدي إلا إلى “المزيد من الانقسام.”

وقال “لم نعد نثق بهيئة تدّعي أنها حكومة.. لأن الحكومة لا تقتل شعبها بواسطة عصاباتها التكفيرية التي تنتمي إليها، وبعد المجازر تدعي أنها عناصر منفلتة” معتبرا أن “الحكومة تحمي شعبها.”

وبنت إسرائيل موقفها استنادا إلى تشككها في الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي كان قائد أحد فروع تنظيم القاعدة، وعلى رغبتها في حماية الأقلية الدرزية التي لها أتباع في لبنان وإسرائيل أيضا.

الشيخ حكمت الهجري: لم نعد نثق بهيئة تدّعي أنها حكومة.. لأن الحكومة لا تقتل شعبها

وقال الجيش الإسرائيلي إنه نشر قوات في جنوب سوريا “لمنع عودة القوات المعادية إلى المناطق المحيطة بالقرى الدرزية.” وأضاف أن القوات مستعدة للدفاع عن نفسها و”لسيناريوهات مختلفة”، من دون أن يوضح عديد القوات المنتشرة وإن كان قد قام بانتشار جديد.

وأورد في بيان مقتضب أنه “يواصل متابعة التطورات مع الحفاظ على الجاهزية للدفاع ولمختلف السيناريوهات”.

وقال مسؤول درزي في محافظة السويداء، معقل الطائفة الدرزية في سوريا، إنه “لم يكن هناك أيّ انتشار لجنود إسرائيليين” في المنطقة.

وأضاف المسؤول الدرزي أن الوجود العسكري الإسرائيلي “يقتصر، على ما يبدو، على محافظة القنيطرة” قرب مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل وضمتها، حيث “أقام الجيش مواقع” بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد في ديسمبر.

ويراهن عقلاء الدروز على دور الزعيم وليد جنبلاط في إقناع الحكومة السورية بالتوصل إلى تسوية دائمة من خلال طمأنة الأقليات عن طريق خطوات عملية على رأسها إبعاد المسلحين المتشددين المحليين أو الأجانب عن قوات الأمن وإلزام هذه القوات بميثاق واضح يمنع توظيفها في المعارك الطائفية.

ويريد جنبلاط الذي زار دمشق للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، التحرك من خلال حضوره المباشر في دمشق ولقائه الرئيس السوري من أجل حصر دائرة التصعيد عند الانفلات الذي حصل في أول الأسبوع، والدفع نحو إجراء تحقيق شامل وشفاف يحمّل المسؤولية بشكل واضح لمن تسبّبوا في التوتر الأمني الذي قاد إلى مقتل العشرات من الجانبين.

ولا يمكن قراءة الزيارة فقط في سياق طائفي أو كتحرك لمصالح درزية، إذا أن ما قام به جنبلاط يتجاوز مسألة الطائفة ليعكس جانبا أهم وهو محاولة استباق تشكل نزعة انعزالية درزية داخل سوريا قد تتغذى من التهميش والفوضى والتدخل الإسرائيلي.

وتبعث الزيارة برسالة مزدوجة مفادها أن دروز لبنان لا يدعمون انكفاء دروز سوريا نحو مشاريع خاصة أو تحالف أقليات، بل يرون ذلك خطرا على الجميع وهو ما يكرّس النزعة الرافضة للانفصال لدى جنبلاط ابن مدرسة الطائفة العابرة للحدود.

كما ترسل رسالة إلى الخارج وخاصة إلى إسرائيل بأن أيّ محاولة لعزل أو توظيف دروز سوريا ستواجه برفض دروز المنطقة، بمن فيهم رمزهم السياسي الأكبر.

وشنت الطائرات الحربية الإسرائيلية أكثر من 20 غارة استهدفت مراكز عسكرية في جميع أنحاء سوريا ليل الجمعة السبت، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد أن كانت إسرائيل قد أعلنت في وقت سابق عن تنفيذ ضربة قرب القصر الرئاسي في دمشق.

◄ ما يبرر تدخل إسرائيل هو عجز السلطات السورية عن إدارة ملف الأقليات بشكل يكسب ثقة العلويين والدروز وغيرهم

وجاءت هذه الغارات عقب اشتباكات بين مسلحين دروز وعناصر أمن ومقاتلين مرتبطين بالسلطات السورية في ريف دمشق وفي جنوب البلاد، أوقعت أكثر من مئة قتيل خلال يومين، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه “خلال الليل، تم إجلاء خمسة مواطنين سوريين من الطائفة الدرزية لتلقي العلاج الطبي في إسرائيل. وتم نقل المصابين إلى مركز زيف الطبي في صفد، بعد إصابتهم داخل الأراضي السورية”.

ووفقا لبيانات الجيش، تم إدخال ما مجموعه 15 مواطنا سوريا من الطائفة الدرزية إلى مستشفيات في إسرائيل منذ بداية الأسبوع.

من جهته، حضّ مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن السبت إسرائيل على “الوقف الفوري” لهجماتها على سوريا، منددا “بانتهاكاتها” المتواصلة لسيادة البلاد.

وقال بيدرسن في منشور على منصة إكس “أدين بشدة انتهاكات إسرائيل المتواصلة والمتصاعدة ضد سيادة سوريا، بما في ذلك الغارات الجوية المتعددة على دمشق ومدن أخرى،” مضيفا “أدعو إلى الوقف الفوري لهذه الهجمات، وإلى أن تمتنع إسرائيل عن تعريض المدنيين السوريين للخطر”.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس هدّد في بيان صدر أول مارس بالتدخل عسكريا في سوريا ضد قوات دمشق “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز”.

1