أخبار مضللة عن "مقتنيات النبيّ" هدفها جمع التفاعلات

لندن- يعمد مروّجو الأخبار المضلّلة إلى استغلال المشاعر، وعلى رأسها المشاعر الإيمانيّة، لجذب التفاعلات مع منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين المواضيع الأكثر تداولا في هذا الصدد صور وفيديوهات عن مقتنيات وآثار منسوبة إلى النبيّ محمّد كشف خبراء كمَا تقنيات البحث الرقميّ أن لا شأن لها بالنبيّ أو بالزمن الذي عاش فيه.
ضريح مغطّى بقماش أخضر وسيوف ودروع وملابس… صور وفيديوهات يقول ناشروها إنها تعود إلى النبي، لكنها ظاهرة متواصلة منذ سنوات على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية، يزداد انتشارها في المواسم الدينيّة، ويعزوها خبراء بالدرجة الأولى إلى رغبة ناشريها في جذب المشاركات والتفاعلات مع حساباتهم.
ويقول الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر نظير عيّاد، تعليقا على انتشار الشائعات ذات الطابع الديني، “الهدف من هذه الأكاذيب -سواء كانت علميّة أو تاريخيّة أو دينيّة- هو جمع التفاعلات” على صفحات مواقع التواصل.
وفقًا للمصادر الإسلاميّة الأولى دُفن النبيّ في بيته، على مقربة من المسجد الذي بناه في المدينة بعد هجرته إليها من مكّة في القرن السابع للميلاد. ومع توسيع المسجد تباعًا أصبح البيت والقبر داخل حرم المسجد المعروف باسم المسجد النبويّ، أو الحرم النبويّ. ويقع القبر في حجرة مغلقة من المسجد النبويّ، وهو محجوب عن الزوّار وعن عدسات التصوير.
لكن يعاد بانتظام نشر صور من تركيا أو من عُمان لضريح معلّم صوفي أو لشخص غير مؤكّد الهوية، مع تعليق “هذا قبر النبيّ”. ولا يكتفي الناشرون بذلك، بل يدعون متابعي صفحاتهم إلى كتابة تعليق يُثبت “حُبهم للنبيّ” أو مشاركة المنشور “ليصل إلى أكبر عدد”، وغير ذلك من العبارات التحفيزيّة لتوظيف مشاعر المتابعين في الترويج للصفحات ومنشوراتها.
وفي مايو الماضي نُشر مقطع فيديو قيل إنّه يصوّر الحُجرة التي دُفن فيها النبيّ محمّد، لكن تبيّن أنه مصوّر في العراق، في ضريح الشيخ عبدالعزيز الجيلاني، وهو فقيه ومعلّم صوفي عاش في العراق في القرن الثاني عشر للميلاد، وهو ابن المعلّم الصوفيّ الشهير الشيخ عبدالقادر الجيلاني الذي مازالت الطريقة الصوفية المنسوبة إليه (الطريقة القادريّة) تنتشر في معظم أرجاء العالم الإسلامي حتى اليوم.
وقبل ذلك بأشهر حصدت صورة قال مروّجوها أيضا إنها لقبر النبيّ آلاف التفاعلات، وهي تُظهر ضريحا مغطّى بقماش أخضر. وكتب ناشروها العبارات التحفيزية نفسها على غرار “لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله” أو “انشرها ولك الأجر”.
لكن تبيّن أن الصورة ملتقطة في ضريح بسلطنة عُمان يسود اعتقاد بين السكان المحلّيين أنّه للنبيّ أيّوب المكرّم في الديانات الإبراهيميّة الثلاث.
وأصدرت خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس خلال السنوات الماضية خمسة تقارير على الأقلّ يبدأ عنوانها بعبارة “هذا ليس قبر النبيّ…”.
وفي عام 2020 نُشرت صورة قيل إنّها تُظهر قبر النبيّ، أرفقها الناشرون بعبارة “قبر الرسول، تجاهلها إن استطعت”، أو “قبر الرسول يستحقّ مليون إعجاب”.
وبالفعل تفاعل عدد كبير جدا من مستخدمي مواقع التواصل مع الصورة، فحصدت من الصفحة وحدها الآلاف من المشاركات وعشرات الآلاف من التفاعلات.
لكن التفتيش عن الصورة على محرّكات البحث كشف أن ما يظهر في الصورة ليس سوى مجسّم معروض في “متحف دار المدينة المنوّرة للتراث العمراني” في المملكة العربية السعودية.
وفي العام نفسه نُشرت صورة أخرى قيل إنّها لضريح النبيّ حققت رواجا على موقع فيسبوك. لكن تقريرا لخدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس أظهر أن الصورة تُظهر في الحقيقة ضريح مؤسس الدولة العثمانية عثمان أرطغرل في ولاية بورصة شمال غرب تركيا. وفي أرشيف وكالة فرانس برس صور للضريح نفسه.
وفي عام 2018 نُشرت صورة لضريح مغطّى بقماش أخضر قال ناشروها أيضا إنّها لقبر النبيّ. وحصدت الصورة أكثر من 78 ألف مشاركة في صفحة واحدة، إضافة إلى الآلاف من التفاعلات على صفحات أخرى.
وحفلت صفحات مواقع التواصل في السنوات الماضية بصور قيل إنّها تُظهر مقتنيات تعود إلى النبيّ، وقد فنّدت خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس عددا منها.
◄ في مايو الماضي نُشر مقطع فيديو قيل إنّه يصوّر الحُجرة التي دُفن فيها النبيّ محمّد، لكن تبيّن أنه مصوّر في العراق
فمنذ تسع سنوات على الأقلّ تتداول صفحات وحسابات على مواقع التواصل صورة تُظهر درعًا كان النبيّ محمّد يستخدمه في حروبه التي خاضها في شبه الجزيرة العربيّة.
لكن هذا الادّعاء غير صحيح، بحسب خبراء آثار استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس، وأكّدوا -استنادا إلى الخطّ والزّخارف على الدرع- أنها لا تعود إلى زمن النبيّ ولا إلى العصر الإسلاميّ الأوّل.
وكثيرا ما تُنسب مُقتنيات إلى النبيّ خطأ، بما في ذلك مقتنيات في متاحف ببعض البلدان “إما لأسباب سياسيّة أو لأسباب ترويجيّة”، بحسب ما قاله خبير الآثار الإسلامية المصري سامح الزهّار لوكالة فرانس برس.
وفي عام 2021 نشرت صفحات وحسابات صورة قيل إنّها تُظهر سيف النبيّ، لكن تبيّن أن السيف -طوله 92 سنتيمترا- صُنع في مدينة طليطلة الإسبانيّة في القرن الخامس عشر وكُتب عليه شعار حكّام غرناطة بني نصر “لا غالب إلا الله”.
وقبل أن تستحوذ عليه المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة عام 1865 كان محفوظا في إسبانيا ضمن مجموعة من الأسلحة المعروفة باسم “سيف أبي عبدالله”.
ونُشرت في عام 2024 صورة قيل إنّها تُظهر رداءً للنبي تبيّن أنه رداء لأحد المصريين القدامى ضمن متحفٍ إيطاليّ في تورينو مخصّص للحضارة المصريّة القديمة. ويعود الرداء المصنوع من الكتّان إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، أي إلى فترة حكم الأسرتين المصريّتين الخامسة والسادسة.