أخبار الطقس عنوان جديد للتضييق على المواقع المصرية

المواطنون يخططون ليومهم حسب تقلبات ما يُنشر في الصحافة عن حالة الطقس.
الثلاثاء 2022/12/13
طقس متقلب في الصحف

أصبحت الصحف الإلكترونية في مصر على موعد مع فصل جديد من التضييق عليها في تحقيق المزيد من معدلات المشاهدات والمتابعات وجذب الجمهور بالموضوعات المثيرة بعدما قررت الحكومة منع أي وسيلة إعلامية من تناول أخبار الطقس إلا من خلال الجهات الرسمية، وسن عقوبات مشددة ضد المخالفين.

القاهرة - وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون يُعاقب بغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه (الدولار يساوي 25 جنيها)، وتصل إلى خمسة ملايين، كُل من ينشر معلومات غير صحيحة تخص الأرصاد الجوية أو حالة الطقس عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو بأي وسيلة من وسائل النشر، ويُعاقب بالعقوبة ذاتها من أصدر بيانات أو معلومات أو نشرات خاصة بالأرصاد الجوية ونسبها إلى الهيئة على غير الحقيقة .

وظلت أخبار الطقس مادة خصبة لمختلف المواقع والصحف الإلكترونية في مصر باعتبارها من الموضوعات التي تجذب الجمهور بمختلف فئاته، في ظل التضييق الذي تعاني منه وسائل الإعلام في ما يتعلق بمناقشتها قضايا محظور الاقتراب منها أو التعامل بحرية مع الملفات التي تشغل الناس، وخاصة منها ما اتصل بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

أخبار الطقس مادة خصبة لمختلف المواقع والصحف الإلكترونية في مصر باعتبارها من الموضوعات التي تجذب الجمهور

استقبلت رحاب (م)، وهي صحافية متخصصة في الطقس بموقع إخباري شهير، قرار الحكومة باستياء؛ لأن عدم تناول أخبار الأرصاد الجوية من خلال البيانات الرسمية قد يجعل الصحافي عاطلا عن العمل، ولأنها تعتمد في غالبية موضوعاتها على خبراء ومتخصصين في الطقس طالما أن الهيئة المعنية بالأمر تصريحاتها شحيحة.

وقالت لـ”العرب” إنها كانت مطالبة بعشرة أخبار عن الطقس في اليوم، لأن هذا الملف يشغل بال شرائح عديدة في المجتمع، وهناك من يتصفحون المواقع الإخبارية لمعرفة حالة الطقس في اليوم التالي وربما لأسبوع قادم، وهذه النوعية من الأخبار دائما تكون الأكثر متابعة، لذلك طالبها مسؤولو الموقع بزيادة الضخ الخبري.

والذي يتابع تناول الصحف الإلكترونية لملف الطقس يكتشف للوهلة الأولى أنه يحتل تقريبا صدارة اهتمام إدارات التحرير في المواقع، وهناك منابر تنشر هذه الأخبار على مدار الساعة، لكن بطريقة مختلفة عبر تحريف العناوين لتكون جذابة على أمل تحقيق أكبر قدر ممكن من معدلات الزيارات يوميا في المواقع التي ترد فيها هذه الموضوعات المطلوبة جماهيريا.

وهناك قائمة من الأخبار الثابتة لدى غالبية المواقع المصرية يتم التركيز عليها على مدار اليوم، من بينها سعر الدولار أمام الجنيه، وسعر العملات العربية أمام الجنيه، وأسعار الذهب، وحالة الطقس، حتى صارت المنافسة بين معظم الصحف مقتصرة تقريبا على هذه الموضوعات طالما أنها مغرية للجمهور، وباقي الملفات يتم تناولها عبر البيانات الرسمية.

وما يلفت الانتباه مهنيّا هو أن أخبار الطقس لا يتم تناولها في الموقع الإخباري كنشرة صادرة عن هيئة الأرصاد مرة واحدة، مع أن حالة الطقس لا تتغير على مدار الساعة، لكن تتم إعادة نشر التفاصيل نفسها طوال اليوم بقوالب صحافية مختلفة، وذلك راجع إلى اهتمام الناس بمتابعة حالة الطقس.

ويتذرع مسؤولون في صحف ومواقع إخبارية بأن التركيز على نوعية الموضوعات التي تهم الجمهور، ولو تم تقديمها بطريقة مثيرة، كأخبار الطقس يظل بديلا حيويا عن الرقابة المفروضة على السياسة التحريرية وفقدان ثقة الجمهور في ما يتم طرحه من قضايا جادة، وبالتالي فهذا التوجه مطلوب لعدم امتلاك الصحف بدائل أخرى.

وقال حسن علي، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة قناة السويس، شرق القاهرة، “إن تعامل الصحف بقاعدة ما يطلبه الجمهور مثل الطقس لا علاقة له بالمهنة، ولا يجب اللعب على وتر شغف الشريحة المستهدفة، فالنتيجة تكون مادة صحفية سطحية بعناوين جذابة مع أن المضامين الخبرية ليست جديدة، وهذا يخدع المتلقي ولا يمكن تبرير جذبه بتقديم الإثارة فقط”.

وأكد لـ”العرب” أن “أي صحيفة بإمكانها أن تحتل مرتبة متقدمة في اهتمامات الجمهور إذا قدمت خدمة إخبارية جيدة وعميقة بدلا من استسهال التناول الجذاب للموضوعات، وهناك العشرات من القضايا التي تستحق تسليط الضوء عليها وليست لها علاقة بالقيود، المهم أن يتم تناولها باحترافية لا مجرد عناوين مثيرة لجذب الناس”.

وميزة أخبار الطقس، مثل غيرها من الأخبار المفضلة لدى الجمهور، هي أنها من نوعية المواد الصحافية التي يصعب أن يصل إليها الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، وإنما يصلون إليها عبر منبر صحافي، وتستهدف المواقع الإخبارية جمهور الشبكات الاجتماعية ليتم نشر الأخبار لاحقا على المنصات بما يحقق المزيد من المشاهدات.

أمام تعدد التدخلات من جهات غير إعلامية صارت قائمة الممنوعات في الصحف المصرية طويلة
أمام تعدد التدخلات من جهات غير إعلامية صارت قائمة الممنوعات في الصحف المصرية طويلة

ومشكلة العبث الصحفي في أخبار الطقس أن شريحة كبيرة من الناس تخطط ليومها حسب المعلومات المنشورة في الصحف الإلكترونية عن حالة الطقس، فهناك من يمتنع عن الخروج من منزله لأنه واكب التكهن بسقوط أمطار غزيرة أو نشاط مكثف للرياح ثم يفاجأ بأن كل ذلك لم يكن حقيقيا وما طالعه كان مزيفا.

ويرى متخصصون أن تدخل الحكومة لفرض عقوبات على التناول الخبري لموضوعات الطقس في الصحف يعكس إخفاق الهيئات الإعلامية المعنية بإدارة وتنظيم المشهد في فرض المهنية بالأمر الواقع، وإلزام وسائل الإعلام بتحري الموضوعية في الأخبار المؤثرة في المجتمع، ما يدفع الحكومة إلى التدخل لضبط المشهد بقرارات تعمّق أزمة الحريات.

وسبق أن تدخلت جهات حكومية في ضبط فوضى البث المباشر بالصحف الإلكترونية، بعدما أسيء استخدامها حتى تحولت إلى مجرد خدمة إخبارية تستهدف التركيز على القضايا المثيرة، مثل الجرائم وتفاصيل وقائع الانتحار وتحري وقائع الخيانة الزوجية والقتل، وجاء التدخل بعد إخفاق الهيئات في ضبط استخدام البث المباشر.

وأمام تعدد التدخلات من جهات غير إعلامية صارت قائمة الممنوعات في الصحف المصرية طويلة، حيث تشمل حظر نشر معلومات على لسان مصادر مجهولة، أو ترتبط بأجهزة الأمن دون بيانات رسمية، ونقل كواليس المحاكمات، والتحدث إلى رجال القضاء أو نشر موضوعات لها علاقة بوقائع فساد قبل الإفصاح عنها رسميا، والقيام بتحقيق صحفي في الشارع دون ترخيص.

وثمة معضلة أخرى تعاني منها معظم الصحف الإلكترونية في مصر، وتتمثل في أن الكثير من المنابر تحتسب جهد المحرر وفق معدلات القراءات التي جاءت على أخباره وليس المحتوى الهادف، وهذا ينطبق على قائمة الأخبار الثابتة طوال اليوم، في مقدمتها أخبار الطقس، بغض النظر عن تحريف الصحافي للمعلومات، المهم أن تجذب الجمهور.

وطالما أن هناك إصرارا من الهيئات الإعلامية على تقييم رؤساء تحرير الصحف بناء على معدلات “الترافيك” ونجاحهم في جذب الجمهور بأي طريقة لن تكف الحكومة عن فرض قيودها، ولا بديل عن تقييم المنابر وفق معايير تحقق التوازن بين ما يطلبه الجمهور وما يتفق مع دورها الجاد والتوعوي والتثقيفي.

16