أحميدة الباهري فنان يخلد سيرته في ذاكرة الأغنية الغيوانية

كتاب "أحميدة الباهري.." للمؤلف أنس الملحوني يأتي ضمن المسار التوثيقي والأرشفة، وهو عبارة عن سيرة حياتية مفصلة لمسار الفنان المغربي.
الاثنين 2024/12/09
فنان يمثل جزءا من التاريخ الثقافي والفني المغربي

مراكش (المغرب)- يتابع الفنان والإعلامي أنس الملحوني في كتابه الجديد “أحميدة الباهري.. رحلة نغم: سيرة فارس من ذاكرة الأغنية الغيوانية (1972 – 2016)”، سيرة واحد من رموز الفن المغربي، مدرجا العديد من الوثائق والمخطوطات والصور.

والكتاب صدر ضمن سلسلة نبش في الذاكرة، سلسلة1 بدار الشعر بمراكش، عن المطبعة الوراقة الوطنية وبدعم من جمعية الأطلس الكبير، ويأتي ضمن سياق النبش في الذاكرة الغنائية والفنية المغربية، كما يندرج ضمن سياق الاهتمام الإعلامي للفنان والصحافي أنس الملحوني.

وتستمد مرجعيات الكتاب قوتها من أنه يأتي في سياق انتقال الباحث والإعلامي أنس الملحوني إلى “تفريغ” العديد من البرامج (نادي الفنون، لمة الأحباب…) التي مكنته من استضافة وجوه ثقافية وفنية مغربية، وهو ما أعطى زخما لافتا لمادة توثيقية مرجعية متوفرة.

ويبقى برنامج “نبش في الذاكرة”، وهو برنامج إذاعي رمضاني يومي، قدمه الإعلامي أنس الملحوني على أثير إذاعة مراكش خلال الفترة الممتدة من عام 2007 إلى عام 2023، مساحة هامة ساهمت في توثيق سير بعض أعلام الفكر والثقافة والإبداع.

بوكس

ويأتي الكتاب، وفق مؤلفه، في سعي إلى أن يتقاسم مع الباحث والمهتم والجمهور وثائق نفيسة، جاءت على لسان أصحابها، ومحاولة لإضاءة جوانب خفية من التاريخ الثقافي والفني المغربي.

ويأتي على ذكر الكثيرين مثل عبدالجبار لوزير، عبدالله العصامي، فتح الله المغاري، محمد الدرهم، العربي الكواكبي، عبدالرفيع الجواهري، كريمة الصقلي، عتيقة عمار، ماجدة اليحياوي… وثلة من الشعراء والفنانين والباحثين وأعلام الفكر والأدب.

ويذكر المؤلف أن اللقاء بالفنان أحميدة الباهري، الملحن والعازف والشاعر الغنائي، قدم على مدار عشر حلقات في رمضان 2019، وقام بتسليط الضوء على بعض الجوانب الأساسية من مسيرته الفنية، مبينا أنه لا يمكن تناول سيرة الباهري دون ربطها بالظهرة الغيوانية بكل تفاصيلها، فهو ينتمي، كما يؤكد الملحوني، إلى هذا التيار ويتنفس نسماته الجديدة في الساحة الثقافية والفنية المغربية، وأسهم بكرم إبداعي فريد في مجالات النظم والتلحين والأداء.

لقد لعبت المجموعات الغنائية الغيوانية دورا مؤثرا في النسيج الاجتماعي والسياسي في المغرب، بموسيقاها الملتزمة والمعارضة، دون الانتماء إلى فصيل سياسي معين، بل راهنت على إعطاء صوتها للطبقات الشعبية والمهمشة في المجتمع المغربي. وبفضل هذا الدور أسهمت المجموعات الغيوانية بشكل لافت في إبراز حراك الاحتجاج الاجتماعي والدعوة إلى ترسيخ قيم المواطنة.

وعلى المستوى الفني، ارتبطت هذه المجموعات بفن المسرح وفن الملحون، وهو ما يعبر عن مزيج ثقافي يعكس الخصوصية المغربية في أبعادها الاجتماعية المتنوعة. لقد استطاعت، هذه الظاهرة الغيوانية، أن تكشف عن جوانب من التنوع الذي ميز البنيات الثقافية المغربية منذ قرون، وهو ما جعلها مختبرا فنيا بامتياز بعمقه وأثره العروبي، الأفريقي، الأمازيغي، الصوفي… وهو ما يطرح سؤالا حول توثيق هذا التراث الفني الثقافي.

ويندرج كتاب الباحث أنس الملحوني ضمن هذا المسار التوثيقي والأرشفة، وهو عبارة عن سيرة حياتية مفصلة لمسار الفنان أحميدة الباهري والذي امتلك الكثير من المهارات، ولعل جزء من الكتابة عن الباهري، توثيق لمسارات فنانين وموسيقيين وشعراء آخرين، ساهموا في تشكيل وعي أجيال مغربية وصاغوا مرحلة مهمة من تاريخ المغرب الحديث بالكثير من الفنية والإبداع والجمال.

وكتابة سير فناني الظاهرة الغيوانية تتيح فهما عميقا لتاريخ وتطور المجموعات الغنائية المغربية، وتسمح بتتبع جذور حركة الاتجاه الغيواني من حيث الشعر والموسيقى، واستكشاف التأثيرات والتفاعلات مع الأنماط الموسيقية الأخرى. وكتاب الفنان الملحوني الأخير يلخص مسارات أحميدة الباهري ومنجزه الإبداعي في مجالات: الموسيقى والغناء، الموسيقى في مجال الدراما التلفزيونية، الموسيقى في مجال الدراما السينمائية، المساهمة في مجال الوصلات الإشهارية.

ويبدو جليا أن مسارات الفنان الباهري شكلت نموذجا حيا يمكن الباحثين من فحص العديد من الجوانب الخاصة بالحراك الثقافي والفني في المغرب، بدءا من سبعينات القرن الماضي إلى اليوم، كما تمكن من دراسة المنجز الشعري المتغنى به خلال هذه الفترة، ودراسة البنيات الموسيقية، والمشاريع الغنائية الغيوانية.

استطاع أنس الملحوني أن يبوب كتابه التوثيقي تبعا لهذه المسارات، من خلال: مجموعة طيور الغربة، التجربة المريرة مع لمشاهب، مجموعة لجواد والصفدي، مجموعة بنات الغيوان، مجموعة أوركسترا أحميدة (كاسم تجاري وإيذان بتحول قسري في البنية الثقافية المغربية)، الاختبار المؤلم مع جيل جيلالة، تجارب إبداعية يتيمة، تلحين وصلات إشهارية، وتلحين الأعمال الموسيقية للدراما التلفزيونية والسينمائية.

13