أحمد عمر و"ماجد".. رئيس تحرير ومجلة صنعا ثقافة المستقبل

تعد مجلة “ماجد” واحدة من أبرز وأهم المجلات العربية التي تخصصت في الإبداعات الموجهة للأطفال قصة ورواية ورسومات ومعلومات، حيث احتضنت كتابات ورسوم كبار الأدباء والرسامين من مختلف البلدان العربية.
ترأس تحرير المجلة عند انطلاقها الكاتب أحمد عمر الذي ظهر باسم الشخصية الرئيسة “ماجد”، وقد نجح بأن تكون إحدى مجلات الأطفال العربية المستمرة في الصدور دون انقطاع، محققا تواصلا متميزا مع مختلف اتجاهات الكتابة التي تخاطب الطفل، ودافعا للكثير من الأدباء للكتابة للطفل، كما استعان برواد شباب الرسامين على اختلاف مدارسهم، الأمر الذي انعكس جليا على تطور أدب الطفل العربي لتحتل المجلة موقعا فريدا داخل مشهد لم يكن يولي اهتماما كبيرا بأدب الطفل.
المجلة وأحمد عمر
المجلة التي تخاطب الأطفال ما بين سن السابعة والرابعة عشرة من العمر، وتصدرها شركة أبوظبي للإعلام، أطلقت في عام 2009 موقعا إلكترونيا لتسهيل التفاعل والتواصل بين المجلة وقرَّائها. وفي عام 2015 أُطلِقت قناة تلفزيونية خاصة باسم “قناة ماجد”، وكذلك أُطلِق تطبيق للمجلة على نظام أندرويد وأبل ستور.
◄ مجلة "ماجد" واحدة من أهم المجلات في تاريخ صحافة الطفل العربية حتى بعد تحولها من أسبوعية إلى شهرية
يقول الروائي وكاتب الأطفال نشأت المصري إن “الأديب الصحافي أحمد عمر نجم سامق في صحافة الطفل، عاصرت فترة قيادته للعمل في مجلة ‘ماجد’ المرموقة. دون أن ألقاه أو أخاطبه، كان صحافيا يحترم الكلمة وصاحبها. حين كنت أرسل إليه عملا كان يبادر إلى إفادتي بأن العمل مقبول وينشر قريبا. وكان ذلك هو سلوكه مع بقية الكتاب، وكذلك كان يسارع بإرسال مكافأة نشر هذا العمل. وكان جسورا بحيث ينشر العمل ذا الخلفية السياسية والوطنية دون تردد، خاصة تلك الأعمال التي تشير إلى الكيان المحتل”.
ويضيف “أذكر أنني أرسلت له قصة شعرية طويلة جدا اسمها ‘خالد ضد الأخطار‘ في حوالي عشرين صفحة. وكانت تهاجم الكيان الغاصب بقوة. ولم أتوقع نشرها، لكنه نشرها على الفور وشغلت مساحة كبيرة من المجلة وكانت موضوع الغلاف أيضا. وكمهتم بصحافة الطفل أقول إنه كان صحافيا محترما شجاعا. كما كان يهتم بالجانب الديني والقيمي والأخلاقي في انتقاء الموضوعات مع عرضها في ثوب فنى بديع، بما حقق توزيعات ضخمة للمجلة. وهكذا تكون ثمرة الإخلاص في أداء عمل ما، أن تنشر الوعي وقيم الجمال والاهتمام بالعلم والتاريخ لبناء إنسان عربي قوي في مواجهة تلك العواصف الصهيونية – الغربية – الأميركية الشرسة”.
ويؤكد المصري أن مجلة “ماجد” فقد حققت هدف تقديم وجبة ثقافية أدبية دينية عصرية متجددة جاذبة لاهتمام شريحة كبيرة من الأطفال بما جعلها من أفضل مجلات الأطفال العربية. وأنه يدعو إلى “زيادة الجرعة التاريخية والوطنية في مجلات الأطفال ليكون الطفل مستعدا حين يكبر لمواجهة سموم الثقافة الغربية والعبرية التي تربي الطفل الصهيوني على كراهية العرب وعلى مغالطات تاريخية مقصودة فجة”.
الكتابة والخيال
يلفت الروائي وكاتب الأطفال السيد نجم إلى أن مجلة “ماجد” شكلت مدخله إلى عالم أدب الطفل، ويقول “لقد كان رئيس التحرير الراحل أحمد عمر قادرا على جذب الأقلام الجديدة في حينه، ووجدت خلال فترة مناسبة إمكانية النشر وهو ما كان مشجعا لي على الاستمرار في كتابة أدب الطفل، والمفارقة التي أذكرها الآن أنني نشرت في ‘ماجد‘ قبل النشر داخل مصر”.
ويضيف “من الأمور التي شجعتني كثيرا على الاستمرار في الكتابة للطفل أنني لثلاث سنوات أنشر أسبوعيا عملا في ‘ماجد‘، وهو ما رسخ من ثقتي في إمكانية الكتابة بنجاح في مجال أدب الطفل، حيث نشرت في ما بعد في أغلب المجلات المصرية والعربية المتخصصة في أدب الطفل. رحم الله أحمد عمر، الذي فتح لي صفحات ‘ماجد‘ وقت أن عز النشر بالنسبة إليّ في مجال أدب الطفل في مصر، رحمه الله رحمة واسعة”.
ويرصد الفنان ورسام الكاريكاتير أحمد عبدالنعيم دور “ماجد” ورئيس تحريرها أحمد عمر، يقول “صدر العدد الأول في 28 فبراير 1979، وقد سجلت المجلة أعلى نسبة توزيع 167500 نسخة، حيث يعتبر الرقم قياسيًا لتوزيع مجلة موجهة إلى الطفل وقتذاك. لقد كان أحمد عمر صانع المجلة وواضع حجر الأساس لشكل جديد في مجلات الأطفال نابع من إيمان داخلي بأهمية دور الطفل في صناعة مستقبل وطن، لم يكن مجرد قائد لفريق عمل ماهر، ولكنه كان صنع إستراتيجية خاصة تؤكد أن ثقافة الطفل أمر مشترك بين الأسرة والمجلة والمدرسة، وأن مجلة الطفل ليست وسيلة للتسلية، ولكنها حالة داخل وجدان الطفل لتصنع لديه حب المعرفة وتنمية عادة القراءة”.
ويضيف “اختار أحمد عمر البطل ‘ماجد‘، فهو طفل يشبه كل أطفال الوطن العربي، ليس بطلا خارقا يخرج من بين النيران ويضرب ويطير في الهواء، هو ابنك وابني لديه قيم عربية. حاول أحمد عمر في كل حكاية مرسومة أن يغرس القيم بعيدا عن المباشرة التي قد يهرب منها القارئ الصغير، واستعان في ذلك بالمبدع الكبير حجازي بخطوطه البسيطة، وعلى مدار نصف قرن تفرغ أحمد عمر لمعشوقته الخاصة ‘ماجد‘، كان يحلم ويصنع الحلم وفي آخر لقاء لي معه كان في حالة من الرضا عن تجربته، ولديه إيمان خاص بضرورة أن يحمل كل جيل آماله وأحلامه”.
ويؤكد عبدالنعيم أن تجربة “أحمد عمر في “ماجد” تحتاج منا إلى إعادة كتابه تاريخ رجل حمل رسالة فكان الولي وبقي “ماجد” المقام، وعلى صفحات المجلة رسم الفنان العربي العديد من الشخصيات التاريخية وقصص التراث، وفيها كان للخيال الشعبي دور في تأكيد القيم العربية وتأكيد قيم المثالية وتحقيق العدالة، جسد فيها الخيال الشعبي مشاعر الانتماء القومي للأمة العربية والصراع الدائم بين قوى الخير والشر، والخيال الشعبي الذي دائمًا ينتزع المثالية والحب والخير.
ويضيف “لم يتوقف خيال المؤلف عند حد نقل الحكاية الشعبية بالإضافة أو الحذف، لكنه ربط ما بين الأسطورة الشعبية والواقع، في إسقاط رائع يدركه الطفل بسرعة وسهولة، رسم الفنان بهجت على صفحات المجلة “جحا 2” في العدد 429 ـ السنة التاسعة ـ الأربعاء 13 مايو 1987 ـ سيناريو أحمد محمد وصور المؤلف جحا شخصية تعيش في عصرنا وتتعرض إلى المواقف الحياتية التي نتعرض لها يوميًا من أزمات ومشكلات ‘المرور، المدرسة، الشراء والبيع‘، عبر خيال جميل استطاعت ريشة الرسام التعبير عنها بحرفية”.
ويلفت رسام الكاريكاتير أيضا إلى أهمية الأبواب الثابتة التي اتخذت من الحكايات العربية مادة تحت عنوان “طرائف عربية”، ورغم مساحة الرسم التي عادة ما تكون عن قصة واحدة، فإن ريشات الفنانين رحمة، حجازي، عبدالعال، بهجت، اللباد، نجيب فرح، بهجوري، علي فرزات، خليل حداد، محمود فهمي، نبيل تاج، عمار سلمان، إيهاب شاكر، تمكنت من التعبير عن الخيال برسوم رائعة وبشكل مدروس.
لقد استطاع الفنانون، وفق عبدالنعيم، التعبير بشكل جيد عن مساحة الخيال في كل حكاية عربية تراثية، ولم تكتف المجلة بتدوين الحكاية الشعبية على صفحات المجلة، ولكنها أصدرت العديد منها في كتب وعلى صفحات المجلة فظهرت شخصيات “أشعب، أبو الظرفاء، حمار جحا، جحا”، وكانت الشخصيات تظهر بشكل دائم وأسبوعيًا على صفحات المجلة، حتى تأخذ إجازة من إدارة المجلة، وهي حيلة طريفة كانت تلجأ إليها الإدارة.
مدرسة خاصة
يرى الروائي وكاتب أدب الطفل أحمد طوسون أن مجلة “ماجد” تشكل مدرسة خاصة في صحافة الطفل العربية، منذ نشأتها وصدور العدد الأول في 28 فبراير 1979 حتى لحظتنا الراهنة على يد واحد من رواد صحافة الأطفال الكاتب الراحل أحمد عمر، صاحب فكرة إنشائها ورئيس تحريرها الذي لم يكن له الحظ في لقائه إلا أنه كان محظوظا بالعمل ككاتب غير متفرغ فيها، في الفترة من 2011 إلى 2018 تحت رئاسة تحرير الكاتبة فاطمة سيف، تلميذة الكاتب الراحل، والتي سارت على نهجه في اجتذاب المواهب العربية في الكتابة والرسم للعمل بالمجلة، والحرص الشديد على انتظام المجلة وتجهيز أعدادها للطباعة قبلها بفترة، وتأكيد الهوية العربية والإسلامية للمجلة وغرسها في القراء من الصغار والكبار.
ويوضح “في اعتقادي أن أحمد عمر تأثر في فكرة إنشائه لمجلة ‘ماجد’ بمجلة ‘سمير‘ التي تصدرها دار الهلال المصرية، والتي رأست تحريرها في البداية ناديا نشأت، حفيدة مؤسس دار الهلال، قبل أن تخلفها الراحلة ماما لبنى (نتيلة راشد) في رئاسة تحريرها من عام 1966 حتى عام 2002، وحرص على خلق شخصيات خاصة بـ‘ماجد‘ موازية للشخصيات التي اشتهرت بها مجلة ‘سمير’ مثل سمير وتهته، وباسل الكشاف الشجاع وبوبي وبسبس والأسطى فالح، فكانت شخصيات مثل ماجد وكسلان جدًّا، وموزة الحبوبة، وفضولي، وأبو الظرفاء، وزكية الذكية، وشمسة ودانة، والنقيب فهمان والمساعد خلفان”.
ويتابع “لكن شخصيات ‘ماجد‘ كانت بصبغة خليجية تعمق القيم الأخلاقية والهوية العربية والبعدين العربي والإسلامي لدى الطفل، وقد نجح في أن تصبح المجلة الأكثر توزيعا وقراءة في العالم العربي، وعلى عكس مجلة ‘سمير‘ التي كانت تعتمد الإعلان على صفحات المجلة، كان أحمد عمر يفضل عدم الخلط ما بين إعلام وصحافة الطفل والإعلانات، وحرص من خلال افتتاحيات مجلة ‘ماجد’ التي يكتبها، أن يقدم دروسًا أسبوعية تربوية للصغار والكبار على حد سواء، ونجح في تأسيس مدرسة في صحافة الطفل تعتمد على الكتاب والرسامين العرب وحلقات الكوميكس العربية المسلسلة التي يحرص على متابعتها الطفل العربي من الخليج إلى المحيط، عكس مجلة ‘سمير’ التي كانت تستعين بفنانين ورسامين عالميين واشتهرت بتقديمها بعض سلاسل الكوميكس العالمية باللغة العربية مثل تان تان وشخصيات ديزني في بداياتها”.
ويؤكد طوسون أن أهم ما يميز الأديب والصحافي أحمد عمر مهنيته الشديدة وحرصه على النجاح والترويج للمجلة الوليدة منذ العدد الأول للمجلة الذي طبع منه 5000 نسخة تم توزيعها بالكامل بالمجان، وتعامله الهادئ الذي يتوافق مع شخصيته التي تميل إلى الهدوء ومعلوماته الموسوعية وحرصه على عدم تعرض المجلة لأيّ تأخير في موعد صدورها صباح كل أربعاء، فكان حرصه على إعداد أكثر من ثلاثة أعداد وتجهيز موادها قبل موعد الصدور صباح كل أربعاء، وحرصه على إرسال مكافئات المتعاملين مع المجلة بمجرد إرسال أعمالهم وقبول نشرها، وهو النهج الذي توارثته الإدارات المتعاقبة للمجلة من بعده حتى لحظتنا الراهنة.
ويضيف “رحم الله الراحل الكبير الذي أدى رسالته تجاه طفلنا العربي، وأمدّ في عمر مجلة ‘ماجد’ لتظل واحدة من أهم المجلات في تاريخ صحافة الطفل العربية حتى بعد تحولها من مجلة أسبوعية إلى مجلة شهرية منذ عام 2020”.

◄ ماجد طفل يشبه كل أطفال الوطن العربي