أحمد المديني يكتب عن باريس في يومياته مرة أخرى

ميلانو (إيطاليا) - يواصل الكاتب المغربي أحمد المديني رحلته بين المدن في كتاب جديد حمل عنوان “باريس أبدا. يوميات الضفة اليسرى”، حيث يرصد المديني يومياته في مدينة إقامته باريس، وهو الكتاب الثالث الذي يكتبه عن باريس وكتابه الـ70 في تاريخه الأدبي والعلمي الكبير.
ونتأكد من خلال هذا الكتاب من طابع المديني المولع بالمدن، التي كتبها أكثر من مرة، وخاصة باريس التي يغازلها مرة أخرى بنص جديد.
يدخل بنا الكاتب إلى المدينة بمباهجها وتناقضاتها، بأسرارها ولعناتها، هو المفتون بما تحكيه الشوارع والساحات والمقاهي والمكتبات ودور السينما والمسارح، من أوجاع الناس وأحلامهم، وتوقهم الفطري إلى التعرف على لغز الحياة.
نجد أنفسنا مع كاتب لا يفلت شاردة أو واردة في التقاطه لتفاصيل المدينة، وهو المسكون بقيم المدينة، التي ألهمته حكمة الروائي وجرأة الناقد وصدامية المثقف.

الكاتب يقدم باريس بكل تفاصيلها ويسحبها من تحت أقدام ساكنيها لينثرها في هذا الكتاب بطريقة سلسة
كأن نسغ المدينة الذي استقر في ذاكرة الطفل الذي كانه هو الذي حدد قدر الكاتب ومآله، ألم يقل ذات يوم “إذا كانت الرواية لا تستطيع أن تشيد المدينة وتقيم فضاءاتها إلا بالتخيل، فإن ظهور المدينة يبدو وكأنه شرط لا مناص منه لكتابة الرواية”.
يختصر المديني زمنه وزمننا في مدنه الأثيرة، ينطقها، يشخصنها، يحولها إلى جماليات تختزل مسير الذات والوطن، من هنا تحول باريس، وبغداد، ودمشق، والرباط، والدار البيضاء، وغيرها من عواصم النور التي احتضنت تجواله، ووسمت ألفته واغترابه، إلى عتبات نصية تغدي فيه ولع الكتابة. فيستحضر هذه المدن كمجاز لفتنة الحواضر، وكشاهد على انصياع الجسد والحواس والبصيرة الإبداعية لسلطة الفضاء وجبلة السفر.
ويقر الكاتب بوضوح بأن الكتابة فعل يومي، امتهان لولع يتجاوز الرغبة الذاتية اللاشعورية إلى الممارسة العقلانية، هي “حرفة أولا وأخيرا” و”عمل يتم وفق برنامج ونظام وبأدوات وخطط”، والتزام وجداني يبدأ كي لا ينتهي إلا بالانصهار الملتهب بين الوحدة وإرادة التحقق.
“باريس أبدا. يوميات الضفة اليسرى” الصادر عن منشورات المتوسط - إيطاليا، هو الكتاب الثالث الذي يكتبه أحمد المديني عن باريس المدينة - العالم.
وفي كتاب سابق عن العاصمة الفرنسية بعنوان “فتن كاتب عربي في باريس”، كتب المديني سيرة ذاته في قالب يوميات، منها ما يتسلسل زمنيا، ومنها ما يتباعد، فيما أغلبها يأتي في سياق مثل سكة حديد يمر عليها قطار الحياة بعرباته، داخل كل عربة مسافرون، يقرأون ويحلمون ويحكون. ويبقى الحكي عماد هذا الكتاب السير- ذاتي.
وتمثل الكتابة من عاصمة العالم حيث تقلب عمالقة الأدب والفن ضربا من التحدي والإعجاز في وجه كل حامل قلم. عليه، وهو يرسم العالم الخارجي، أن يعي بأن قيمة الكاتب أو الكتابة تكمن في التجربة والرؤية الفردية، ولا تتأتى إلا من ذات، بعض سيرة ذات خصوصية، يهديها الكاتب لنا في هذا الكتاب بسخاء.
ويتابع المديني على نفس النهج في هذا الكتاب، من خلال اليوميات التي تتقاطع مع السيرة الذاتية، ما يمنحها الصدق، والالتصاق أكثر برؤى الكاتب وانفعالاته وأفكاره، ولكن المديني بلغة الشاعر وصنعة الروائي تمكن من جعل نصه سيرة مدينة، وباريس كما نعلم ليست مجرد مدينة.
الكتابة فعل يومي، امتهان لولع يتجاوز الرغبة الذاتية اللاشعورية إلى الممارسة العقلانية، هي "حرفة أولا وأخيرا" و"عمل يتم وفق برنامج ونظام وبأدوات وخطط"
وكما يبين الناشر يقول “بت على ثقة متينة بأن انقطاع زياراتي إلى باريس قد يكون مرده الكتاب الثاني للمديني ‘فتن كاتب عربي في باريس’، والذي شرفت بنشره عام 2019، ولم يكن بسبب الجائحة، لأني حين احتجت إلى الذهاب إلى باريس وتهيأت لها، أرسل لي الأستاذ المديني كتابه هذا بغية نشره، فسارعت إلى قراءته. وفي أثناء القراءة، وجدت أعذارا، اختفت معها حاجتي إلى الذهاب إلى باريس ورغبتي التي كنت هيأتها كذلك”.
وأضاف “أنا من النوع الذي يحب السفر كثيرا، ولكني دائما أبحث في المدينة عن حياتها اليومية، وأتمنى لو عندي عمر مديد، فقط لأعيش في المدن التي أحبها بضع سنوات، تكفيني للتعرف إليها كما ينبغي. لكني أعتقد الآن أن هذا الإشكال حل مع مدينة باريس، بفضل هذا الكتاب”.
وتابع “أنا هنا لا أقدم للقارئ العربي كتابا عن باريس، بل أقدم له باريس كلها، سحبها أحمد المديني من تحت أقدام ساكنيها، ونثرها في هذا الكتاب نثرا عذبا، له موسيقى ستسمعونها وأنتم تقرؤون”.
ويذكر أن أحمد المديني قاص وروائي، باحث جامعي وناقد أدبي، من المغرب. خريج جامعة السوربون بدرجة دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية 1990. عمل أستاذا في جامعات مغربية وفرنسية. صدرت له أعمال عديدة قصصية وروائية، ورحلات، ودواوين شعرية، ودراسات جامعية ونقدية وترجمات أدبية، عن دور نشر عربية، وأجنبية. وترجمت بعض كتاباته إلى الفرنسية والإسبانية والإنجليزية. شارك في عدة مناظرات أكاديمية ومؤتمرات أدبية بالعالم العربي، وخارجه. وله أبحاث منشورة في المجلات.