أحمد العصيدان: تنظيم المشهد التشكيلي السعودي يحفز الفنانين على المزيد من الإبداع

لم ينغلق الفنان التشكيلي السعودي أحمد العصيدان على تجربته الذاتية وإنما يحاول الانفتاح على التجارب المتنوعة في وطنه، مواكبا القرارات الجديدة التي تسعى نحو دعم الفن التشكيلي في المملكة، مع امتلاكه عينا ناقدة لحركة التشكيل العربي. لكنه يؤمن بأن كل النجاحات الكبرى التي حققها التشكيليون العرب كانت فردية وبمجهود ذاتي.
القاهرة - أحمد العصيدان واحد من الفنانين التشكيليين المؤثرين في التشكيل السعودي، حيث يتحرك منذ سنوات على أكثر من مسار ليقدم لوحات وأعمال كاريكاتير معاصرة، تواكب حركة الفن في المنطقة والعالم، موظّفا أنماطا مختلفة من الخط العربي في لوحاته التشكيلية، ليحول هذه الأعمال إلى مجسمات يقدم من خلالها موهبته الإبداعية التي ميل أكثر نحو ممارسات واسعة للرسم السريالي والواقعي والانطباعي.
وحول رؤيته للحركة التشكيلية بالمملكة العربية السعودية قال الفنان أحمد العصيدان إن الحركة التشكيلية بالمملكة حققت نجاحا كبيرا، وتدرجت محطات صعودها على مدار قرابة ستة عقود بفضل جهود فنانين كبار بداية من جيل الرواد، ومن تلاهم من أجيال فنية.
ووصف محطات صعود الحركة التشكيلية السعودية بأنها كانت أشبه بكتابة رواية أدبية، تسجل فصولها مراحل تطور الفن التشكيلي على أرض المملكة بداية من محطاتها الأولي وحتى محطات نضوجها، مرورا بذلك الزخم وهذا الحضور محليا وعربيا ودوليا، منوها إلى أن المملكة باتت تزخر بالكثير من الفنانين الذي أسهموا بجهودهم في نهضة الفنون التشكيلية العربية، إضافة إلى حضورهم في الحركة التشكيلية الدولية.
الحركة التشكيلية بالسعودية حققت نجاحا كبيرا وتدرجت محطات صعودها على مدار ستة عقود بفضل فنانين كبار
واعتبر العصيدان أن الدعم الذي تقدمه حكومة المملكة للفنون بكل صورها، وتوجيهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتعزيز دور الفن والفنان السعودي، وما أتاحته رؤية 2030 من رعاية للفنانين التشكيليين، كان له دوره في تلك النهضة التشكيلية التي تشهدها بلاده.
وثمن قرار اقتناء الأعمال التشكيلية لفناني المملكة من قبل الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية، واعتبره محفزا لكل فنان بأن يواصل الإبداع بلا توقف، مؤكدا أن المشهد التشكيلي الراهن بالمملكة يختلف عن سابقه وأنه بات اليوم أكثر تنظيما وأكثر فعالية.
من ناحية أخرى رأى الفنان التشكيلي السعودي أن الحركة التشكيلية العربية تعرضت للكثير من الظلم، وأن فنانين كثر كانت لهم إسهاماتهم الكبيرة في المشهد التشكيلي وتمتعوا باحترافية عالية، ولكن لم تنصفهم الظروف ولم يتمكنوا من الوصول لـ “العالمية”. وأضاف العصيدان أن الإعلام لعب دورا في عدم تمكن مبدعين عرب كبار من أن يكونوا تشكيليين عالميين، لتقصيره في تسليط الضوء على أعمالهم.
وأكد على أن من وصلوا للعالمية من التشكيليين العرب حققوا ذلك معتمدين على جهدهم الشخصي، إضافة إلى بعض المبادرات المتواضعة التي لم تكن كافية لتقديم الفنون التشكيلية العربية للعالم.
وأشار إلى أن التقدم التكنولوجي وانتشار منصات التواصل الاجتماعي هي عوامل ساعدت على فتح مجالات جديدة أمام الفنانين العرب، ووفرت مسارات متعددة أمام التشكيليين، وأتاحت لهم فرصة الاطلاع على تجارب الآخرين، والوصول بأعمالهم إلى مناطق بعيدة من العالم، وفتحت لهم قنوات اتصال مع أقرانهم في شتى بقاع الأرض، وأن الفنون التشكيلية العربية صارت تستقطب الكثير من الجمهور خارج الوطن العربي، وصار جمهور الفنون بالعالم يقبل عليها بشغف كبير.
ولفت العصيدان إلى أن الدول العربية غنية بفنانيها التشكيليين الذين يمارسون الفن باقتدار، ويحاولون من خلال مبادرات وجهود شخصية تارة، ومدعومة من المؤسسات المعنية برعاية الفنون في العالم العربي تارة أخرى، في جسر أي هوة تفصل بين الفنون العربية وفنون العالم، وأن كل ذلك ساعد على وجود ذلك الحراك الفني الذي يشهده العالم العربي.
وحول رؤيته لمكانة وحضور المرأة في المشهد التشكيلي العربي، قال إن المرأة جزء من نسيج الحركة التشكيلية العربية ولها دور واضح في حالة الحراك الفني العربي وتشارك بقوة في المعارض والملتقيات الفنية.
وعن رؤيته للعلاقة بين القصيدة الشعرية واللوحة الفنية، قال الفنان إنها علاقة “توأمة” وأشبه بمرآة تعكس الأحاسيس والخيالات التي تحملها القصيدة، والتي يجسدها الفنان التشكيلي في رموز تصويرية على سطح لوحته فتصير اللوحة قصيدة، موضحا أن بعض اللوحات تتحول إلى قصيدة شعرية يستلهم الشاعر أبياتها من لوحة جذبت ناظريه فصاغ من خطوطها وألوانها قصيدة شعرية.
وحول تجربته الشخصية في هذا المجال، أوضح العصيدان أنه نسج بعض لوحاته من قصائد شعرية للأمير بدر بن عبد المحسن، والأمير عبدالرحمن بن مساعد، وسعد بن جدلان، وعبدالإله المطرف، والشاعرة “الأمل المجروح”، وأنه سيقدم قريبا لوحة مستوحاة من إحدى قصائد الأمير خالد الفيصل.
وحول مدارسه الفنية وموضوعات أعماله التشكيلية، قال إن أعماله تحمل مواضيع وأساليب فنية مختلفة، وأن البعض من تلك الأعمال “سريالي” فيه روح الخيال ومضمون الواقعية في تعبير خاص يبالغ فيه بالرمزية ويتساهل فيه بالموضوع، وكذلك “التأثيري” وهي السهل الممتنع من وجهة نظره، وذلك لما لها من رونق فني مختلف رغم بساطتها.
وأضاف أنه كثيرا ما يميل إلى التعبير من خلال هذه المدرسة في الموضوعات التي يتناول فيها المناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة، والزخرفة والخط العربي، وأنه يجد في النحت مهارة مهمة لتجسيد كثير من أفكاره المتعلقة بالثقافة الإسلامية.
وحول بدايات رحلته مع الفنون التشكيلية، قال العصيدان إن بدايات رحلته مع الفنون جاءت في وقت مبكر من طفولته، حيث كان يتأثر بالأفلام الكرتونية ويحاول أن ينقل بعضا من صورها على الورق.
التقدم التكنولوجي وانتشار منصات التواصل الاجتماعي هي عوامل ساعدت على فتح مجالات جديدة أمام الفنانين العرب
واعتبر أن تلك المرحلة المبكرة من حياته ساهمت في وضعه على المسار الفني، حيث وجد نفسه يستمتع بممارسة الفن، مع رغبة في الاستمرار والتطوير من خلال الممارسات الفنية المختلفة، وكانت انطلاقته الحقيقية حين بدأ تقديم رسومه بالصحف السعودية وهو في سن التاسعة عشرة من عمره.
أما عن عوالمه الفنية وعلاقته بأدواته التشكيلية فقال إنه ارتبط كثيرا باللوحة الفنية في بداياته، وكانت بالنسبة له بمثابة مسرح يقدم من خلاله أفكاره للجمهور، وكان لديه على الدوام دافع قوي لممارسة الفنون التشكيلية بتعددها وتعدد أدواتها، الأمر الذي خلق بداخله شخصية فنية مقبلة على كل الفنون البصرية، وراح يمارس رسم لوحات فنية، لوحات من الخط العربي والزخرفة، إضافة إلى النحت بخاماته المتعددة، وموضوعاته المتنوعة مثل المجسمات الميدانية.
واعتبر العصيدان أن الفنان التشكيلي شخص مرهف الحس يرى ما لا يراه الآخرون، وهو أيضا بمثابة مستودع أفكار ومشاعر وأحاسيس، حيث يبحر في عالم من الخيال الخصب، ليترجم الأفكار والمشاعر والأحاسيس في لوحات فنية واقعية أو سريالية، أو حتى تأثيرية وتجريدية إلى غير ذلك من المدارس الفنية.
يذكر أن أحمد العصيدان فنان تشكيلي سعودي يمارس فنون الرسم والنحت والكاريكاتير بجانب الخط العربي، وشارك في قرابة 50 معرضا وملتقى فنيا في المملكة، والولايات المتحدة ومصر ولبنان وغيرها من البلدان، بجانب تصميمه لعشرات المجسمات، وما حظي به من تكريمات محلية ودولية.