أحمد الحشاني سليل أسرة البايات رئيسا لحكومة تونس

تعيين الحشاني رئيسا للحكومة ينطلق من معرفة الرئيس قيس سعيد به وبتوجهاته الفكرية والأساسية ونظرته إلى الحاضر والمستقبل.
الأحد 2023/08/13
الأولوية لحلحلة أزمة الخبز وتطهير الإدارة

برز أحمد الحشاني في صدارة المشهد السياسي التونسي منذ الثاني من أغسطس الحالي بعد أن قرر الرئيس قيس سعيد تعيينه رئيسا للحكومة، وأصبح اسمه محل بحث وتحقيق من قبل المهتمين بمستجدات الأحداث في بلادهم والفضوليين ممن يحاولون التعرف على سيرته الذاتية وهويته الاجتماعية والسياسية والوظيفية وعن مدى علاقته بالرئيس سعيد، وكذلك عن مرجعيته الفكرية والعقائدية، وما إذا كانت له تجارب سابقة في العمل الحزبي أو الحكومي.

تعد حكومة الحشاني الثانية بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، وتمت بمقتضاها الإطاحة بمنظومة 14 يناير 2011، وهي تحمل رقم 14 بين الحكومات التي تولت شؤون البلاد منذ الإطاحة بالنظام السابق.

والحشاني هو رقم 10 بين رؤساء الحكومات الذين تداولوا على كرسي الحكم بقصر القصبة بعد كل من محمد الغنوشي والباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي وعلي العريض ومهدي جمعة والحبيب الصيد ويوسف الشاهد وهشام المشيشي ونجلاء بودن، وجاء إلى منصبه بعد تحولات دراماتيكية عرفتها البلاد ودفعت ببعض هذه الشخصيات إلى السجن أو المنفى الاختياري أو العزلة السياسية، وبعد مخاض سياسي صعب أنهاه الرئيس سعيد بإلغاء دستور 2014 وإلغاء النظام شبه البرلماني والعودة إلى النظام الرئاسي وفق دستور 2022 وانتخابات برلمان جديد برؤية سياسية مختلفة عما كان سائدا قبل يوليو 2021.

والحشاني من مواليد 11 يولي 1957 بتونس العاصمة، وهو يتحدر من ناحية الجد من العائلة الحسينية الحاكمة قبل إعلان النظام الجمهوري في يوليو 1957، وبالأساس من أسرة على باي وهو شقيق محمد الصادق باي الذي أمضى معاهدة الحماية الفرنسية في مايو 1881، وقد كان رافضا للاتفاقية وتولى قيادة الجيش الذي أرسل لقتال الفرنسيين عند اجتيازهم الحدود الغربية للبلاد قادمين من الجزائر، لكنه عاد بعد أيام دون قتال، لتكون المعاهدة قد أمضيت، ولينتظر بضعة أشهر ليخلف شقيقه على العرش الحسيني حتى 1902.

أسرة الحشاني والتحدي

◙ الحشاني يستقبل وزيرة التجارة: ملف الخبز أولوية قصوى
الحشاني يستقبل وزيرة التجارة: ملف الخبز أولوية قصوى

كان والد الحشاني منخرطا في جيش حكم البايات، قبل أن يشارك في تأسيس الجيش الوطني بعد فترة قصيرة من نيل الاستقلال في العشرين من مارس 1956، وهناك ارتبط بعلاقات وطيدة مع عدد من العسكريين الذين يبدو أنهم كانوا غير راضين على التوجهات السياسية للرئيس الحبيب بورقيبة.

كانوا متأثرين بالتيار العروبي الناصري أو متحيزين لمشروع الزعيم صالح بن يوسف الخصم الأساسي لبورقيبة، فقرروا الإطاحة بالنظام القائم، وعقدوا جلسات لإعداد الخطة الانقلابية سرعان ما وصلت تفاصيلها إلى الأجهزة الأمنية التي ألقت القبض على المجموعة.

ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها أسرته المكونة من أمّ من أصول فرنسية وسبعة أبناء بعد إعدام والده، ثابر أحمد على دراسته إلى أن حصل على شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) من المعهد العلوي في تونس العاصمة، وتوجّه إثر ذلك إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس حيث توّج مساره الجامعي بنيل شهادة في القانون العام سنة 1983، وقد كانت له علاقات صداقة مع زميله في مقاعد الدراسة قيس سعيد الذي يتولّى حاليا رئاسة البلاد.

◙ أمام الحشاني عدد من الملفات ذات الأولوية بدأ بالانكباب على دراستها، وأولها ملف الخبز الذي تحول إلى هاجس اجتماعي وسياسي ملحّ
أمام الحشاني عدد من الملفات ذات الأولوية بدأ بالانكباب على دراستها، وأولها ملف الخبز الذي تحول إلى هاجس اجتماعي وسياسي ملحّ

وفي العام قبل الأخير من حكم بورقيبة، أي العام 1986، تم انتداب الحناشي للعمل في قسم الشؤون القانونية بالبنك المركزي التونسي، وتمت ترقيته في مناسبات عدة إلى أن عين سنة 2011 مديرا عاما للموارد البشرية في المؤسسة نفسها، كما كان يدرّس مادة القانون لطلبة الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية في تونس، قبل أن يحال إلى التقاعد سنة 2018 عن سن تناهز 61 عاما.

أولويات اجتماعية عرف عن الحشاني إعجابه بالأنظمة الوراثية وخاصة بالملكية الدستورية، وعداؤه الشديد للإسلام السياسي، كما أنه يؤيد علمانية الدولة والمساواة بين المرأة والرجل، لكنه بالمقابل لم ينشط في أحزاب سياسية ولم يكن معروفا لدى أغلب التونسيين، إلى أن تم الإعلان عن تكليفه بمنصب رئيس الحكومة في الثاني من أغسطس الجاري.

ويجمع أغلب المراقبين، على أن تعيين الحشاني رئيسا للحكومة، ينطلق من معرفة الرئيس قيس سعيد به وبتوجهاته الفكرية والأساسية ونظرته إلى الحاضر والمستقبل، وكذلك إلى التاريخ المعاصر للبلاد، ومن توافق بينهما حول الموقف من دولة الاستقلال ومن نظام الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ولمجريات الأحداث التي عصف بالبلاد ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 يناير 2011، ومن ضرورة طي صفحة الماضي والانطلاق في تأسيس مسار سياسي واجتماعي مغاير يقطع مع المسارات والتجارب السابقة.

وترى الأوساط السياسية المقربة من مركز القرار بقصر الحكومة في القصبة أن أمام الحشاني عددا من الملفات ذات الأولوية التي بدأ بالانكباب على دراستها، وأولها ملف رغيف الخبز الذي تحول إلى هاجس اجتماعي وسياسي ملحّ، حتى أن الرئيس سعيد اتهم ما وصفها باللوبيات بافتعال أزمة الخبز التي تعيشها البلاد مع وقوف التونسيين في طوابير طويلة لاقتناء المكون الأساسي في النظام الغذائي التونسي.

وقد أكد الحشّاني خلال اجتماعه بوزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب القزاح، على ضرورة تجاوز الإشكاليات الحاصلة والتعجيل باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين التزود الطبيعي بمادة الخبز من خلال التنسيق مع مختلف الأطراف المتدخلة، وشدد على ضرورة إيلاء الموضوع ما يستحق من عناية على مستوى الوزارة ومزيد إحكام التنسيق بين الفاعلين في هذا المجال للنظر في المقترحات والتصورات العملية.

وكان الرئيس التونسي أكد خلال إشرافه على موكب تسلم واستلام مقاليد رئاسة الحكومة بين الحشاني وبودن في الثاني من أغسطس، أن بلاده أمامها تحديات عدة منها مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى نوع آخر من الإرهاب وهو محاولة تجويع التونسيين من قبل بعض اللوبيات التي تتخفى وراء الستار، وتراهن على بث الفوضى في المجتمع وتأجيج الأوضاع في البلاد.

ووضع سعيد خارطة طريق المرحلة القادمة في بلاده، وقال إن على الدولة مواجهة اللوبيات المتورطة في الفساد ولا مجال للتسامح معها، مشددا على أن الدولة لا تدار من خلال صفحات «فيسبوك» المأجورة والتي تعمل من الخارج وتحاول إرباك الدولة، مردفا أنه سيواصل تطهير البلاد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين الذين يعتقدون أنهم فوق السلطة.

ملفات عاجلة

◙ نقل صلاحيات بين رئيسة الحكومة السابقة والرئيس الجديد.. تواصل المشروع
نقل صلاحيات بين رئيسة الحكومة السابقة والرئيس الجديد.. تواصل المشروع

انطلاقا من تجربته السابقة في الإشراف على دائرة الموارد البشرية بالبنك المركزي، سيكون أمام الحشاني ملف آخر مهم وهو تطهير الإدارة ممن يعملون على عرقلة الحركة

الإصلاحية، لاسيما بعد أن أعلن الرئيس سعيد أنه سيتم قريبا فتح ملف التعيينات التي شهدتها الإدارة ومؤسسات الدولة خلال السنوات الماضية بسبب أن بعضها اعتمد على الولاءات والمؤهلات العلمية المزورة، داعيا كل من يتحمل مسؤولية داخل الإدارة “أنت موجود في مكانك ذلك لخدمة تونس والتونسيين، فلا تتكاسل عن ذلك”.

وفي الثالث من أغسطس، تناول اجتماع في قصر قرطاج بين سعيد والحشاني سير العمل الحكومي وخاصة ضرورة المضي قدما في تطهير الإدارة ممن تسللوا إليها وتحولوا إلى عقبة أمام إنجاز أيّ مشروع اقتصادي أو اجتماعي أو غيره، في حين أن عديد المشاريع جاهزة والأموال المرصودة لها متوفرة ولا تنقص سوى الإرادة الصادقة لتحقيقها، وذلك وفق بيان صادر عن مؤسسة الرئاسة.

الملف الثالث الذي يحتل مكانة مهمة في جدول اهتمامات الحشاني هو العمل على التوصل إلى اتفاق نهائي مع الاتحاد الأوروبي حول ملف الهجرة غير الشرعية، وعرضه على البرلمان للتصديق عليه، وذلك على ضوء مذكرة التفاهم حول الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تم توقيعها يوم 16 يوليو الماضي بقصر قرطاج بحضور الرئيس سعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسي مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والهولندي مارك روته.

الحشاني عرف بإعجابه بالأنظمة الوراثية وخاصة بالملكية الدستورية، وعدائه للإسلام السياسي، كما أنه يؤيد علمانية الدولة والمساواة بين المرأة والرجل

أما الملف الرابع، فيتعلق بالوضع المالي العام، وبالمفاوضات مع المانحين الدوليين وخاصة مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار يمكن أن يفتح التوصل إلى اتفاق حوله إلى تيسير عقد اتفاقيات ثنائية مع دول شقيقة وصديقة للحصول على قروض بهدف إخراج البلاد من أزمتها المالية المتفاقمة منذ سنوات.

ومهما يكن من أمر، فإن رئيس الحكومة الجديدة سيتولى تنفيذ سياسات رئيس الدولة في مختلف المجالات، وبحسب دستور 2022 فإنّ الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية، يسيّرها رئيس الحكومة وينسق أعمالها ويتصرف في دواليب الإدارة. وله أن ينوب رئيس الجمهورية عند الاقتضاء في رئاسة مجلس الوزراء أو أيّ مجلس آخر.

7