أحمد الأمين يعيد تجسيد البساطة بتعبيرات عن جوانب الإنسان المندثرة

الدار البيضاء – “تجسيد البساطة” عنوان المعرض الجديد للفنان المغربي أحمد الأمين الذي يستمر حتى آخر شهر يونيو الجاري، ويستضيفه رواق “نظر” بالدار البيضاء، والذي يأتي على شكل انغماس تصويري في العالم المتفرد للفنان التشكيلي الذي يتميز نهجه الفني بنقاء جذري يمزج بين الذاكرة والصمت والإنسانية.
وفي هذه السلسلة الفريدة يستكشف أحمد الأمين، الوفي لسعيه الجمالي الذي بدأه منذ أزيد من عشرين سنة، جوانب الإنسان المندثرة، من خلال صور ظلية تجريدية وألوان هادئة ورغبة مفترضة في “إسكات التألق”.
وأوضح أنه “لطالما عملت على أشكال مبسطة، كما لو أنها فقدت بريقها. هدفي هو إطفاء هذا البريق، والعودة إلى البياض، وإلى الجوهر، وإلى شكل من أشكال النقاء البصري.”
وبعيدا عن أي تمثيل توضيحي، فإن أعماله تدعو المشاهد إلى الانخراط في حوار داخلي. وأضاف الأمين في هذا الصدد أن “الرسالة بسيطة: المشاركة مع الجمهور. هذا الأخير له حرية المشاهدة، والإعجاب أو عدمه، والفهم، أو حتى الشعور،” مؤكدا على العلاقة الحميمة التي تربطه بلوحاته.
أعماله تتميز بالقدرة على دمج الحياة اليومية مع الفن، حيث تتماهى اللوحة مع الواقع وتصبح انعكاسًا حيًا للبيئة المحيطة
وفي تصريح مماثل أعربت أمينة فراوي، المديرة المشاركة للمعرض الذي يندرج في إطار الاحتفاء بالذكرى الخمسين لتأسيس رواق “نظر”، المؤسسة البارزة في المشهد الثقافي المغربي، عن اعتزازها بتخليد إرث والدتها، أول امرأة تمتلك رواقا فنيا في العالم العربي.
وأضافت “نحن ملتزمون بمواصلة اكتشاف فنانين مبدعين وأصيلين، مثل أحمد الأمين. هذا المعرض تكريم لالتزام المعرض تجاه الفن الصامت والصادق، المتجذر في التجربة الإنسانية.”
وفي معرض حديثها عن علاقة الجمهور بالفن أبدت السيدة فراوي ملاحظة دقيقة: “هناك اهتمام حقيقي لدى الجمهور، ولكن لا يزال هناك تردد في زيارة المعارض. من المهم تشجيع ثقافة الزيارة، لاسيما بين العائلات، لإطلاع الأطفال على الفن والإبداع منذ الصغر.”
وأعربت أيضا عن رغبتها في تطوير مشروع معرض متجول، يجوب طرقات المغرب للوصول إلى جماهير بعيدة، وبالتالي تعزيز الوصول إلى الفن المعاصر. وقالت “بالنسبة إلينا سيشكل هذا الأمر طريقة لتكريم إرث والدتنا وفتح آفاق جديدة للإبداع الفني المغربي.”
من جهة أخرى وصفت صحيفة المعرض أحمد الأمين بـ”راوي الحميمية”، إذ تثير أعماله لحظات معلقة، وحضورا متحفظا، ومشاعر مستترة.
وفي هذا الصدد كتب الناقد والكاتب فريدريك غامبان “هناك ألوان لا تخدع، وأشكال كأنها غُسلت في نافورة، وشخصيات خالدة تمثلك، وتمثلني.”
وضمن هذه الجمالية الصامتة تصبح كل لوحة فضاء للتأمل؛ فالإيماءات مقيدة، والوجوه بلا جنس، والديكورات مرسومة. وبالنسبة إلى الناقد أ. بن حزة فإن “أحمد الأمين لا ينسخ الواقع، بل يطبقه على نفسه، ويعمل عليه كمادةٍ خام، غنية بالإبداع.”
والجمهور مدعو إلى اكتشاف أعمال هذا المعرض، الذي يمتد إلى غاية 30 يونيو الجاري، فما جاد به الفنان أحمد الأمين يجسد إنسانية مسالمة، بين عزلة متواضعة وذاكرة جماعية، في معرض يهدف كذلك إلى أن يشكل فضاء للتبادل والأحلام المشتركة.
الفنان التشكيلي المغربي أحمد الأمين بدأ مسيرته الفنية في مرحلة مبكرة من حياته، حيث يقول إنه في طفولته اكتشف حقيبة خشبية تحتوي على أدوات نجارة، ما أثار فضوله وفتح أمامه أبواب الإبداع والتشكيل اليدوي، ويعتبر هذا الاكتشاف نقطة انطلاقه نحو عالم الفن التشكيلي.
ولد الفنان في مدينة الدار البيضاء سنة 1966 وهو خريج مدرسة الفنون التشكيلية بالدار البيضاء فوج 1988 لينخرط في سلك التعليم، واستقر في مدينة آزمور التي يقول عنها إنها كانت منبع إلهام وتفريغ للمكنونات الداخلية ومجالا خصبا للإبداع لعدد من المهووسين بالرسم وبباقي الفنون عامة.
تميز في الساحة التشكيلية على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي من خلال مجموعة المعارض الفردية والجماعية انطلاقا من سنة 1987 في الدار البيضاء، حيث عرض بمدن المغرب وفي عدد من مدن كل من فرنسا وهولندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا وقطر وتونس والجزائر. كما يحظر اسمه ضمن بعض المؤلفات والموسوعات التي تعنى بالفن التشكيلي على المستويين الوطني والعالمي كاسم من بين أشهر الفنانين التشكيليين المتميزين.
وعلى مدار ثلاثين عامًا من العمل الفني مرّ أحمد الأمين بعدة مراحل لونية وموضوعاتية. من أبرز هذه المراحل “المرحلة الزرقاء”، التي تزامنت مع الانتقال من القرن العشرين إلى القرن الحادي والعشرين. في هذه المرحلة استخدم اللون الأزرق للتعبير عن التفاؤل والسكينة، معبرًا عن رؤيته المستقبلية المتفائلة رغم التحديات.
تتميز أعماله بالقدرة على دمج الحياة اليومية مع الفن، حيث تتماهى اللوحة مع الواقع وتصبح انعكاسًا حيًا للبيئة المحيطة. ويُظهر أحمد الأمين من خلال أعماله التزامًا عميقًا بالتراث والثقافة المغربية، مع سعيه المستمر للتجديد والابتكار في أساليبه وتقنياته.