أحزاب جزائرية تنتصر لرهاناتها الانتخابية على حساب مبدأ الحرية

قوى سياسية جزائرية تنتقد الصحافي سعد بوعقبة وتدعو إلى محاسبته.
الثلاثاء 2023/02/07
عبدالقادر بن قرينة.. شعاره مهادنة السلطة

الجزائر - لا يزال المقال الذي نشره الصحافي سعد بوعقبة، والذي تضمن أوصافا عدت مسيئة لمحافظة الجلفة، يثير جدلا واسعا في الجزائر، على الرغم من كونه قدم اعتذارا لأهالي المحافظة وسحب مقاله.

ودخلت قوى سياسية جزائرية على الخط في انتقاد الصحافي والدعوة إلى محاسبته في موقف لا يخلو من حسابات سياسية، في علاقة بالرهانات الانتخابية، وأيضا لمغازلة السلطة الحالية.

وظهر وكأن هناك تنافسا بين الأحزاب الجزائرية في ردودها على الصحافي، محولة الأمر إلى أشبه ما يكون بقضية رأي عام.

وشدد رئيس حركة البناء الوطني والمرشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبدالقادر بن قرينة، المحسوب على التيار الإخواني، على “ضرورة التصدي” لما أسماه “بالعدو المتربص”.

وقال بن قرينة “كل من يمس بشرف أي من مكوناته، فهو يمس بشرف وعرض كل جزائري وجزائرية، ويسهم في تمزيق نسيجه المجتمعي، والذي حرص أعداء الجزائر على أن يمزقوه بمحطات متتالية، وآخرها الحراك الدخيل المؤدلج”.

ويحرص بن قرينة على إظهار تماهيه مع السلطة، وسبق وأن اتخذ زعيم حركة البناء الوطني، المنشقة عن حركة “حمس” الإخوانية، موقفا معاديا للاحتجاجات السياسية التي شهدتها الجزائر في العام 2019، واعتبرها “حراكا دخيلا ومؤدلجا”.

عبدالرزاق مقري: ما كتبه بوعقبة سقطة أخلاقية غير مسبوقة وعنصرية مقيتة
عبدالرزاق مقري: ما كتبه بوعقبة سقطة أخلاقية غير مسبوقة وعنصرية مقيتة

وقال بن قرينة “ما طالعتنا به بعض المنشورات التي تعير أهلنا بمحافظة الجلفة وقبيلة أولاد نائل كبرى قبائل وطننا، ونعتهم بأوصاف لا تليق ولا تقبلها أخلاقيات المهنة ولا يسمح بها القانون، لهو دون شك انحدار وانفراط في حرية التعبير وتصرفات غير مسؤولة، ومس حقيقي بالسيادة، وتكريس لخطاب الكراهية الذي يجب الاعتذار منه فورا، ويجري القانون مجراه في مثل هذه التلاعبات التي تمس وحدة شعبنا ووطننا وتتطلب من جميع أبناء هذا الوطن ونخبه نبذ هذه التصرفات وحماية المستقبل من أصحابها وأجنداتهم السيئة”.

وكان الكاتب الصحافي قال في مقاله المثير للجدل والذي تطرق فيه بأسلوب ساخر إلى مشروع لتربية الأبقار سيقام في محافظة الجلفة “إذا اختار الرّئيس تبون فعلا محافظة الجلفة، وبلدية البرين على وجه الخصوص، لتربية أبقار المشروع القطري، فقد أصاب هذه المرّة عين الحقيقة! فالأمر يُعد ترقية لمنطقة الجلفة من مستوى الخرفان إلى حجم الأبقار!”.

وأضاف “حتّى سياسيا.. فسُكّان هذه المحافظة كانوا دائما خِرفانا، وترقيتهُم إلى (أبقار سياسية) تعدّ تطورا لافتا!”، ومضى قائلا “تتذكرون أنّ محافظة الجلفة هي التي تنطلق منها دائما التّصحيحيات في الأحزاب لصالح السُّلطة، وهي التي تنطلق منها المسيرات العفوية المُؤيدة للسّلطة! وهي التي تتبارز مع محافظات أخرى في نسبة المُشاركة في الانتخابات بالتّزوير!”. لذلك فلا غرابة إذا انتقلت سياسيا من عاصمة “الخرفان السّياسية” إلى عاصمة الأبقار، وستبقى علاقة هذه المحافظة مع السّلطة الحاكمة “صافية حليب”، بعد تحويلها إلى عاصمة الأبقار الحلوب.

ومشروع تربية الأبقار الحلوب الذي تقررت إقامته في محافظة الجلفة، هو استثمار ثنائي بين الجزائر وقطر، يستهدف النهوض بقطاع إنتاج الحليب والألبان في البلاد، في ظل الأزمة التي تعيشها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، نتيجة توجه الحكومة إلى خفض “بودرة” الحليب من الخارج، والتداعيات التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية على الغذاء العالمي.

ويرى مراقبون أن ردود الفعل على المقال الصحفي لا تخلو من مبالغة، وأن انخراط القوى السياسية في الرد هو عملية استغلال وتوظيف للموقف، وإن كان ذلك على حساب مبدأ حرية الرأي، التي لطالما تشدقت بها تلك القوى.

ولم يفوت زعيم حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري فرصة الرد على المقال المثير للجدل، حيث كتب في منشور له على صفحته الرسمية على الفيسبوك “إن ما كتبه بوعقبة على أهلنا في محافظة الجلفة عيب وعار، وسقطة أخلاقية غير مسبوقة، وعنصرية مقيتة مدهشة”.

مشروع تربية الأبقار الحلوب الذي تقررت إقامته في محافظة الجلفة، هو استثمار ثنائي بين الجزائر وقطر، يستهدف النهوض بقطاع إنتاج الحليب والألبان في البلاد

فيما اعتبر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبوالفضل بعجي، في كلمة له خلال ندوة صحفية عقدها لتقديم حصيلة التحضيرات للمؤتمر الحادي عشر للحزب، أن “الجلفة ركن من أركان البلاد والوطنية وإذا تكلمنا عن تاريخها فلن يسعنا الوقت والمكان لذكر كل بطولاتها”.

وأضاف بعجي “يجب ذكر مقاومة خليفة الأمير عبدالقادر، الشيخ شريف بن لحرش إلى المقاوم الكبير التلي بلكحل والعلماء أمثال الشيخ عطية مسعودي، والشيخ عبدالقادر بن براهيم، والبطل أحمد بن الشريف.. وغيرهم، ومحافظة الجلفة لطالما لبت نداء الجزائر في مختلف المحطات التاريخية والمفصلية”.

وأثنى المتحدث على موقف المحافظة وسكانها خلال الحراك الشعبي، بالإضافة إلى دعم المسار الانتخابي ومساندتها للجيش، ودعا إلى “ضرورة إسهام الجميع في دعم اللحمة الوطنية وتكوين جبهة داخلية قوية لوضع حد للمناورات الإقليمية التي تستهدف أمن الجزائر واستقرارها”.

وشدد الرجل الأول في الحزب الحائز على أغلبية المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، على ضرورة “سحب بوعقبة للمقال، والاعتذار من سكان محافظة الجلفة عما بدر منه من إساءة لأهل هذه المحافظة”، لكن اللافت أن النخب السياسية المذكورة لم يصدر عنها أي موقف بعد اعتذار الرجل ثم عرضه على القضاء في المحكمة المختصة بمعالجة قضايا النشر والرأي العام والجرائم الإلكترونية.

وكان قاضي التحقيق لدى محكمة الدار البيضاء بالعاصمة قد قرر مساء الاثنين وضع الكاتب الصحافي بوعقبة تحت الرقابة القضائية، مع منعه من مغادرة التراب الجزائري وحجز هاتفه الخاص.

4