أحزاب جزائرية تخرج من الظل السياسي عبر حرب غزة

الجزائر - دخلت مجموعة من الأحزاب السياسية الجزائرية في مرحلة من التنسيق والتشاور حول التعاطي مع قضية الحرب في غزة، حيث عقدت عدة لقاءات وأصدرت بيانات تقليدية “لدعم المقاومة وشجب الحرب وتأييد الموقف الرسمي”. وهو ما سمح لها بالخروج من دائرة الظل التي لازمتها في الآونة الأخيرة، في حين غابت مواقفها وأنشطتها حول الوضع الداخلي، وكان آخر ذلك سكوتها عن قانون جديد يقيد العمل النقابي والحق في الإضراب بشكل يهدد مكاسب النضالات السابقة.
وتحاول أحزاب سياسية جزائرية تعويض غيابها عن الساحة المحلية وتخلفها عن أداء دورها في المجتمع، خاصة ما تعلق منه بالملفات الهامة، بالاصطفاف خلف الموقف الجزائري المحسوم تجاه الوضع في غزة والقضية الفلسطينية عموما، غير أن الفجوة تزداد بينها وبين الشارع الجزائري منذ الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.
تراجع النشاط الحزبي في الجزائر بشكل لافت بعد عام 2021، وفي حالات نادرة اقتصر على عقد مؤتمرات تنظيمية
وحتى المسيرات الشعبية التي نُظمت الخميس الماضي بدعوة من قوى سياسية ونقابات ومنظمات مدنية، لم تردم الهوة بين الطرفين، وبانت القطيعة بين الطرفين، حتى وإن سار الجميع في الشوارع والطرقات من أجل غرض واحد وشعارات محددة، الأمر الذي يرشح العلاقة بينهما إلى المزيد من الفتور، وهو ما سيظهر بشكل واضح في قادم الاستحقاقات.
وبلغة الأرقام فإن القوة السياسية الثالثة في البلاد، والمتمثلة في حركة مجتمع السلم الإخوانية، بلغ عدد الأصوات التي تحصلت عليها في الانتخابات التشريعية الأخيرة حوالي 200 ألف صوت من مجموع حوالي 24 مليون جزائري مدرج في لوائح الانتخابات، في حين لم يبق لأحزاب أخرى سوى الختم والعنوان الإداري.
وقال مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي إن “حرب غزة هي التي كسرت طوق الطبقة السياسية، ووفرت لها مجالا لتصدر الواجهة، لأنه لم يعد للسلطة أي مبرر لممارسة المزيد من الغلق السياسي للبلاد”.
ومنذ الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت مبكرا عام 2021، في إطار سعي السلطة لتجديد المؤسسات تماشيا مع رسائل الحراك الشعبي، سجلت الطبقة السياسية الجزائرية تراجعا غير مسبوق، بدعوى سياسة الغلق المطبقة من طرف السلطة، غير أن ذلك لا يبرر لها غيابها المثير عن مختلف المحطات، لاسيما تلك المتصلة بوضعية الحقوق والحريات السياسية والإعلامية، والخيارات الاقتصادية والاجتماعية، والتي كان آخرها النص التشريعي الجديد حول الحق في الإضراب.
ومنذ الموعد الانتخابي المذكور تراجع النشاط الحزبي في الجزائر بشكل لافت، حيث اقتصر في حالات نادرة على عقد مؤتمرات تنظيمية لمواكبة الشروط الإدارية، ومبادرتين سياسيتين تسيران ببطء شديد ولا يعول عليهما في تحريك المياه الراكدة، فقد بلورت أحزاب موالية للسلطة بقيادة حركة البناء الوطني ما عرف بـ”التلاحم الوطني وتأمين المستقبل”، فيما تسعى جبهة القوى الاشتراكية إلى حشد الأحزاب السياسية حول ما أسمته بـ”مبادرة الحوار الوطني”.
في مقابل ذلك وجدت أحزاب وجمعيات معارضة نفسها تحت طائلة الحل القانوني، كما هو الشأن بالنسبة إلى حزب العمال الاشتراكي وجمعية “راج “. وحتى حزبا الاتحاد من أجل التغيير والنمو، والاشتراكي الديمقراطي، مهددان بنفس المصير، بينما يرى القادة أن “الأمر يتعلق بتصفية حسابات سياسية وليس بقضايا تنظيمية”.
وترى المحامية والناشطة السياسية زبيدة عسول أن “رفع ذريعة المطابقة القانونية بشكل انتقائي على الأحزاب ينطوي على نوايا مغرضة، ففيما سمح لأحزاب سياسية بعقد مؤتمراتها حتى في فترة جائحة كورونا، يجري التضييق على البعض الآخر ويحرم حتى من رخصة قاعات عمومية لعقد أنشطة عادية”.
وجاءت التطورات المستجدة في قطاع غزة لتخرق جدار الصمت؛ ففضلا عن أنها فرصة مواتية لعودة الطبقة السياسية إلى الواجهة، فإن السلطة وجدت نفسها أمام حتمية إرخاء القبضة عن السياسيين، رغم أنها تحرص على تأطير خفي للمواقف الحزبية والشعبية، كي لا تتحول إلى عودة ممكنة لاحتجاجات الشارع الجزائري على الأوضاع الداخلية، وإصدار طبعة جديدة من الحراك الشعبي.
أحزاب سياسية جزائرية تحاول تعويض غيابها عن الساحة المحلية وتخلفها عن أداء دورها في المجتمع بالاصطفاف خلف الموقف الجزائري المحسوم تجاه القضية الفلسطينية
وشكلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فرصة أولى أمام 13 حزبا سياسيا جزائريا للالتقاء حول طاولة واحدة منذ سنوات، بهدف بلورة موقف تقليدي يبقى جزءا بسيطا من الإجماع الشعبي والرسمي في الجزائر بشأن القضية الفلسطينية، بينما أغفلت الأحزاب القضايا والملفات الداخلية التي تهم الشارع الجزائري، لاسيما تلك المتصلة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولأول مرة منذ بروز تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، التي تأسست عام 2013 وانتهت بعد أربع سنوات، حضرت أحزاب سياسية من مختلف التوجهات الأيديولوجية والسياسية (فيها الإخواني كحركة “حمس”، والقومي كطلائع الحريات، والموالي للسلطة كحزب الكرامة…) من أجل بلورة مقاربة في التعاطي مع قضية غزة، حيث أظهرت تناغما مع الموقف الرسمي، وذهبت أبعد من ذلك لما دعت إلى “تشكيل تحالف دولي لمحور المقاومة من كل الدول الداعمة لفلسطين للدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ورفع الحصار عن غزة، وتفعيل القوافل الإغاثية المباشرة إلى جانب مواصلة تسيير الجسر الجوي لإيصال المساعدات العاجلة إلى القطاع”.
وشددت على “مواصلة تسيير الجسر الجوي لإيصال المساعدات العاجلة لإخواننا في قطاع غزة، وفتح معبر رفح بشكل دائم لاستقبال الجرحى والمصابين، مع ضرورة تزويد قطاع غزة بمستشفيات ميدانية عاجلة، ومناشدة فعاليات المجتمع المدني الجزائرية تفعيل القوافل الإغاثية المباشرة، مع الحرص على وضع أولويات الاحتياجات العاجلة لقطاع غزة، وتنظيم عمل الهيئة بتشكيل لجنة لمتابعة قراراتها، وتحضير لقاءاتها القادمة والعمل على برمجة تجمعات ووقفات جهوية مشتركة لدعم ونصرة القضية الفلسطينية، فضلا عن كتابة رسائل احتجاجية إلى الدول التي انحازت إلى المحتل في معركة طوفان الأقصى”.