أحزاب النظام القديم في تونس تبحث عن مواقع جديدة

تونس - يحاول الدستوريون والتجمعيون أو كما يسميهم البعض “النظام القديم” التموقع من جديد في المشهد السياسي التونسي، بعد مرور سبع سنوات على ثورة 2011. ويسعى هؤلاء لإيجاد قوة تعديلية جديدة في الساحة السياسية في البلاد.
وعاد الدستوريون (سليلو فكر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة) والتجمعيون (محسوبون على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)، لتصدر المشهد السياسي في تونس عبر انغماسهم في العديد من الأحزاب مثل حزب نداء تونس الحاكم أو حزب المبادرة أو الحزب الدستوري الحر الذي تقوده عبير موسي.
لكن العائلة الدستورية بقيت مشتتة وتعيش على وقع العديد من الاختلافات والخلافات المتمحورة في جلها حول العلاقة مع حزب حركة النهضة الإسلامي.
وفي مواصلة لدعوات توحيد العائلة الدستورية، أطلق 240 دستوريا وتجمعيا مبادرة سياسية جديدة وقعت عليها العديد من الكوادر والقيادات القاعدية والمحلية المتبنية للفكر الدستوري أو التجمعي وجاءت في شكل بيان أطلقت عليه تسمية “البيان الوطني الدستوري”.
وتضم المبادرة الجديدة التي تهدف إلى توحيد الدستوريين العديد من الكوادر والوزراء ونوابا سابقين في البرلمان وقيادات محلية في فترة حكم كل من بورقيبة وبن علي.
وطرح البيان العديد من النقاط السياسية جاء في مقدمتها التأكيد على أن البلاد تعيش منذ سبع سنوات تجاذبات سياسية واضطرابات اجتماعية غير مسبوقة وتعتمد بدائل اقتصادية واجتماعية لم تستجب لآمال المواطنين، مشيرا إلى أنه “أصبح إنقاذ الوطن واجبا على كل الوطنيين الأحرار وفي مقدمتهم القوى الدستورية من كل الأجيال ومن كل الفئات والجهات”.
وأعرب الموقعون على البيان عن تحفظهم مما أسموه “تعرّضهم إلى حملات تشويه واتهامات عقب ثورة 2011”.
ودعوا صراحة إلى ضرورة تصحيح المسار ولمّ شتات الدستوريين الذين باتوا مفرقين على 10 أحزاب منذ العام 2011، لكن العديد من المراقبين والمتابعين للمشهد السياسي التونسي اعتبروا أن “المبادرة جاءت غامضة وملتبسة” ولم تتضمّن توجّها واضحا أو دعوة صريحة لتشكيل تيار سياسي دستوري جديد في البلاد من عدمه.
|
وقال فوزي اللومي القيادي في حزب نداء تونس وأحد الموقعين على البيان الوطني الدستوري، لـ”العرب”، إن “الهدف من البيان هو تقديم مبادرة جديدة لتوحيد أبناء العائلة الدستورية ولمّ شتاتهم”، نافيا أن يكون للمبادرة الجديدة أي هدف لتكوين تيار سياسي جديد في البلاد.
وتابع “الدستوريون موجودون في الساحة السياسية عبر تواجدهم في حزب نداء تونس والمبادرة الجديدة هي دعوة لتوحيدهم حول المبادئ الدستورية”.
وأكد اللومي أن البيان الذي وقع عليه قرابة 240 دستوريا لا يستهدف الأحزاب الحاملة للفكر الدستوري بقدر ما يهدف إلى لمّ شتات الدستوريين في مختلف أنحاء البلاد وغير المنتظيمن صلب الأحزاب.
وأشار إلى أن المبادرة جاءت عفوية بهدف المحافظة على الثوابت الدستورية الرافضة للعديد من الظواهر التي اجتاحت البلاد، مثل الإرهاب.
وتميز الدستوريون منذ عودتهم للساحة السياسية التونسية بعدما سقط مشروع قانون تحصين الثورة في مايو 2014، بالتشتت وعدم التوحّد في حزب واحد، رغم انخراط أعداد كبيرة منهم صلب حزبي حركة نداء تونس وحركة مشروع تونس التي يتزعمها محسن مرزوق.
وتصاعدت وتيرة الانقسامات بين الدستوريين بسبب تعامل البعض من الأحزاب ومنها نداء تونس أو حزب المبادرة (يتزعمه كمال مرجان ومحمد الغرياني آخر أمين عام لحزب التجمّع الدستوري المنحل في العام 2011) مع حركة النهضة، فيما يرفض حزبا حركة مشروع تونس والحزب الدستوري الحر الذي تقوده عبير موسي (آخر مساعدة لأمين عام حزب التجمع) التحالف أو التعامل مع حركة النهضة.
ويرى مراقبون أن الهدف من إعلان هذه المبادرة هو إيجاد قوة تعديلية جديدة في المشهد السياسي التونسي، إذ أن الشخصيات الموقعة على البيان قيادات وسطى كان لها ثقل وتأثير في الجهات في عهد النظام السابق.
ويقول المتابعون للمشهد السياسي التونسي إن المبادرة الجديدة تم إطلاقها لكبح جماح عبير موسي التي تظهر حزبها على أساس أنه الطرف الوحيد في الساحة السياسية الحافظ لميراث الدستوريين والمدافع عن مبادئ هذا الفكر والمتحدث الوحيد باسم أنصار هذا التوجه.
وقال عفيف الفريقي دستوري وإعلامي تونسي وموقع على البيان الوطني الدستوري، لـ”العرب”، إن “مبادرة البيان الدستوري الوطني التي أطلقتها قيادات وكوادر دستورية لم ترتق بعد إلى أن تكون مشروعا سياسيا جديدا في البلاد”. وأفاد بأن البيان لا يعدو أن يكون سوى “مبادرة عفوية” تجمع حولها كل أبناء العائلة الدستورية للتأكيد على ضرورة الدفاع عن المكتسبات التي حققتها تونس طيلة أكثر من ستة عقود “نتيجة للفكر الدستوري الذي وضع أسسه الأولى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة”. وأكد الفريقي على أن جميع الدستوريين والتجمعيين في كل الأحزاب مدعوون للانخراط في المبادرة والتوقيع على البيان، مشيرا إلى أن المبادرة لم تكن وليدة اجتماعات أو مشاورات ماراطونية بل “كانت وليدة التقاء مجموعة من الأفكار بين دستوريين حاولوا التعبير عن تصوراتهم ومواقفهم حول ما حصل وما يحصل في البلاد طيلة سبع سنوات”.
وفي المقابل، وقع اتهام المبادرة الدستورية الجديدة من قبل أوساط سياسية تونسية وخاصة من المعارضة، بأنها محاولة جديدة لإعادة رسكلة النظام القديم عبر تجميع قيادات وكوادر دستورية وتجمعية شغل أغلبها مناصب سامية في عهد بن علي أو أمناء عامين ومسؤولين محليين في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي وقع حله أشهرا قليلة بعد اندلاع ثورة 14 يناير 2011.