أحزاب الموالاة في الجزائر تستثمر سياسيا في قضية الناشطة بوراوي

الجزائر - قدمت القضية المتفاعلة للناشطة السياسية الجزائرية أميرة بوراوي هدية للأحزاب الموالية للسلطة من أجل عرض خدماتها مجددا، بعد فترة من الغموض والتّيه ترجمت حالة من التخبط لدى تلك القوى على خلفية المراجعات التي قامت بها السلطة في علاقة بإدارة التوازنات والتحالفات الاجتماعية والسياسية.
وكان حزب جبهة التحرير الوطني الحائز على أغلبية المقاعد في المجالس الوطنية والمحلية التي أفرزتها الانتخابات التي أجريت في عهد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في صدارة القوى التي عبرت عن مساندتها للقيادة السياسية وتنديدها بتصرفات المصالح الدبلوماسية والقنصلية الفرنسية.
وذكر بيان للحزب بأن “جبهة التحرير الوطني تدين بشدة انتهاك السيادة الوطنية من قبل جهات رسمية تابعة للدولة الفرنسية شاركت في عملية إجلاء غير قانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري”.
وأضاف الحزب أن “عملية الإجلاء تمت تحت حماية السلطات الفرنسية، مع أن الرعية المعنية قد صدر بحقها قرار من العدالة الجزائرية يمنعها من الخروج من التراب الوطني بسبب صدور أحكام قضائية تدينها بالسجن النافذ في قضية تتعلق بازدراء الدين الإسلامي، كما أن لديها قضايا أخرى تخص الحق العام، ما يعني أن مغادرتها إلى تونس وبعدها إلى فرنسا تعتبر مخالفة للقانون”.
ولفت إلى أن “الخطوة المستفزة، والتي نعتبرها انزلاقا خطيرا، تأتي بعد تصريحات سابقة لمسؤولين فرنسيين أساءت للجزائر وتاريخها، وإن حزب جبهة التحرير الوطني إذ يجدد رفضه القاطع لكل شكل من أشكال التدخل، مهما كانت طبيعتها أو مصدرها، والتي اعتاد مستعمر الأمس وبقاياه اليوم من لوبيات وكيانات لا تخفي عداءها للجزائر على القيام بمثل هذه التصرفات غير المسؤولة”.
ويستعد حزب الأغلبية في الجزائر لعقد مؤتمره الحادي عشر وسط تضارب حول الموعد نتيجة عدم حصوله على الترخيص من السلطة الإدارية، وهو ما قد يعتبر رسالة من السلطة حول عدم رضاها عن مسار التحضيرات والتفاصيل التي تجري على مستوى القواعد من أجل التجديد للأمين العام أبوالفضل بعجي.
ويعدّ الأمين العام لجبهة التحرير من الجيل الجديد داخل الحزب العتيد في البلاد، وقد تمت تزكيته في ظروف استثنائية نتيجة المعطيات التي فرضها الحراك الشعبي عام 2019، والتي أفضت إلى سجن أمينين عامّين سابقين للحزب هما جمال ولد عباس ومحمد جميعي على خلفية الضلوع في ملفات فساد مالي وسياسي، فضلا عن تداعيات الأزمة الصحية.
ويوجد انطباع سائد بأن بعجي لم يثبت موقعه بشكل متين ويحتاج إلى مؤتمر لذلك، إلا أن عدم الرضا غير المعلن في صفوف الحزب وفي دوائر السلطة على شخصه، يفتح المجال أمام التفكير في بدائل له، ولذلك يسعى لاستغلال حادثة الناشطة المعارضة لعرض خدماته والتقرب من الدوائر النافذة.
ومن جانب آخر سجل المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الأخيرة وزعيم حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة حضورا قويا في الانتصار لوجهة نظر السلطة في قضية الناشطة من خلال تصريحات وبيانات منددة بتصرف فرنسا.
وذكر بن قرينة أن “هذه تصرفات تخترق أعراف الجوار واحترام السيادة الوطنية، وهذه ممارسات قديمة ممّن لم يستوعب التحول في مشروع إعادة بناء الجزائر الجديدة كما قرره الشعب الجزائري بعد حراكه المبارك الأصيل والتاريخي المشهود، وإننا لن نسمح لأحد أيا كان أن يتعرض لسيادة وطننا أو يتدخل في شؤونها الداخلية”.
وفي نفس السياق ذهب حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي “أدان بأشد العبارات السلوك الفج لفرنسا”، ودعا إلى “الرد عليه بما يلزم لردع الغطرسة الاستعمارية والتطاول على الأعراف الدبلوماسية”.
وأشاد الحزب الذي كان يقوده رئيس الحكومة الأسبق المسجون أحمد أويحيى قبل أن يخلفه الطيب زيتوني، بـ”الموقف الرسمي الجزائري في التعاطي مع الحادثة المسيئة”، وعبر عن تأييده لأي “قرارات أخرى تصب في مصلحة الدفاع عن بلادنا وشعبها ومؤسساتها الدستورية”.
وشدد في بيان له على أن “هذه الخطوة المستفزة دليل على عدم جدية الطرف الفرنسي في بناء علاقات ندية، مثلما اقتضته الشراكة المتجددة وفق إعلان الجزائر”.
وكان الخبير السياسي حسان قاسيمي وهو موظف حكومي سابق قد صرح للإذاعة الحكومية بأن “شبكات متآمرة ومأجورة وعميلة لأطراف أجنبية نظمت عملية هروب أميرة بوراوي بطريقة غير قانونية، وأن هذا الفعل يرمي إلى إفشال الإجراءات القضائية الجارية على مستوى العدالة الجزائرية”.
وأضاف “هذا الفعل يمثل فضيحة مدوية تعصف بقواعد العلاقات الدولية وأعرافها، وإننا نشهد حضورا فعليا للفيف أجنبي يتصرف لصالح دولة أجنبية، وأن منح اللجوء بصفة غير مستحقة من طرف فرنسا لبوراوي ينم عن عداء دفين، وأنه حين نساند أشخاصا فارين من الجزائر بطريقة غير شرعية ليستقروا بعدها في الأراضي الفرنسية ثم يتم منحهم صفة لاجئ بصفة غير مستحقة فإن هذا يعتبر عداء”.
وشدد المحدث على أن “لوبيات المعمرين لا تزال تعتقد بعودة الجزائر فرنسية، ضمن تصرف يؤكد أن هذه اللوبيات لم تفهم بعد أن الجزائر الحالية ليست جزائر ثمانينات أو تسعينات القرن الماضي، حين اخترق بعض المعمّرين من اللفيف الأجنبي مؤسساتنا وعملوا جاهدين في سبيل إضعافها”.
وتهدد قضية إجلاء الناشطة الجزائرية – الفرنسية من تونس إلى باريس بتقويض كل ما تحقق خلال الأشهر الماضية في العلاقات الثنائية بين باريس والجزائر، ويقول مراقبون إن ما قبل الحادثة لن يكون كما بعده.