أحداث سوريا تشجع المعارضة المصرية على التصعيد لتحقيق مكاسب سياسية

القاهرة – اتخذت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم الجزء الأكبر من أحزاب المعارضة موقفا تصعيديا ضد الحكومة المصرية بمطالبتها عقد لقاء مع النائب العام لبحث الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي، بعد أن كانت مواقفها تقتصر على توجيه نداءات عامة للسلطة من أجل الاستجابة لمطالبها بإطلاق سراح المحبوسين.
وطرح هذا التوجه تساؤلات عديدة عن نواياها من التصعيد في وقت تتأزم فيه التطورات الإقليمية، وعما إذا كانت ستصعد بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وسط هيمنة الأوضاع الاقتصادية على تفكير شريحة كبيرة من المصريين، دون أن تحظى قضايا الحريات بأهمية واضحة في حساباتهم.
وعقد مجلس أمناء الحركة المدنية اجتماعا قبل أيام لمناقشة المستجدات الأخيرة محليا وخارجيا، وقرر تشكيل وفد من قيادات الحركة لمقابلة النائب العام وتقديم عريضة للمطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي والمحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا سياسية والإفراج عمن انتهت مدة حبسهم بموجب أحكام قضائية ولم يفرج عنهم.
وفسر مراقبون الاجتماع والحرص على لقاء النائب العام بأنهما استثمار للتطورات الأخيرة في سوريا التي أدت إلى الإفراج عن الآلاف من المحبوسين في السجون هناك، كأنها رسالة مبطنة إلى السلطة في مصر تحذرها من إمكانية أن تواجه مستقبلا صعبا
رغم أن مطالب الحركة سبقت الإعلان عن سقوط نظام الأسد، بثت الأجواء المحيطة بالمنطقة الشعور بالأمل في نفوس المعارضين الذين استشعروا إمكانية الاستفادة منها في السعي لتحقيق مكاسب سياسية
وجاء الاجتماع بعد مرور شهر على انعقاد اجتماع آخر للحركة خرج بتوصية تنظيم مظاهرة أمام السفارة الأميركية تضامنا مع الشعبين الفلسطيني واللبناني، لكنها لم تحصل على موافقة من الجهات الأمنية وألغيت المظاهرة.
وقدمت الحركة المدنية الدعم السياسي للأكاديمية ليلى سويف التي أضربت عن الطعام للمطالبة بالإفراج عن ابنها الناشط علاء عبدالفتاح، من خلال وفد قام بزيارتها في مقر إضرابها، وانخرط عدد من قيادات الحركة ممن ينتمون إلى بعض الأحزاب والمستقلين في نشر تدوينات وبث فيديوهات للإفراج عن علاء عبدالفتاح.
ورغم أن مطالب الحركة المدنية سبقت الإعلان عن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بثت الأجواء المحيطة بالمنطقة الشعور بالأمل في نفوس المعارضين الذين استشعروا إمكانية الاستفادة منها في السعي لتحقيق مكاسب سياسية، فشلت المعارضة في تحقيقها سابقا.
وقال المنسق العام للحركة المدنية طلعت خليل إن توقيت قرار الحركة لا يرتبط بأحداث خارجية، والقرار ليس بجديد، فهناك العديد من المطالب للإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي، وإن الحركة ستقدم إلى مكتب النائب العام عريضة موقعة بأسماء رؤساء بعض الأحزاب وشخصيات عامة لمقابلته.
وأضاف، في تصريح لـ”العرب”، “وفي حال لم تتلق الحركة ردا ستكون هناك إجراءات تصعيدية (لم يتم الإعلان عنها)، وأن الحركة لم تحدد أسماء بعينها للإفراج عنها، لكن ثمة كثيرين ننتظر إطلاق سراحهم بعد تلقي وعود سابقة للإفراج عنهم.”
وأشار إلى أن الحركة المدنية لها أهداف رئيسية تتمثل في إعادة ترتيب أوراقها وتعزيز أنشطتها السياسية في المحافظات المختلفة، ما دفع إلى أن يكون استكمال تشكيل أمانة الشباب ولجان المرأة والحريات والعمال ضمن القرارات التي صدرت في الاجتماع الأخير، وأن الحركة ستشارك في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وتجهز لعقد تحالفات مع قوى فاعلة بينها رؤى مشتركة للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
وتعاني الحركة المدنية من انقسامات مع تجميد حزبي “المصري الديمقراطي الاجتماعي” و”العدل” لعضويتهما إثر خلافات نشبت بسبب التوافق على مرشح رئاسي في الانتخابات الرئاسية الماضية.
وتضم الحركة في عضويتها عشرة أحزاب، وهي: الدستور، التحالف الشعبي الاشتراكي، العيش والحرية، الكرامة، الشيوعي المصري، المحافظين، العربي الديمقراطي الناصري، الوفاق القومي، الاشتراكي المصري، والإصلاح والتنمية.
ويقلل ضعف المعارضة من قدرتها على تحقيق أهدافها، لأنها لا تتمتع بشعبية تساند مطالبها، وهناك الكثير من المصريين الذين ينظرون إليها باعتبارها رأس حربة لجهات خارجية، وثمة توجس من تحركاتها بشكل مستمر، ما يجعل المعارضة في موقف دفاع مستمر عن نفسها.
انحسار الأضواء على الحركة المدنية المعارضة يجعلها تحاول أن تجد لنفسها مكانا على الساحة في ضوء التطورات الخارجية، وتبدو تحركاتها مزايدة غير مقبولة من جانب شريحة واسعة من المصريين
ولم تستطع المعارضة في مصر أن تكتسب أرضا سياسية تبني عليها عملها بما يقود إلى أن تصبح رقما في الشارع والبرلمان، وفي عدة مناسبات كانت بحاجة إلى إظهار قوتها وتوحدها، لكن الانقسامات تغطي على مجمل تحركاتها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة أن انحسار الأضواء على الحركة المدنية المعارضة يجعلها تحاول أن تجد لنفسها مكانا على الساحة في ضوء التطورات الخارجية، وتبدو تحركاتها مزايدة غير مقبولة من جانب شريحة واسعة من المصريين، وكان يمكن أن تمارس دورا سياسيا تثبت من خلاله حضورها على أرض الواقع.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “إنعاش ملف المحبوسين يأتي بالتزامن مع المراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الإنسان العالمي وتسعى لإحراج الدولة التي تستعد لعرض رؤيتها بشأن سجل أوضاع حقوق الإنسان بعد أيام، وتعتقد الحركة أنها تحظى بتأييد داخلي لأنها تناصر الحريات، لكن مساعيها تفسر بأنها استقواء على الدولة.”
وشدد على أن هناك قنوات يمكن من خلالها أن تتحرك المعارضة للتعبير عن مطالبها، من بينها وجود حوار وطني سُمح له بأن يقدم رؤيته للتعامل مع ملفات داخلية وخارجية، وأن الخروج بمطالب لا يعرف الشارع المصري عنها شيئا أمر ليس له تأثير داخلي.
ولوحت الحركة المدنية في أكثر من مناسبة بتجميد نشاطها السياسي احتجاجا على صدور أحكام تقضي بحبس عدد من المعارضين، وقد قُبض على مؤسسها يحيى حسين عبدالهادي، ولم تنفذ تهديدها، وتراجع حضورها السياسي بشكل ملحوظ مؤخرا.
وينظر متابعون إلى أحزاب المعارضة المدنية على أنها بديل آمن يجب أن تتاح له فرصة التواجد سياسيا بشكل أكبر، بما لا يترك مساحة فراغ يمكن أن يوظفها تنظيم الإخوان المصنف إرهابيا في مصر عقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وهو ما يجعل التعاطي الحكومي مع تحركاتها بحاجة إلى آليات يمكن من خلالها قطع الحبال التي تربط بين بعض المعارضين والإخوان، وتتيح إمكانية تعزيز النشاط السياسي.
وتأسست الحركة المدنية عام 2017، وقالت إن هدفها فتح المجال العام والمساهمة في بناء دولة مدنية حديثة ووضع بدائل تعزز فرص الحياة الكريمة للمواطن المصري.