أجور المرتزقة السوريين نُهبت وعائلاتهم بلا تعويضات

انحسار جبهات القتال يخرج فوضى الميليشيات إلى العلن.
السبت 2021/05/29
معركة أموال تدق إسفينا بين المقاتلين وقادتهم

مع انحسار القتال في العديد من الجبهات المشتعلة كليبيا وناغورني قرة باغ سادت حالة من الفوضى والعصيان في صفوف المرتزقة السوريين المرسلين إلى هناك، لاسيما في ظل أوضاعهم الصعبة، وعدم إيفاء تركيا بالمغريات التي ادعت تقديمها في البداية، فضلًا عن سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين منهم.

دمشق - بعد أن قامت الحكومة التركية بتجنيد مجموعات كبيرة من العناصر المسلحة المنتمية في أغلبها إلى عدة فصائل وتنظيمات متطرفة، تعرض المقاتلون السوريون للاستغلال من أطراف دفعت بهم للقتال كمرتزقة عبر سرقة أجورهم وحرمان عائلاتهم من تعويضات وعدوا بها في حال إصابتهم أو مقتلهم.

ومنذ نهاية العام 2019، أرسلت تركيا وروسيا الآلاف من المقاتلين السوريين للقتال كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها في ليبيا وناغورني قرة باغ. وذهب هؤلاء مقابل وعود برواتب بالدولار أو تعويضات لعائلاتهم، خصوصًا من الفصائل الموالية لأنقرة، والمتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في شمال سوريا.

واعتمدت تركيا بشكل رئيسي على مقاتلي الفصائل الموالية لها في شمال وشمال غرب سوريا، لدعم حكومة الوفاق الوطني السابقة في ليبيا، ودعم القوات الأذرية في ناغورني قرة باغ، فيما جنّدت روسيا عناصر سابقة من الجيش السوري وميليشيات تابعة له لدعم القوات الأرمنية في ناغورني قرة باغ.

وأجرت منظمتا “المركز السوري للعدالة والمساءلة” و”منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” دراسة حول مسار “الاستغلال الاقتصادي لتجنيد المرتزقة” في سوريا عبر شبكات من السماسرة والمجموعات المسلحة.

وقال المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة محّمد العبدالله في بيان إن “مشاركة مرتزقة سوريين في القتال في الخارج تؤدي إلى إثراء وتقوية بعض الجماعات المسلحة الأكثر إجرامًا في سوريا نفسها، لاسيما الجماعات المدعومة من تركيا في الشمال الغربي”.

وجاء في تقرير كل من المنظمتين أن “الشكل الرئيسي الذي اتخذه هذا الاستغلال هو السرقة المنهجية للأجور، حيث تعرض المقاتلون الفرديون للاحتيال بانتظام من كبار الشخصيات في الجيش الوطني السوري”، الذي تنضوي فيه الفصائل الموالية لأنقرة.

قادة فصائل موالية لأنقرة متورطون في سرقة رواتب المرتزقة وحرمان عائلاتهم من تعويضات في حال إصابتهم أو مقتلهم

ودعا المدير التنفيذي لـ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بسام الأحمد المجتمع الدولي إلى “محاسبة الدول والشركات والجماعات المسلحة الأكثر مسؤولية عن تجنيد المرتزقة”. وفي ليبيا، برزت سرقة الأجور بعد هدوء جبهات القتال.

ونقل التقرير عن مقاتل اتهامه فرقة السلطان مراد، الموالية لأنقرة، بالاستيلاء على أجره ورفاقه. وقال “قضينا ثلاثة أشهر دون أن نتقاضى أجرًا، وبعدما طلب كل منا سلفة قدرها 300 دولار، أعطونا مئة دولار واحتفظوا بالباقي”. وفي ناغورني قرة باغ، وثّق التقرير أيضًا سرقة الأجور رغم تدفق التمويل التركي.

ونقل عن سمسار أن تركيا عرضت رواتب شهرية قدرها ثلاثة آلاف دولار وتعويضًا بقيمة 75 ألفًا للعائلات في حال وفاة المقاتل، لكن “الجماعات المسلحة دائمًا ما تخرق العروض وتعطي المقاتلين رواتب تتراوح بين 800 و1400 دولار”. كما دفعت في أحيان كثيرة الرواتب بالليرة التركية لا الدولار.

وسواء في ليبيا أو ناغورني قرة باغ، وثّق التقرير الاحتيال على عائلات المجندين عبر حجب التعويض المالي عنهم إن كان جزئيًا أو كليًا بعد مقتل أبنائهم. ولم يُمنح جرحى المعارك كامل أو أجزاء من تعويضاتهم.

وكون تلك السرقات تُعد مصدرًا رئيسيًا للمال، “تنافست كل من الجماعات المسلحة على تسجيل أكبر عدد من المقاتلين”، وفق التقرير. ووصل الأمر إلى حدّ طرد فصائل سورية لمقاتلين من صفوفها ومن أماكن سكنهم لمجرد رفضهم السفر، فيما ساهم تخفيض الأجور أو التعويضات في زيادة مستوى الجريمة. وأوضح العبدالله أن “تخفيض أجر مقاتل يجد نفسه أساسًا فوق القانون، يدفعه أكثر نحو السرقة والنهب ومصادرة الملكيات”.

وعمدت الفصائل السورية الموالية للحكومة التركية منذ بداية عمليات التجنيد إلى إنشاء مكاتب للتطوع واستقطاب الشباب السوريين وتجنيدهم وإرسالهم للقتال، حيث افتتح عدد من المراكز ومكاتب التجنيد في عفرين شمال حلب، من ضمنها مكتب تحت إشراف فرقة الحمزات، ومكتب تديره الجبهة الشامية، وافتتح لواء المعتصم مكتبًا في قرية قيباريه، إضافة إلى مكتب تحت إشراف لواء الشامل في حي المحمودية.

Thumbnail

وقبل مغادرة المرتزقة شمال سوريا، وقّع المسلحون على عقود تنص على حصولهم على رواتب شهرية تقدر بـ2000 دولار شهريًا، مع تعويضات تقدر بـ50 ألف دولار لمن يتعرضون لإصابات خطرة، وكذلك 100ألف دولار تدفع لأسرة من يُقتل منهم في الجبهات، علاوة على تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة، ووعود بمنح الجنسية التركية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان تم خداع من يجند ضمن المرتزقة عن طريق إيهامهم بأنهم سيستخدمون في عمليات قتالية تنفذ ضد الجنود الروس في ليبيا انتقامًا مما مارسوه في سوريا من عمليات قتل وغيرها، وأن المرتزقة سيقاتلون بجانب الجيش التركي، لكن في الحقيقة الجيش التركي لا يشارك في المعارك، باستثناء بعض الخبراء والضباط الذين يتحصنون بغرف عمليات بعيدة عن جبهات القتال.

وتنفي تركيا أن تكون قد أرسلت مرتزقة إلى جبهات قتال، لكن نفيها يتناقض مع الوثائق واعترافات المرتزقة أنفسهم.

وأشارت صحيفة إندبندنت البريطانية في تقرير لها إلى أن “المئات من المرتزقة السوريين يشاركون إلى جانب القوات الأذرية في القتال المحتدم في قرة باغ “، مقابل المال “حتى ولو كان ذلك على حساب أرواحهم في معركة بعيدة عن وطنهم”.

وأضافت الصحيفة أن المرتزقة تم تجنيدهم بواسطة شركة أمن تركية خاصة، مؤكدة حصولها على رسائل صوتية عبر تطبيق “واتساب” لسوريين في أذربيجان يقومون بزيارة أحد رفقائهم المصابين في القتال، وأجرت اتصالات مع أفراد أسرته.

وأشارت إلى أن نفي تركيا وجود مرتزقة سوريين في معارك قرة باغ يتناقض مع ما حصلت عليه من وثائق واعترافات مسجلة بالصوت والصورة.

وأكدت فرنسا أن لديها معلومات استخباراتية دقيقة بشأن إرسال تركيا لمرتزقة سوريين عبر مدينة غازي عنتاب للقتال إلى جانب أذربيجان في إقليم ناغورني قرة باغ المتنازع عليه مع أرمينيا.

وصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “لدينا معلومات تشير بشكل مؤكد إلى أنّ مقاتلين سوريين من مجموعات جهادية انتقلت عبر غازي عنتاب للوصول إلى مسرح العمليات في ناغورني قرة باغ. هذا واقع جديد خطير للغاية يغيّر الوضع”.

2