أجواء "مسمومة" تسود مؤتمر وزراء الإعلام في إسطنبول

"إعلان إسطنبول" كفاح إسلامي ضد الاستعمار الإعلامي.
الاثنين 2022/10/24
إعلام تحت الخدمة

شكل مؤتمر وزراء الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول مناسبة لتركيا لتحميله أهدافها الإعلامية وتحريك المشاعر الدينية نحو إظهار نفسها أنها الناطق الرسمي باسم العالم الإسلامي وقائدته.

إسطنبول - تحاول تركيا تشكيل قطب إعلامي أساسه الوصاية الإخبارية على العالم الإسلامي تحت عنوان “مناهضة التضليل الإعلامي وظاهرة الإسلاموفوبيا في عصر ما بعد الحقيقة”، الشعار الذي أطلقه مؤتمر وزراء الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي في ختام أعماله السبت بإسطنبول.

ودعا رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخرالدين ألطون الدول الإسلامية إلى خوض كفاح مؤثر ومتعدد الأبعاد ضد ما أسماه “نظام الاستعمار” المتشكل في الساحة الدولية على صعيد الإعلام والمعلومات، وذلك خلال مؤتمر صحافي أقيم عقب الدورة الثانية عشرة لمؤتمر وزراء الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي الذي احتضنته مدينة إسطنبول الجمعة والسبت.

واستعان ألطون بالمزاعم الاستعمارية نظرا للحساسية التاريخية العربية لها، وتأثيرها على الجمهور العربي، بالإضافة إلى الإسلاموفوبيا، والمعلومات المضللة التي لا تنكرها التقارير الغربية، إلا أن من شأن اللعب على هذا الوتر تحريك المشاعر الدينية وتجييش الرأي العام الذي تستفيد منه تركيا في محاولة لإظهار نفسها الناطق الرسمي باسم العالم الإسلامي.

فخرالدين ألطون: مما لا شك فيه أن المعلومات المضللة وكراهية الإسلام من بين الإستراتيجيات التي استخدمها النظام الاستعماري في سياق الإعلام على الساحة الدولية
فخرالدين ألطون: مما لا شك فيه أن المعلومات المضللة وكراهية الإسلام من بين الإستراتيجيات التي استخدمها النظام الاستعماري في سياق الإعلام على الساحة الدولية

وقال ألطون “مما لا شك فيه أن المعلومات المضللة وكراهية الإسلام من بين الإستراتيجيات التي استخدمها النظام الاستعماري في سياق الإعلام على الساحة الدولية، لذلك علينا أن نخوض كفاحا فعالا ومتعدد الأبعاد في أجواء من التضامن ضد هذا النظام الاستعماري”.

وتابع “لهذا السبب اعتمدنا إعلانا مهما للغاية في مؤتمرنا اليوم، هذا الإعلان الذي أطلقنا عليه اسم إعلان إسطنبول له مضمون هادف ومهم في هذه الفترة التي نكافح فيها تحديات مختلفة تتعلق بمحاربة التضليل الإعلامي ومعاداة الإسلام”.

وتتواءم تصريحات ألطون مع ما حدده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كأهداف إعلامية لتركيا عبر وكالة الأناضول، إذ ركز في رسالة التهنئة التي نشرها بمناسبة ذكرى تأسيس الوكالة عام 2018 على موضوعي “الكفاح” و”الاستمرارية”.

وتقدم تركيا نفسها متحدثة باسم “المسلمين المضطهدين”، وحامية حمى العالم الإسلامي.

ويقول محللون إن ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت مقلقة مع تزايد الهجمات ضد المسلمين في الغرب، في حين أن التقارير الإخبارية الدولية تسلط الضوء على الإرهاب الاسلامي، إلا أن أنقرة تستغل تنامي هذه الظاهرة للاستفادة منها سياسيا وإعلاميا، ويتجلى ذلك في المؤتمرات والمنتديات الصحافية والسياسية التي أجراها الرئيس أردوغان أو مسؤولوه، ولا تخلو في معظمها من الإشارة إلى الإسلاموفوبيا كخطر يهدد المسلمين في العالم.

أما الذراع الإعلامية لتركيا، وكالة الأناضول، فهي تدعم في خطابها تيارات الإسلام السياسي، وتمارس تغطية إعلامية في نسخها باللغات الأجنبية هدفها افتعال المعارك مع الدول الغربية عبر محاربة الإسلاموفوبيا، وشعارات الدفاع عن العالم الإسلامي.

وتشمل مساحة تغطية وكالة الأناضول بقعة جغرافية واسعة تمتد من آسيا إلى أوروبا، ومن الأميركتين حتى أفريقيا، ومن الشرق الأوسط إلى البلقان. ويمكن النظر إلى تطور الأناضول على أنه نتيجة ملموسة للتقدم نحو أهداف تركيا لعام 2023، حيث أن عملها الصحافي بـ13 لغة يتوافق مع أهداف تركيا.

وتنشر الوكالة مقالات حول الشؤون الدولية الجارية، وتركز بشكل كبير على “حماية حقوق ومصالح العالم الإسلامي والدفاع عنه”، وهي البوابة الواسعة لمرور الأجندة التركية وتسليم أنقرة قيادة العالم الإسلامي.

وتتناسب هذه الأجندة مع مخرجات الإعلان الذي نشرته منظمة التعاون الإسلامي على موقعها الإلكتروني في ختام فعاليات المؤتمر حين قال ألطون “اتفقنا على تنظيم الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي لحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تنبذ الإرهاب والعنف والتطرف وتدعو إلى الحوار والتعايش”.

أنقرة تستغل تنامي الإسلاموفوبيا للاستفادة منها سياسيا وإعلاميا
أنقرة تستغل تنامي الإسلاموفوبيا للاستفادة منها سياسيا وإعلاميا

وتابع “نعتقد أن هذه المبادرة ستكون أداة لمحاربة التصور السلبي وغير العادل عن الإسلام والمسلمين في الإعلام الجديد”. كما تم الاتفاق على إنشاء منبر إعلامي دولي، تضع الأمانة العامة للمنظمة خارطة طريق من أجل تمويله، وهدفه التعريف بأنشطة المؤسسات التابعة للمنظمة والدول الأعضاء.

وتناول المؤتمر أيضا توجها ظهر مؤخرا في سياسة أنقرة، وهو التوجه نحو أفريقيا، فبدا ملائما تسليط الضوء على التفرقة العنصرية التي يتعرض لها الأفارقة، حيث تحاول تركيا إيجاد موطئ قدم لها في الإعلام الأفريقي الموجه بوصفه مدخلا للوصول إلى الشعوب في أفريقيا، وبحسب ألطون يجب “إبراز التفرقة التي تستهدف الأفارقة”.

ونظمت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية في يونيو الماضي القمة التركية - الأفريقية للإعلام التي ناقشت في إحدى جلساتها صورة أفريقيا في وسائل الإعلام الغربية.

وذكر رئيس تحرير نشرة الأخبار الأفريقية بوكالة الأناضول حسن حسين كوشغر أن الدول الأفريقية ما قبل الاستقلال لم تظهر في وسائل الإعلام وكانت أفريقيا تُذكر باسم “القارة السوداء”. وبيّن أن الغرب تطرق إلى القارة بلغة سلبية منذ البداية.

وفي الآونة الأخيرة كان هناك انتشار ملحوظ للأخبار والتحليلات المتعلقة بنفوذ تركيا المتزايد في القارة الأفريقية. وذهبت بعض المقالات إلى أبعد من ذلك لتلمح إلى أن تركيا يمكن أن تلعب دور الوسيط في الصراعات الأفريقية.

وترحب أنقرة بهذه التغطية الإيجابية لبصمة تركيا الآخذة في الاتساع في أفريقيا في وقت تتعرض فيه الحكومة لانتقادات خارجية وداخلية قاسية. ويبدو أن تركيا العالقة بين المطرقة والسندان على عدة جبهات، في حاجة ماسة إلى قصص النجاح، لاسيما في مجال السياسة الخارجية.

تركيا تستعين في خطابها الإعلامي بالمزاعم الاستعمارية نظرا إلى الحساسية التاريخية العربية تجاهها

ويقول متابعون إن تركيا استفادت من مؤتمر وزراء الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي لتسويق سياساتها في العالم العربي، وبدا المؤتمر مجرد منصة للترويج للدعاية العثمانية، ووسائل الإعلام التركية التابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم التي أصبحت مجرّد إعادة لخُطب أردوغان السياسية للتأكيد على توجهاته العثمانية ومحاولاته إحياء إرث الدولة العثمانية عن طريق التمدد السياسي والجغرافي.

ويضيفون أن تركيا آخذةٌ في أن تصبح مصدرا للمحتوى المتطرف. وفي ظلّ دور تركيا التاريخي باعتبارها الدولة القيادية في محيطها، وتأثيرها الثقافي القوي على العالم العربي، والجاليات التركية الكبيرة في الخارج، قد يؤثر هذا المحتوى على المنطقة وصولا إلى أوروبا.

وكان أردوغان قدم نفسه أيضا في أكتوبر 2021 كحامي حمى العالم التركي ضد “الفاشية الرقمية والإمبريالية الإلكترونية وصناعة الكذب العالمية”.

وأكد أردوغان خلال مشاركته عبر رسالة مصورة في “المنتدى الإعلامي للمجلس التركي”، مجلس الدول الناطقة بالتركية المنعقد بإسطنبول والذي نظمته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، على ضرورة الاعتماد على الذات في مجال الإعلام والاتصال، مجددا تحذيره من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي غير الخاضعة لأي رقابة.

وقال أردوغان “مثلما لا نعتمد كلياً على الأجانب في مجالات الصناعات الدفاعية والشؤون العسكرية، لا يمكننا تكليف الآخرين بمسائل الاتصالات”. وأردف “كما في بقية القضايا الإستراتيجية يتعين علينا أن نتدبر أمرنا بأنفسنا في مجال الإعلام والاتصال”.

وأضاف “لا يمكننا الوثوق بضمير هؤلاء الذين يعطوننا الدروس باستمرار في حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية عبر منظور استشراقي، ولا بأخلاقهم المهنية”.

وبالإضافة إلى الدول، تسعى تركيا لرفع منسوب الشعور بالقومية التركية لدى الأقليات التركية في الدول الأوروبية إلى حد أنهم يشكلون مجتمعات “أقلية” متكاملة تنسج بذكاء علاقاتها مع محيطها الأوروبي باندماج متفوق، وتحافظ على خصوصيتها ضمن أحياء سكنية معروفة أنها الأغلبية فيها.

16