أجواء المنطقة تنعكس هدوءا على قمة الرياض

شكلت القمة الخليجية الثانية والأربعون حالة استثنائية على هدوئها، حيث شهدت توافقات على الخطوط العريضة بشأن المرحلة المقبلة ومن بينها تفعيل الخطط المشتركة ذات البعد الاقتصادي، والتي يراد منها التمهيد لتكتل خليجي صلب قادر على مواجهة التحديات في المنطقة.
الرياض - انعكست أجواء المنطقة الميالة إلى التهدئة على القمة الخليجية الثانية والأربعين، التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض مساء الثلاثاء، حيث ركز القادة المشاركون على أهمية تحقيق التكامل والوحدة الخليجية، مع إبداء تطلعات لتخفيف حدة التوترات مع إيران.
وتقول أوساط دبلوماسية عربية إن الجولة الخليجية التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي لعبت دورا أساسيا في مرور القمة بهدوء، حيث كانت تلك الجولة محطة مهمة لتوضيح المواقف الخليجية.
وتشير هذه الأوساط إلى أن الأمير محمد بن سلمان حرص خلال الجولة التي شملت خمس دول خليجية، وهي الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين، على تحديد موقف السعودية من أمهات القضايا في المنطقة وضرورة تعزيز التنسيق بين القوى الخليجية مع الأخذ في الاعتبار مصالح كل دولة.
وتشهد منطقة الخليج تحولات كبرى على مستوى العلاقات الخارجية، استهلّتها الإمارات العربية المتحدة من خلال تبني سياسة “تصفير المشاكل” عبر الانفتاح على تركيا وإيران، واتخاذ خطوات باتجاه تذويب الخلافات مع الدول العربية وإعادة ترميم الصف العربي، وهو ما ترجم في زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى العاصمة السورية دمشق ولقائه بالرئيس بشار الأسد.
الخطوات الجريئة التي أقدمت عليها الإمارات العربية المتحدة، شكلت نقطة تحول مهمة في سياسات المنطقة
وتقول الأوساط الدبلوماسية إن الخطوات الجريئة التي أقدمت عليها الإمارات، سواء في علاقة بتطبيع العلاقات مع أنقرة أو في الانفتاح وتبريد الخلاف مع طهران، شكلت نقطة تحول مهمة على مستوى السياسات الخليجية حيث من المرجح على نحو كبير أن تنحو باقي الدول ولاسيما السعودية باتجاهها.
وتشير الأوساط ذاتها إلى أن هناك قناعة خليجية متزايدة بضرورة إعادة النظر في بعض التوجهات بما يخدم تحقيق الاستقرار في المنطقة، في ظل انحسار الثقة في دعم الحليف الأميركي، لافتة إلى أن دول الخليج تبدو مستعدة أكثر من أي وقت مضى للسير في خيار الرهان على الذات من خلال تعزيز العمل المشترك والتحرك صوب بناء تكتل خليجي صلب أساسه اقتصاد متكامل وسياسة دفاعية موحدة، دون أن يتعارض ذلك مع مصالح كل دولة.
وأكد البيان الختامي للقمة الخليجية على “حرص المجلس الأعلى (القادة) على قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف ووقوف دوله صفا واحدا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس”.
وأعاد البيان إحياء المبادرة التي طرحها العاهل السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، في ديسمبر من العام 2011 والتي تقوم على الانتقال بدول الخليج من مرحلة التعاون إلى الاتحاد.
وقال إعلان قمة الرياض إن المجلس الأعلى وجه “بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد”، حيث تم تكليف “المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة” المقرر عقدها في سلطنة عمان.
ويرى مراقبون أن تجسيد مبادرة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يستوجب بداية التركيز على تحقيق التكامل الاقتصادي، وهو ما يعيه قادة دول المجلس الذين أطلقوا في قمة الرياض شارة البدء في إنشاء الهيئة الخليجية للسكك الحديدية، في خطوة من شأنها أن تعزز التبادل التجاري وتسهّل تدفق البضائع بين دول المجلس.
ودعا البيان الختامي إلى استكمال “مقومات الوحدة الاقتصادية” وإنهاء “ما تبقى من خطوات لقيام الاتحاد الجمركي، والتنفيذ الكامل لمسارات السوق الخليجية المشتركة، وصولا إلى الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس بحلول عام 2025”.
ويقول المراقبون إن إنشاء السوق الخليجية المشتركة إنْ تحقق سيكون نقطة تحول كبرى على صعيد بناء التكتل الخليجي. وتستند السوق الخليجية المشتركة على مبادىء النظام الأساسي لمجلس التعاون وعلى الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس التي تنص في مادتها الثالثة على أن “يُعامَل مواطنو دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون في أي دولة من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها دون تفريق أو تمييز في كافة المجالات الاقتصادية”.
ويشير هؤلاء إلى أن العديد من العوامل لعبت دورا أساسيا في إنضاج فكرة تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول الخليج، من بينها جائحة فايروس كورونا التي كانت ولا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، فضلا عن زيادة الشعور بالخطر من التغيرات المناخية وما يستوجبه ذلك من تحرك جماعي على أكثر من مستوى.
ويلفت المراقبون إلى أن دول الخليج باتت مقتنعة بأن تحقيق الوحدة الاقتصادية من شأنه أن يعزز قدرتها التنافسية على الصعيد الدولي، كما أنه يجعلها بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي، ولكن يبقى تحقيق هذا الهدف رهين التخلص من المنغصات الأمنية التي تشهدها المنطقة.
وأكد البيان الختامي للقمة على أهمية تضافر الجهود لتنسيق وتكامل السياسات الخارجية للدول الأعضاء، وصولا إلى بلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة، تخدم تطلعات وطموحات شعوب دول الخليج وتحفظ مصالحها ومكتسباتها، وتجنب الدول الأعضاء الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها الداخلية.
الجولة الخليجية التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي لعبت دورا أساسيا في توضيح المواقف الخليجية
وشدد البيان على مواقف مجلس التعاون الرافضة للتدخلات الأجنبية في الدول العربية من أي جهة كانت، ورفضه لأي تهديد تتعرض له أي دولة عضو، مذكرا بأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وفقا لمبدأ الدفاع المشترك ومفهوم الأمن الجماعي، والنظام الأساسي لمجلس التعاون واتفاقية الدفاع المشترك.
وخص بيان قمة الرياض بالذكر إيران حيث أكد على “تطلع دول الخليج لأن يكون للإدارة الإيرانية الجديدة دور إيجابي في العمل على ما من شأنه تخفيف حدة التوتر وبناء الثقة بين مجلس التعاون وطهران، وفقاً لأسس سبق أن أقرها المجلس وتم إبلاغ الجانب الإيراني بها”.
وشدد على “استعداد المجلس للتعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي الإيراني بما يسهم في تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة في إطار احترام السيادة وسياسات حسن الجوار”.
واعتبر هجمات المتمردين الحوثيين المدعومة من إيران تجاه السعودية “تهديدا خطيرا للأمن الإقليمي والدولي”، مشيدا باعتراض قوات المملكة أكثر من 423 صاروخاً باليستيّا و834 طائرة مسيّرة مفخخة و98 زورقاً مفخخاً، دون تحديد الفترة الزمنية.
وتأتي القمة الخليجية الثانية والأربعون بعد قمة العلا التي جرت في يناير الماضي وطوت صفحة خلاف خليجي هو الأسوأ منذ عقود بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية.
وشارك في قمة الثلاثاء كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى ونائب رئيس الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر، ونائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء العماني فهد بن محمود آل سعيد. وترأس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان القمة نيابة عن الملك سلمان بن عبدالعزيز.