أجهزة استخبارات سياسية وليس مهنية في عهد ترامب

ترامب يرفع من مستوى الموالين الشرسين الذين تكمن مؤهلاتهم الرئيسية في الاصطفاف الأيديولوجي، وليس الخبرة.
الاثنين 2024/11/25
الولاء قبل كل شيء

لندن- تثير اختيارات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للشخصيات المكلفة بإدارة أجهزة الاستخبارات مخاوف عميقة من تحولها إلى أجهزة سياسية تفتقر إلى المهنية.

وتخشى أوساط سياسية أميركية أن تلغي تلك الاختيارات مهمّة أجهزة المخابرات الرئيسية المتمثلة في إيصال الواقع كما هو إلى السلطة لتتخذ بناء على ذلك القرار المناسب وليس كي تتطابق آراؤها مع سياسات الإدارة الأميركية وهو ما تم خلال ولاية ترامب السابقة بحسب دراسة أميركية.

وترى الأوساط أنه بينما تمارس كل إدارة رئاسية درجة معينة من التأثير السياسي على وكالات الاستخبارات، إلا أنه يبقى من المعتاد أن يكون لدى الذين تقرر اختيارهم لمناصب عليا في مجتمع الاستخبارات خبرة في الميدان وغير حزبيين.

وبالإضافة إلى أنهم مقربون من ترامب يفتقر المرشحون إلى خبرة وخلفيات للعمل في أجهزة المخابرات باستثناء عضو الكونغرس السابق جون راتكليف، الذي شغل منصب مدير المخابرات الوطنية في نهاية ولاية ترامب الأولى والذي رشحه الرئيس المنتخب الآن لقيادة وكالة المخابرات المركزية بالإضافة إلى السناتور ماركو روبيو، المرشح لقيادة وزارة الخارجية (التي تضم مكتب الاستخبارات والبحوث).

إضافة إلى أنهم مقربون من ترامب، يفتقر جل المرشحين لهذه المناصب الحساسة إلى خبرة وخلفيات للعمل في أجهزة المخابرات

أما من بين غير المتمتعين بالخبرة فتبرز عضو الكونغرس السابقة تولسي غابارد، المرشحة لتكون مديرة المخابرات الوطنية، وحاكمة ولاية ساوث داكوتا، كريستي نويم، المرشحة لقيادة وزارة الأمن الداخلي، ومقدم البرامج على فوكس نيوز بيت هيغسيث، المرشح لقيادة وزارة الدفاع (التي تشرف على العديد من وكالات الاستخبارات العسكرية)، وعضو الكونغرس مات غايتس المرشح لقيادة وزارة العدل (التي تضم مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي لا يعرف بعد مصير مديره).

وبحسب موقع ستراتفور الأميركي فإن ترامب يرفع من مستوى الموالين الشرسين الذين تكمن مؤهلاتهم الرئيسية في الاصطفاف الأيديولوجي، وليس الخبرة، حتى وإن أساؤوا في بعض الحالات مباشرة إلى عمل وكالات الاستخبارات نفسها.

وأضاف التقرير “إن مجرد احتمال تعرض المخابرات الأميركية لخطر التسييس يفتح الباب أمام تبعات ضارة على الأمن القومي الأميركي وأمن حلفاء الولايات المتحدة وشركائها.”

ويعد عدم التسييس أمرا مهما لأسباب عديدة منها أن الأحكام التحليلية التي تصدر عن وكالات الاستخبارات تهدف إلى تقييم العالم كما هو، وليس كما يريده القادة السياسيون.

ويمارس كبار المسؤولين في أسوأ الحالات ضغوطا على وكالات الاستخبارات، بنمط يكون ضمنيا أو صريحا، بهدف مطابقة النتائج التي توصلت إليها لتناسب الخيارات السياسية الحزبية. وقد يدفع محللو الاستخبارات إلى تحويل تقييماتهم نحو ما يعتقدون أن صناع القرار يريدون سماعه.

وحتى إن لم يغير المحللون النتائج التي توصلوا إليها عمدا، فإنهم قد يمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم ويعمدون إلى تخفيف تقييماتهم أو يتجاهلون تغطية بعض المواضيع لتجنب الانتقام أو اللامبالاة بدلا من تقديم معلومات استخباراتية تتعارض مع آراء كبار المسؤولين.

ويمكن أن يختار المسؤولون في حالات أخرى المعلومات الاستخباراتية التي تتوافق مع نظرتهم إلى العالم، ويتجاهلون المعلومات الاستخباراتية المناقضة لها. كما قد يفضلون وكالات بأكملها على حساب أخرى. وبينما يوجد ما يبرر اعتماد صناع القرار على بعض وكالات مجتمع الاستخبارات البالغ عددها 18 دون غيرها، يبعث تجاهل التقييمات غير المريحة سياسيا من وكالة لصالح التقييمات المواتية سياسيا من وكالة أخرى للمراقبين رسالة واضحة.

خحخ

وتقدم ولاية ترامب الأولى للمحللين العديد من الأمثلة على تجاهله الشخصي، وتجاهل كبار المسؤولين الآخرين في إدارته السابقة، للحاجز الذي صُمم ليفصل بين الاستخبارات وصنع السياسات.

 ووجدت دراسة صدرت عن مؤسسة راند في فبراير 2024 حول تسييس مجتمع الاستخبارات أن كل إدارة تتحمل بعض المسؤولية لكن “تشويه الاستخبارات والحقيقة ارتفع إلى آفاق جديدة في عهد الرئيس ترامب”. ويرى مؤلفو التقرير (وتدعمهم العديد من المصادر) أن إدارة ترامب شوهت المعلومات الاستخباراتية حول عدد كبير من القضايا بمستوى غير مسبوق وبطرق أكثر علنية بتصوير المعارضين أعداء من “الدولة العميقة”، والتشكيك علنا في نتائج الاستخبارات، وإقالة المسؤولين غير المتعاونين، وتشويه المعلومات الاستخباراتية روتينيا لدعم تفضيلات السياسة.

وكتب محللو راند “لم تستغل أيّ إدارة أخرى المعلومات الاستخباراتية وأساءت استخدامها بنفس الدرجة أو بنفس الدوافع.” ويحذر تقرير ستراتفور من إمكانية أن يجلب التسييس مخاطر على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في الخارج إذا ما قرر تقليص التعاون.

ويلعب مجتمع الاستخبارات الأميركي (الذي يشكل أكبر جهاز تجسس في العالم الغربي) دورا خاصا في تزويد العديد من البلدان بمعلومات استخباراتية حول التهديدات المتبادلة. لكن مجتمع الاستخبارات الذي تلعب فيه السياسة الحزبية دورا أكبر تتضاءل فيه مشاركة المعلومات، أو تتغير على الأقل، في بعض الحالات. كما يمكن أن يقلص التسييس مقدار المعلومات الاستخباراتية التي يشاركها حلفاء الولايات المتحدة معها، إما خوفا من التلاعب بها أو الكشف عنها علنا لخدمة غايات حزبية.

1