أجندة برلمانية شعبوية مضادة للإصلاح تنتظر رئيس الوزراء الكويتي الجديد

مهمّة صعبة للشيخ أحمد عبدالله الصباح في إدارة العلاقة مع برلمان متحفز للصراع.
الثلاثاء 2024/04/16
ملفات معقدة في انتظار الحسم

سؤال جوهري رافق الإعلان عن تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء الكويتي حول ما يمتلكه من أدوات ووسائل تجعله ينجح في ما فشل فيه سلَفاه على رأس الحكومتين السابقتين، بينما الظروف والأسباب التي عجّلت برحيل حكومتيهما مازالت قائمة إلى حدّ بعيد.

الكويت- أُعلن الإثنين في الكويت عن صدور أمر أميري بتعيين الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح رئيسا لمجلس الوزراء.

وتخلف الحكومة الجديدة حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح التي لم  تعمّر سوى أقلّ من ثلاثة أشهر، وذلك في مظهر على كثرة الانقطاعات في العمل الحكومي بالكويت الأمر الذي أثّر على أداء الحكومات المتعاقبة وعرقل إلى حدّ بعيد مسار الإصلاح الذي يراد إطلاقه في البلاد منذ سنوات.

وكان قد سبق الإعلانَ عن اختيار الشيخ أحمد لرئاسة الحكومة رواجُ أنباء عن اعتذار كل من رئيس الوزراء السابق الشيخ محمد السالم، والأسبق الشيخ صباح الخالد عن عدم تولي المهمّة، وذلك في إشارة إلى صعوبتها بعد أن أفضت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الرابع من الشهر الجاري إلى تشكيل برلمان لا يختلف كثيرا عن سابقه الذي دخل في خلافات عميقة مع السلطة التشريعية بسبب غلبة المعارضة على تركيبته وبفعل الخارطة التشريعية التي وضعها نوابه وتضمنت الكثير من المطالب الاجتماعية المتناقضة مع عملية الإصلاح المراد تنفيذها والتي تقتضي تقليص الدعم المقدّم للمواطنين من قبل الدولة وفرض مجموعة من الضرائب على طريق التدرّج نحو التخلّص من نموذج دولة الرفاه المطبّق في البلاد، وفقا لتصريحات سابقة للشيخ محمد السالم.

وشهدت الكويت خلال السنوات الأخيرة عدّة حالات من رفض شخصيات تولي مناصب وزارية لتجنّب التصادم مع أعضاء مجلس الأمّة الذين يتمتّعون بسلطات واسعة تشمل الرقابة على عمل الحكومة، لكنّهم كثيرا ما يستخدمونها بشكل مبالغ فيه لا ينفصل أحيانا عن الصراعات وتصفية الحسابات الشخصية والحزبية والقَبَلية.

ومنذ  الساعات الأولى لتعيينه لم يَبْدُ رئيس الوزراء الكويتي الجديد بمنأى عن خوض الصراع ضدّ أعضاء البرلمان الذي لم يتأخر بعضهم في رفض اختياره لتولّي المنصب.

مهلهل المضف: استحضار شخصيات سبق أن فشلت لا يصحح المسار
مهلهل المضف: استحضار شخصيات سبق أن فشلت لا يصحح المسار

وقال مهلهل المضف عضو مجلس الأمّة عبر حسابه في منصّة إكس إنّ “استحضار شخصيات من الماضي فشلت في المناصب الوزارية لتترأس حكومة مع التوقع لنتائج مختلفة ليس من المنطق السياسي السليم، ولا يحقق تصحيح مسار المشهد السياسي”.

ويشير النائب بكلامه إلى الشيخ أحمد العبدالله الذي سبق له أن تولّى عدّة مناصب وزارية في حكومات سابقة.

ولم تسفر الانتخابات الأخيرة سوى عن تغيير محدود في تركيبة مجلس الأمّة تمثل في دخول أحد عشر نائبا جديدا من أصل خمسين عضوا منتخبا ما يشير إلى احتمال استمرار حالة الجمود السياسي بعد أول انتخابات تجري في عهد أمير الكويت الحالي الشيخ مشعل الأحمد الصباح.

ويعني ذلك أن رئيس الوزراء الجديد سيكون أيضا بمواجهة ذات التوجهات النيابية المضادة للإصلاح التي واجهها رئيسا الحكومتين السابقتين.

وأظهر أوّل اجتماع تنسيقي عقده عدد من أعضاء البرلمان الجديد إصرار غالبية النواب على المضي في العمل وفق الخارطة التشريعية ذات السمة الاجتماعية المغالية في المطلبية.

وقال النائب سعود العصفور إنّ على رأس القوانين المراد تمريرها خلال دور الانعقاد الأوّل تلك المتعلّقة بـ”غلاء المعيشة والمساعدات الاجتماعية ومفوضية الانتخابات والتمويل العقاري وفئة المعوقين والشركة الكويتية للصناعات النفطية وبسط سُلطة القضاء على مسائل الجنسية وتعديل قانون الانتخابات”.

وفي ذات التوجّه حدّد النائب محمد الرقيب “إقرار قوانين تحسين معيشة المواطنين واستكمال الإصلاحات التشريعية والسياسية”، شرطا لتعاون مجلس الأمّة مع الحكومة التي سيقوم الشيخ أحمد العبدالله بتشكيلها، فيما خاطب النائب أنور الفكر رئيس الوزراء الجديد بالقول “أنت وحدك، كما أكدنا سابقا، تتحمل المسؤولية السياسية بتشكيل حكومتك واختيار وزرائك، وأمامك ملفان لا يحتملان التسويف أو التأخير أو المماطلة هما تحسين معيشة الناس، وحماية الهوية الوطنية ببسط سلطة القضاء على شؤون الجنسية”.

وبارك النائب محمد الداهوم للشيخ أحمد العبدالله توليه المنصب الجديد لكنّه بادره برسالة مفادها”سنتعاون معك من أجل الوطن والشعب، وليكن أول قراراتك تنفيذ مطالبنا ومطالب الشعب بزيادة الرواتب وتحسين المعيشة وحل مشكلة التوظيف، وضبط غلاء الأسعار”.

وكان النائب بدر سيار أوضح في تهديده للحكومة القادمة قائلا “لم نتقدم لتمثيل الأمّة إلا من أجل التعاون وخدمة الوطن والمواطن، ولكن إذا كانت الحكومة تفكر في استخدام ملف تحسين المعيشة كمادة للمساومة من خلال زيادة أسعار البنزين، فأهلا وسهلا بالمواجهة”.

بدر سيار: أهلا بالمواجهة إذا تمت مساومتنا على تحسين المعيشة
بدر سيار: أهلا بالمواجهة إذا تمت مساومتنا على تحسين المعيشة

أما النائب شعيب المويزري فعبّر بشكل مسبق عن رفضه لأي إصلاحات تتضمّن زيادة في أسعار المواد الأساسية قائلا إن اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء رفعت توصية في مارس الماضي “بزيادة أسعار البنزين بنسبة خمسة وعشرين في المئة بدل تحسين المعيشة وتم رفع التوصية ووافق عليها مجلس الوزراء”.

وطالب المويزري بوقف “هذه القرارات التي تمس الشعب”، مضيفا قوله “نتمنى من الحكومة القادمة أن تكون صاحبة قرار في إقرار كل الإجراءات المتعلقة بتحسين الظروف المعيشية”.

كما أعلن عن إبلاغه “جميع النواب في الاجتماع التنسيقي بأن تحسين الظروف المعيشية هو من الأولويات التي لن أتخلى عنها شخصيا”، مطالبا زملاءه في مجلس الأمّة “بألا تكون هناك أي خارطة تشريعية إلا بعد إقرار كل ما يتعلق بتحسين الظروف المعيشية لكل الشعب”.

ويؤشّر تمسّك نواب مجلس الأمّة الكويتي بالخارطة التشريعية التي سبق طرحها في عهد رئيسي الحكومتين السابقتين، على مدى صعوبة المهمّة التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد الذي سيتعيّن عليه التوفيق بين استرضاء النواب تجنّبا لصراع مبكّر معهم، وبين الاستجابة لمقتضيات الإصلاح الذي تحتمه ظروف البلد الاقتصادية والمالية.

وقالت مصادر سياسية كويتية إنّ خبرة الشيخ أحمد عبدالله الصباح في العمل الحكومي كانت من ضمن مقاييس اختياره لتولي المهمة الصعبة التي رفضت أكثر من شخصية التصدّي لها، حيث سبق أن تم تعيينه رئيسا لديوان ولي العهد لمدة أربع سنوات في سبتمبر 2021 عندما كان الأمير الحالي الشيخ مشعل الأحمد الصباح وليا للعهد.

كما أوفده الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد والشيخ مشعل الأحمد ممثلا لهما في عدة مهام خارجية.

وقد دخل الشيخ أحمد المولود في عام 1952 الحكومة للمرة الأولى في يوليو 1999 وزيرا للمالية ووزيرا للمواصلات ثم شغل بعد ذلك عدة مناصب وزارية في حكومات متعاقبة منها النفط والصحة والإعلام والتخطيط.

وللرجل دراية بشؤون المال بحكم تخصصه الدراسي حيث درس تمويل البنوك والاستثمارات في جامعة إلينوي بالولايات المتحدة وتخرج عام 1976، ثم عمل في شركة المركز المالي الكويتي حتى عام 1978، وانتقل إلى بنك الكويت المركزي وعمل به أكثر من تسع سنوات حتى عام 1987، وكان آخر منصب شغله بالبنك هو مدير إدارة الرقابة المصرفية.

وأصبح بعد ذلك رئيسا لمجلس إدارة بنك برقان فى الفترة ما بين عامي 1987 و1997، ثم نائبا لرئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في البنك الأهلي الكويتي حتى يوليو 1999.

الحكومة الجديدة تخلف حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح التي لم  تعمّر سوى أقلّ من ثلاثة أشهر

ولم تسلم الكويت، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، خلال السنوات الأخيرة من التعرّض لبعض المشاكل المالية جرّاء ارتهانها بشكل كبير لعوائد النفط، في ظل تعثّر الإصلاحات الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل والحدّ من تضخّم القطاع الحكومي رغم خموله وقلّة إنتاجيته على حساب القطاع الخاص.

كما عاشت الكويت على مدى سنوات طويلة أزمات متتالية بسبب الخلافات المستمرة والصراعات بين الحكومات التي يعينها الأمير والبرلمانات المنتخبة انتخابا مباشرا، الأمر الذي أعاق جهود الإصلاح الاقتصادي وعطل الكثير من المشاريع التنموية التي تحتاجها البلاد.

وحلّ الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الذي يركز على دفع الإصلاحات الاقتصادية، في منتصف فبراير مجلس الأمة الذي تم انتخابه في يونيو الماضي بعد أقل من شهرين من توليه مقاليد السلطة في البلاد. واستند المرسوم الأميري بحل البرلمان إلى “ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي وتعمّد استخدام العبارات الماسّة غير المنضبطة”.

3