أجندة الإعلام العالمي موضع بحث بعد اعتراف رويترز بالتضليل

أثار سحب وكالة أنباء رويترز لخبر "مضلل" تضمن تصريحات للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، قضية ضعف الاعلام العربي وخصوصا وكالات الأنباء المحلية أمام انتشار وتأثير الإعلام العالمي الذي يقع في أخطاء أيضا لكنه يبقى صاحب النفوذ الأكبر على الجمهور العربي.
واشنطن - أعلنت وكالة "رويترز" للأنباء، أنها قامت بسحب خبر عاجل نشرته سابقًا حول تصريحات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بشأن تهجير الفلسطينيين، واصفة الخبر بأنه “مضلل”، وذلك بعد أن أثار الخبر جدلا واسعة على مواقع التواصل العربية وتساؤلات حول أجندات وكالات الأنباء العالمية في القضايا السياسية الحساسة.
وأوضحت الوكالة في ملحوظة موجهة لمشتركيها أن العاجل لم يتضمن التعليق التمهيدي للملك حول مقترح عربي متعلق بقطاع غزة.
وجاء في الخبر المستعجل جدا “المضلل”، “ملك الأردن عن استقبال الفلسطينيين: علينا أن نضع في الاعتبار كيفية تنفيذ هذا الأمر بما يخدم مصلحة الجميع..” وقالت رويترز إن المنشور في 11 فبراير مضلل وتم سحبه، ولن يتم نشر أي خبر مستعجل جدا كبديل عنه.
واستند الخبر على التصريح التالي من العاهل الأردني الملك عبدالله عندما سُئل عن اقتراح أميركي بأن تستقبل المملكة فلسطينيين من غزة: “يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن هناك خطة من مصر والدول العربية. لقد دعانا (ولي العهد السعودي الأمير) محمد بن سلمان لإجراء مناقشات في الرياض. الهدف هو كيفية جعل هذا الجهد ناجحا بطريقة تصب في مصلحة الجميع. من الواضح أن علينا أن ننظر في مصلحة الولايات المتحدة، وشعوب المنطقة، وخاصة شعبي الأردني.”
الوكالة أوضحت في ملحوظة موجهة لمشتركيها أن العاجل لم يتضمن التعليق التمهيدي للملك حول مقترح عربي متعلق بقطاع غزة
وجاءت تصريحات العاهل الأردني خلال لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي، وجدد الملك تأكيده على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، مشددًا على أهمية تكثيف الاستجابة الإنسانية ودعم جهود إعادة إعمار القطاع، بما يضمن تحسين الأوضاع المعيشية للسكان المتضررين.
وشهدت الساحة السياسية والإعلامية جدلًا واسعًا بعد تداول التصريحات المنسوبة للملك عبدالله الثاني ملك الأردن، قيل إنها تضمنت مواقف غير معتادة تجاه القضية الفلسطينية، خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتوالت موجة من البيانات والتصريحات من شخصيات سياسية عربية وأحزاب بارزة، تستنكر ما وصفته بمحاولات التحريف الإعلامي لتصريحاته بهدف زعزعة وحدة الصف العربي.
وشددت هذه المواقف على ثبات الموقفين المصري والأردني في رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، مؤكدين على ضرورة تعزيز التعاون العربي لمواجهة التحديات المشتركة.
وأعادت الحادثة الحديث عن دور وكالات الأنباء الأجنبية التي تحظى بثقة واسعة على حساب وكالات الأنباء المحلية التي لم تستطع أن تكون على مستوى الأحداث في العالم العربي.
ولطالما لعبت وكالات الأنباء العالمية دورًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام الدولي من خلال تغطيتها للأحداث في مختلف أنحاء العالم، خصوصا الشرق الأوسط من ذلك. ومع تعقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في هذه المنطقة، تبرز تساؤلات حول مدى موضوعية هذه الوكالات وانحيازها في تناول القضايا والأحداث.
الحادثة أعادت الحديث عن دور وكالات الأنباء الأجنبية التي تحظى بثقة واسعة على حساب وكالات الأنباء المحلية
وتميل بعض وكالات الأنباء إلى تسليط الضوء على قضايا معينة وإهمال أخرى، ما يؤدي إلى رسم صورة غير مكتملة عن الأحداث الجارية. فمثلًا، قد يتم التركيز على أحداث العنف والصراعات، بينما يتم تجاهل التغطية الكافية للإنجازات الاقتصادية والثقافية. ويتم وصف بعض الجماعات بعبارات مثل “متمردين” أو “إرهابيين” وفقًا لتوجهات الوسيلة الإعلامية، مما يعكس انحيازًا سياسيًا معينًا.
وتعتمد وكالات الأنباء العالمية بشكل رئيسي على مصادر حكومية أو رسمية في الدول الغربية، بينما يتم التقليل من شأن المصادر المحلية أو تقديمها بصفة غير موثوقة. هذا يؤدي إلى عرض الأحداث من منظور محدد لا يعكس بالضرورة واقع المجتمعات المحلية.
وعند تغطية الصراعات في الشرق الأوسط، تميل بعض الوكالات إلى تبني روايات طرف دون آخر. فمثلًا، قد تتم الإشارة إلى بعض الأطراف بوصفهم “مدافعين عن الحرية”، بينما يُوصف الطرف الآخر بأنه “متمردون” أو “ميليشيات”، حتى لو كانت الوقائع تشير إلى تعقيد المشهد بشكل أكبر.
ويمكن أن تؤدي التغطية غير المتوازنة إلى تعزيز الاستقطاب بين الشعوب وزيادة التوترات بين الأطراف المتنازعة.
في المقابل بقيت وكالات الأنباء العربية، منذ نشأتها صوت الدولة بامتياز؛ لتأدية دور جوهري مُحدد يتلخص في نقل الخطاب الرسمي إلى الجمهور في الداخل والخارج.
وتنشط في العالم العربي أكثر من عشرين وكالة أنباء محلية وإقليمية، يعمل بها آلاف الصحافيين والفنيين والإداريين، وتمتلك عشرات المكاتب ومئات المراسلين المنتشرين في أنحاء مختلفة من العالم، وتشترك في خدماتها المئات من وسائل الإعلام العربية والدولية، لكن ذلك لم يكن كافياً لكي تحظى باهتمام وتأثير مهني ومجتمعي كافٍ.
وكالات الأنباء العربية، بقيت منذ نشأتها صوت الدولة بامتياز؛ تؤدي دورا مُحددا في نقل الخطاب الرسمي إلى الجمهور
فقد استمرت الوكالات العربية بطابعها الرسمي وتمتعت بالجدية وحظيت بالثقة فيما يخص البيانات والقرارات العامة والخطاب الرسمي، باعتباره “رأي الدولة وموقفها وخطابها المؤسسي،” لكنها مع ذلك لم تكتسب النزعة التنافسية وغاب عنها التنوع والتعدد لانشغالها بدور الناقل الرسمي للأخبار، وضعف ميلها للتطوير.
وبموازاة ذلك، كانت وكالات الأنباء العالمية تتطور، وإمكانياتها تتسع، وأسواقها تزدهر. وبعدما أتقنت تسخير التطورات التكنولوجية والاتصالية لخدمة مسارات عملها، تحوّلت إلى منظمات إعلامية – اقتصادية ضخمة، فأسست شركات في قطاعات الإعلام وغيرها، وطورت مراكز أبحاث، وآليات لاستطلاع الرأي وإجراء المسوح، وأطلقت أذرعاً للبحث والتطوير والتدريب، ومؤشرات مُعتبرة لقياس الأداء الاقتصادي ومتابعة تعاملات أسواق المال.
لذلك تتمتع وكالات الأنباء العالمية بالقدرة على التأثير والثقة الكبيرة بها في أنحاء العالم حتى لو كانت تواجه بعض الانتقادات في تعاملها مع بعض الأحداث.
ويرى محللون أنه يجب تدريب الجمهور على التفكير النقدي وتحليل المصطلحات المستخدمة لفهم الدلالات السياسية وراء الأخبار. فالمعلومات المنحازة تساهم في توجيه السياسات الخارجية للدول الكبرى، ما قد يؤدي إلى قرارات غير عادلة أو غير متوازنة تجاه شعوب المنطقة.
ومن الضروري متابعة الأخبار من مصادر متعددة تشمل الوكالات العالمية، الإعلام المحلي، ومراكز الأبحاث المستقلة للحصول على صورة متكاملة.
كما أنه من الضروري دعم الإعلام المحلي المستقل والاستثمار في وسائل الإعلام المحلية الموثوقة التي يمكن أن تكون وسيلة فعالة لمواجهة الروايات المنحازة.
ويبقى الانحياز الإعلامي في وكالات الأنباء العالمية قضية حساسة تتطلب وعيًا متزايدًا من الجمهور وصناع القرار. وفي ظل التطورات التكنولوجية وانتشار الإعلام الرقمي، تتوفر اليوم فرص أكبر للوصول إلى وجهات نظر متعددة، مما يتيح إمكانية تكوين رؤية أكثر موضوعية ومتوازنة حول الأحداث في الشرق الأوسط.