أثر مارغريت أوبانك

حين أعلنت مارغريت أوبانك برفقة زوجها الروائي صاموئيل شمعون عن إغلاق مجلتهما باللغة الإنجليزية “بانيبال” بعد ربع قرن من الجهد الخلاق في ترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية لم تكن حزينة. كانت على يقين من أنها أكملت رسالتها الشخصية.
لقد قدمت إلى العالم العربي الذي أحبته ما لم يقدمه إليه أحد من أبنائه. لا يشعر من يلتقيها إلا بأن كرمها كان نوعا من الامتنان لثقافة أحبتها وتعلمت منها الكثير.
الكاتبة والناشرة سعت إلى أن تفتح الأبواب في بلادها أمام مبدعين أجانب، أدركت بذائقتها وحساسيتها الجمالية أنهم ينتمون إلى عالم الفن الرفيع. لقد خدمت في اتجاهين. خدمت المبدع العربي حين وضعت نتاجه الأدبي بين قراء غرباء عنه وخدمت القارئ الإنجليزي حين وهبته كنوزا جمالية غريبة عنه لغويا.
غير أن العالم الذي انكشفت عليه مارغريت لم يكن عالما لغويا خالصا. كان ذلك العالم عبارة عن حياة عاشتها بعمق وحب بحيث وهبتها ربع قرن وأكثر من حياتها وهي تتنقل بين الكلمات التي اكتسبت حساسيتها العربية من خلالها. لا يكفي لوصفها أن نقول إنها امرأة أحبت الثقافة العربية. لذلك لن يتوقف أثرها عند حدود العاطفة.
كلما التقيتها شعرت أنني أمام عقل كبير. تزن مارغريت ما تقوله بميزان عقلي. وهي تعرف أن ما تقوم به لا يمكن أن يُقاس بالعاطفة وحدها. صحيح أن صاموئيل شمعون باعتباره قارئا ذا ذائقة رفيعة قبل أن يكون روائيا كان له تأثير على توجهات أوبانك الأدبية عربيا غير أن الصحيح أيضا أن مارغريت تمكنت من أن ترى ما لم يكن شمعون قد رآه بحكم ثقافتها المختلفة.
يمثل الثنائي تكاملا بين ثقافتين. وهو ما سعيا إلى إظهاره في مشروعهما الذي حظي بكثير من الاهتمام توجه فوز مجلتهم بجائزة الشيخ زايد. وليس من باب المبالغة القول إن ما فعلته مارغريت أوبانك أهلها لكي تنتمي إلى صف الفاتحين الكبار الذين وهبوا الثقافة العربية فرصة الانتشار والتمدد خارج مجالها الحيوي.
وهو ما خلق فرصا لإنهاء سوء الفهم الذي قُدر للعالم العربي أن يقع ضحيته. وليس سرا أن بانيبال كانت وراء فوز عدد من الكتاب العرب بجوائز عالمية (إنجليزية على الأقل). وليس سرا أيضا أن أوبانك وشمعون لم يتبعا الوصفات الجاهزة في اختيار النصوص التي يعتقدان أنها تستحق أن تمثل الأدب العربي المعاصر وتعرف به أمام قارئ أجنبي. كانا مكتشفين وناشرين في الوقت نفسه. اختفت بانيبال غير أن أثر مارغريت أوبانك لن يُمحى.