أثرياء ليبيا يراهنون على كرسي الرئاسة

الجانب الأكبر من الصراع في ليبيا يعود إلى التنافس على الثروة وآليات توزيعها وتقاسم المصالح بين القوى الأساسية.
الاثنين 2021/12/13
أثرياء لمنصب الرئاسة

يخوض عدد من رجال الأعمال الليبيين صراعا مفتوحا على منصب أول رئيس ليبي منتخب منذ تأسيس الدولة قبل سبعين عاما، فيما يحتل المال السياسي دورا مهما في تحديد التوجهات العامة للمشهد العام بالبلاد الخاضعة لسيل من الأطماع الداخلية والخارجية، ولمواجهات معلنة وأخرى تدور من وراء الستار بين الساعين للسيطرة على مفاتيح الخزينة والطرق المؤدية إلى منابع الثروة.

ومن أهم رجال الأعمال المنافسين على منصب الرئيس نوري بوسهمين وعارف النايض وإسماعيل الشتوي وحسن طاطاناكي وعبدالحكيم بعيو وخليفة الغويل والشريف الوافي وآخرون.

ويعتبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية المهندس عبدالحميد الدبيبة أحد أبرز المرشحين لصدارة المشهد، وهو يتحدر من أسرة تدير إمبراطورية واسعة من الاستثمارات في خارج ليبيا، وكانت لها علاقة وطيدة برأس النظام السابق، وتحيط بها الكثير من الأسئلة.

ولد الدبيبة بمدينة مصراتة في عام 1959، واشتغل كمهندس في إدارة الإنشاءات الكبرى أواخر سنوات النظام السابق، وتولّى عددا من المناصب الرسمية في فترة حكم القذافي من بينها إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار الحكومية، وأشرف على عدد من مشاريع البناء فيها؛ من بينها بناء مشروع ألف مسكن في مدينة سرت، مسقط رأس معمر القذافي، وكانت له علاقات متميزة مع سيف الإسلام القذافي فيما كانت لابن عمه وصهره علي الدبيبة صلات وطيدة بالعقيد الراحل.

واستطاع الدبيبة خلال رئاسته للحكومة أن يحظى بقاعدة شعبية واسعة كنتيجة مباشرة للإجراءات التي اتخذها ضمن حملة دعائية مبكرة للرئاسيات، استهدف بها أغلب فئات المجتمع سواء برفع الرواتب أو تقديم المساعدات المالية.

عقد “براونستاين هيات” البالغ قيمته 50 ألف دولار شهريا يشير إلى أن مكتب المحاماة يساعد في الترويج لانتخابات حرة ونزيهة في ليبيا وسيدعم جهود مكافحة الفساد، ويخطط للتواصل مع مسؤولي الحكومة الأميركية.

وتشير تقارير غربية إلى أن ثروة أسرة الدبيبة تجاوزت خمسة مليارات دولار وهو ما يضعها على رأس العائلات الرأسمالية في البلاد، مع استثمارات واسعة في عدد من دول العالم، فيما يعتقد المتابعون للشأن الليبي أن الدبيبة كسب الكثير من الموالين بعد أن استطاع أن يبث في الشباب روح الأمل في الاستفادة من ثروة البلاد، وذلك بما ينهي معادلة شعب فقير في دولة ثرية.

ولا يمكن فصل عدد من مرشحي الصدارة كخليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي عن مدارات الثروة ولكن ضمن دائرة الغموض المحيطة بهم، بينما كشفت سجلات وزارة العدل الأميركية مؤخرا أن مكتب المحاماة “براونستاين هيات فاربر شريك” سجل في الولايات المتحدة للضغط نيابة عن وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بشأن جهود مكافحة الفساد في الترويج للانتخابات، وأعلن مكتب المحاماة في يوليو الماضي، أنه يعمل لصالح باشاغا بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب الفيدرالي “فارا”، الذي يتطلب الكشف عن بعض الأمور للعملاء الأجانب خارج نطاق التقاضي التقليدي القائم على المحاكم.

ويشير عقد “براونستاين هيات” البالغ قيمته 50 ألف دولار شهريا إلى أن مكتب المحاماة يساعد في الترويج لانتخابات حرة ونزيهة في ليبيا وسيدعم جهود مكافحة الفساد، ويخطط للتواصل مع مسؤولي الحكومة الأميركية.

وكشف العقد المبرم بين مكتب “براونستاين هيات” وباشاغا أنه سيكون ساري المفعول إلى غاية الثامن والعشرين من يناير 2022 ويُجدد تلقائيا لمدة 12 شهرا ما لم يتفق الطرفان على ترتيب جديد، مطالبا وزير الداخلية السابق بالتنازل عن أي اعتراض تضارب المصالح الذي يمكن اعتباره ناشئا عن تمثيل العملاء الآخرين في مسائل السياسة التشريعية أو الإدارية التي لا علاقة لها بالتمثيل نيابة عنه.

ومن أبرز الأثرياء المنافسين على الرئاسة النوري بوسهمين وهو أمازيغي من مواليد 1956 بمدينة زوارة، الواقعة أقصى شمال غرب البلاد ، تقول مصادر عدة إن ثروته تناهز المليار دولار، وهي موزعة على استثمارات أغلبها موجودة في تركيا ومالطا، وقد تم إخضاعه في أبريل 2016 إلى عقوبات دولية بوصفه رئيس المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، شملت إلى جانبه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل، باعتبارهم معرقلين لجهود الأمم المتحدة الرامية لحل الأزمة في ليبيا وتشكيل حكومة وفاق وطني، ومنتهكين لقرار مجلس الأمن رقم 2259، قبل أن يتم رفع العقوبات عنهم في سبتمبر العام الماضي.

Thumbnail

درس بوسهمين العلاقات الدولية في المملكة المتحدة، وحصل على إجازة في الحقوق عام 1978 من “جامعة بنغازي” في ليبيا، عمل في مجمع "أبوكماش" للبتروكيمياويات بين 1978 و2000، كما نجح في مجال التجارة الموازية، وفي 2018 وضعته مجلة "فوربس" الأميركية في المرتبة العاشرة بين أثرى الشخصيات الليبية.

 وبعد الإطاحة بمحمد المقريف الذي شمله قانون العزل السياسي، حظي بوسهمين بمهمة آخر رئيس للمؤتمر الوطني العام بين الرابع والعشرين من يونيو 2013 والسابع من فبراير 2014، مستفيدا من دعم حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وكتلة “الوفاء للشهداء” المرتبطة بالجماعة المقاتلة.

عرف عن بوسهمين أنه كان من أبرز المساندين لتسلط الميليشيات، حتى أنه أذن بتخصيص تمويلات لما سمي بمجلس ثوار ليبيا بقيادة أبوعبيدة الزاوي بمبلغ 900 مليون دينار، كما يعتبر من رموز التيار المحسوب على المفتي المعزول الصادق الغرياني ومن المعادين للجيش الوطني ومن المنددين بالإفراج عن رموز النظام السابق، وفي يوليو العام الماضي أعلن عن تأسيس تيار سياسي جديد يحمل اسم “يا بلادي”.

وتقدم بوسهمين بملف ترشحه للسباق الرئاسي قبل أن تطيح به المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من قائمتها الأولية بسبب وجود حكم نهائي بالسجن في صحيفة سوابقه الجنائية، لكن قوى الإسلام السياسي انتفضت ضد القرار وطعنت فيه، زاعمة أن الحكم صدر خلال النظام السابق بالسجن لمدة عام وذلك بتهمة التبرع لبناء جامع، وعاد إلى قائمة المترشحين للرئاسيات.

الدبيبة استطاع خلال رئاسته للحكومة أن يحظى بقاعدة شعبية واسعة كنتيجة مباشرة للإجراءات التي اتخذها ضمن حملة دعائية مبكرة للرئاسيات، استهدف بها أغلب فئات المجتمع.

ومن بين المنافسين على منصب الرئاسة، الشريف الوافي من مواليد 1961 في شرق البلاد، ومتحصل على بكالوريوس هندسة ميكانيكية سنة 1980، وكان قد عمل بشركة الخليج العربي للنفط، وأمانة الاقتصاد والصناعة سابقا، وشغل وظيفة مدير الشؤون الفنية والمشروعات في ذات القطاع إلى أن استقال من العمل الرسمي بالدولة واتجه إلى القطاع الخاص، حيث أسس العديد من الشركات في مجالات مختلفة، وتحول إلى واحد من أبرز رجال الأعمال. وفي العام 2012 انتخب الوافي عضوا بالمؤتمر الوطني العام وكان من مؤسسي “كتلة 94” كما خاض العديد من الصراعات وعُرف الوافي بالعداء للإسلام السياسي، كما ساهم في عملية إعادة فتح النفط بعد إغلاقه عامي 2013 و2014.

ومن بين الأثرياء المتقدمين للسباق الرئاسي حسن طاطاناكي وهو من مواليد عام 1957 في مدينة درنة، شمال شرق البلاد. ويتحدر من أسرة ذات صلة متميزة في الاقتصاد والتجارة واحترام العلم والتعليم.

 أسس طاطاناكي شركة الظبي لحفر آبار النفط، ويملك أيضا شركة جيني للمقاولات المتخصصة في البناء ورصف الطرق، ولكن شركته الكبيرة هي شركة تشالنجر التي يمتد عملها في مجال النفط داخل ليبيا وتعمل في جميع أنحاء شمال أفريقيا ومنطقة الخليج.

برز طاطاناكي من خلال عدد من المؤسسات الاجتماعية والإعلامية والخيرية والإنسانية، وبعلاقاته الواسعة مع المجتمعات المخملية في المنطقة والعالم، وفي العام 2018 أعلن تزعمه لحزب التجمع الوطني، وقد انطلق فعلا في تنفيذ جملة من المشاريع السياسية استعدادا للانتخابات. وعندما وصل إلى طرابلس في نوفمبر الماضي لتقديم ملف ترشحه للرئاسيات، تعرض للاعتقال من قبل أجهزة الأمن في مطار معيتيقة، وقيل إن ذلك كان تنفيذاً لأوامر النائب العام في طرابلس، دون كشف الاتهامات ضده، وبعد ساعات تم الإفراج عنه.

ويعتبر عارف علي النايض من أبرز رجال الأعمال المتقدمين للسباق الرئاسي، وهو من مواليد 1962 ببنغازي، وقد بدأ حياته العملية كمهندس في شركات البناء المملوكة لوالده، ثم كمهندس موقع، ومهندس مشروع، ومنسق السلامة، ثم مدير مشاريع. وفي عام 1997 أسس النايض بناءً على طلب والده شركة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات: “أنظمة أجاثون مع فرعها التابع (الأداء)” بشراكة متساوية مع عديله المهندس منعم حمد بوعود. وللشركة اليوم مكاتب في ليبيا، والإمارات العربية المتحدة، والهند، وتتمتع الشركة بتحالفات مباشرة مع الشركات العالمية العملاقة.

خيارات كثيرة
خيارات كثيرة

وكان النايض الذي يرأس حاليا “تكتل إحياء ليبيا” قد عمل كمنسّق لمجموعة الاستقرار الليبية، كما تم تعيينه من قبل المجلس الوطني الانتقالي سفيرا لليبيا في دولة الإمارات، ولديه فضاء واسع من الاتصالات وشبكة إعلامية مع مركز للبحوث والدراسات وأول من تقدم بملف ترشحه للرئاسيات هو رجل الأعمال عبدالحكيم بعيو المتحدر من مدينة مصراتة حيث شكل مع بداية أحداث فبراير في العام 2011 ما سميت آنذاك بـ”كتيبة حمد بن خليفة آل ثاني القتالية” قبل أن يتخلى عنها لاحقا مع تقديمه عبارات الشكر لدولة القطر على الدعم المقدم من قبلها. وتولى بعيو خلال الفترة الماضية إدارة شركة “الحمراء”، وهي شركة استثمارية عامة تأسست في إسبانیا، وتعود ملكیتھا إلى الدولة اللیبیة تحت اسم الشركة اللیبیة للاستثمارات الخارجیة “لا فیكو”.

والمجموعة لديها مشاريع واستثمارات كبرى في مختلف دول العالم، وتبحث باستمرار عن المشاريع الجديدة في الكثير من دول العالم في القطاعات المتنوعة كشركات قابضة في مجالات العقارات والزراعة والسياحة والتعدين والخدمات الأخرى، ولديها أيضا استثمارات في أكثر من 30 دولة في العالم.

كما تتواجد المجموعة داخل إسبانيا منذ عام 1984 بتنفيذ المشاريع المهمة والعمليات التجارية والاستثمارية في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط من خلال الشركات التابعة لنفس المجموعة، والشركة لديها أيضاً اتفاقيات مشتركة مع شركات كبرى في المجالات التجارية والاستثمارية والصناعية والاقتصادية والسياحية، وفي يونيو الماضي، برأ القضاء الإسباني عبد الحكيم بعيو في أربع دعاوى قضائية مرفوعة ضده تتعلق بالفساد المالي والإداري داخل الشركة.

ويرى المراقبون أن الجانب الأكبر من الصراع السياسي والعسكري في ليبيا يعود إلى التنافس على الثروة وآليات توزيعها وتقاسم المصالح بين القوى الأساسية التي برزت بالخصوص بعد العام 2011، وأن خوض رجال الأعمال لغمار الرئاسيات ليس بعيدا عن الصراع الأصلي، حيث تدار معركة المال والأعمال على نطاق واسع بخلفيات لا تخلو من الأبعاد القبلية والجهوية والمناطقية، فوضع اليد على الثروة واحد من أبجديات الصراع على السلطة في ليبيا، ولاسيما لدى رجال الأعمال الذين يبدو أن لديهم حظا أوفر من غيرهم في تحقيق أهدافهم من خلال قدرتهم على توفير الضمانات الضرورية للفاعلين الأساسيين في المشهد سواء من الداخل أو الخارج والتعامل بذكاء مع طبيعة التوازنات المرتبطة بالمصالح المالية والاقتصادية قبل غيرها مع امتلاكهم آليات المنافسة على توجيه الرأي العام ومنها وسائل الإعلام.

6