أتاتورك أدرك أهمية الإعلام: تأسيس وكالة الأناضول قبل تأسيس الجمهورية التركية

وكالة الأناضول تحولت من صوت للجمهورية التركية إلى رافعة إعلامية لسياسة أردوغان.
الأربعاء 2023/10/25
مراكز نفوذ بيد أردوغان

أنقرة - سلطت وكالة الأناضول الضوء على المرحلة التي تأسست فيها بمناسبة المئوية الأولى للجمهورية التركية، حين أدرك مصطفى كمال أتاتورك أهمية الآلة الإعلامية خلال حرب الاستقلال فأنشأ الوكالة لتكون “شاهدا على التاريخ وصوت منطقة الأناضول إلى العالم”، لكن هذا الدور شهد تحولا جذريا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان.

وتمكّنت الأناضول التي أبصرت النور في السادس من أبريل 1920، بتوجيهات من أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، من نقل أهم التطورات التي شهدتها تركيا خلال حرب الاستقلال (1919 – 1923) إلى العالم، ومن أبرزها تأسيس البرلمان وإعلان الجمهورية (في 29 أكتوبر 1923)، إضافة إلى الثورات التي نظمها الشعب التركي ضد القوى المحتلة حتى إقامة الجمهورية الفتية.

لكن الوكالة شهدت انقلابا على مسيرتها، بعد التغييرات التي أجريت في أعلى هرم الوكالة وربطها بمركزية الدولة وربط كل المؤسسات بالرئاسة مباشرة بتعليمات من الرئيس أردوغان.

وذكرت الكاتبة التركية دجلة أشواق “حصلت وكالة الأناضول على وضع مستقل في الأول من مارس 1925، وما زالت تعمل شكليا كمؤسسة مستقلة. غير أن موظفي الوكالة يُنظر إليهم على أنهم مسؤولون تابعون للدولة، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، سرعان ما أصبحت الوكالة ذراعا للحزب الحاكم”.

وكشفت تغطية الأناضول للأحداث الداخلية والخارجية في السنوات الأخيرة، عن ارتهانها لحزب التنمية والعدالة منذ سيطرته على السلطة، مع الهيمنة التامة على مفاصل التحرير من قبل الرئاسة.

الأناضول شهدت انقلابا على مسيرتها، بعد التغييرات التي أجريت في أعلى هرم الوكالة وربطها بمركزية الدولة

ولعل التغيير الأشمل في مسيرة الوكالة في عهد أردوغان جرى في أبريل 2021 بعد استبدال شينول كازانجي، الذي قاد الأناضول منذ عام 2014، وأربعة من زملائه أعضاء الجمعية العامة العادية للوكالة في أنقرة. وتعيين طاقم إدارة جديد برئاسة سردار قره غوز المقرب من الرئاسة التركية، لتصبح لسان الرئاسة بالدرجة الأولى.

وعمل قره غوز لفترة طويلة في شبكة “تي.آر.تي” الإخبارية التي تديرها الدولة ومجموعة تركوفاز الإعلامية، التي تديرها عائلة بيرات البيرق صهر أردوغان، كما أن أعضاء مجلس إدارة الأناضول الأربعة لديهم صلات واسعة بالحكومة ولاسيما رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخرالدين ألطون.

وتقوم الوكالة بالهجوم على أي مؤسسة إعلامية تقوم بتغطية التطورات التركية باحترافية لا تناسب الخط التحريري للحكومة التركية.

وفي فبراير 2021، قضت المحكمة الدستورية في تركيا بأن التحركات الرامية إلى وضع الأناضول تحت إشراف ألطون بصفته مدير الاتصالات في الرئاسة، تنتهك المادة 133 من الدستور، التي تنص على أن “محطات الإذاعة والتلفزيون ستؤسس فقط من قبل الدولة، وتديرها هيئة محايدة”.

وقال متابعون للشأن التركي إن التغيير في مجلس الإدارة هو محاولة للالتفاف على المحكمة الدستورية وإسكات الأصوات المنتقدة للوكالة بأنها متحيزة للحكومة وضد المعارضة.

ومع تشكيل مجلس إدارة الأناضول الجديد يعني أنه لم يعد من الممكن الحديث عن الوكالة باعتبارها محايدة، حيث إن النفوذ الذي يسيطر عليه ألطون وحلفاؤه آخذ في الارتفاع، خصوصا أنه كان أول الزائرين للوكالة، بصفته رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، حيث اعتبر الوكالة أداة الحكومة التركية في نقل خطاب الحكومة والسياسات الخارجية.

وفي تأكيد على لسان ألطون، فالوكالة تقوم بدور أكبر من مجرد مؤسسة إعلامية، حيث قال “وكالة الأناضول باتت تحتل مكانة مهمة بين نظيراتها حول العالم، تليق بقوة تركيا في المرحلة الجديدة، وإنها قدمت إسهامات كبيرة في التدويل والدبلوماسية العامة والصحافة التركية”.

تغطية الأناضول تعتبر للأمور الإقليمية ضمن إطار مشروع الرئيس التركي التوسعي في المنطقة

وتعتبر تغطية الوكالة للأمور الإقليمية ضمن إطار مشروع الرئيس التركي التوسعي في المنطقة، ففي الصراع السوري عملت الوكالة على تجميل الدور التركي على أنه يساعد السوريين، بينما أغفلت جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش التركي والميليشيات الإسلامية المرافقة له، ودعم الحكومة التركية للإسلاميين والتعاون مع جماعات متطرفة مصنفة عالميا بالإرهاب.

والأمر نفسه ينطبق على تغطية الوكالة لصراعات في مناطق أخرى من ليبيا إلى أذربيجان عبر انتقاء الأحداث في إطارات تتناسب مع التيارات التي تدعمها الحكومة التركية.

وسبق أن انتقدت العديد من أصوات المعارضة الدور الذي تقوم به الوكالة، وقال نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض التركي طورجوت ديبك إنها مجرد أداة في يد أردوغان، إذ تقوم بتعيين الموالين له في كوادرها، كما تستخدم كوسيلة للضغط على صحف المعارضة.

وعلى عكس الوكالات الرسمية للدول العربية التي تحصر تغطيتها في المحليات، فإن الأناضول توفر خدمة موسعة ومدفوعة، ولا تحصر نشاطها في تقديم الأخبار عن تركيا.

ويعتبر إطلاق النسخة العربية من وكالة الأناضول تطورا طبيعيا يعبّر عن تطلع الوكالة إلى المزيد من الانتشار عبر البث بلغات مختلفة، إلا أن ذلك الإطلاق يعود بالأساس إلى أسباب سياسية وليست إعلامية. إذ ارتبط إطلاق النسخة العربية بصعود “المشروع الإسلامي” في المنطقة العربية منذ عام 2011، وتطلعات الرئيس أردوغان نفسه إلى إعادة إنتاج العثمانية بحلة جديدة يكون فيها “السلطان” أو “خليفة للمسلمين”، ومن ثم كان لا بد أن يكون هناك جسر بينه وبين العرب، وهو الدور الذي سعت إلى أن تلعبه الوكالة بنسختها العربية، أو تكون على حد تعبير رئيس مجلس إدارة الوكالة “همزة الوصل التي ستربط تركيا بالشعوب العربية بعدما كانت لسنوات طويلة تصل أخبارنا إليهم والعكس صحيح، عن طريق وكالات أجنبية”.

تبث وكالة الأناضول اليوم أخبارها بـ13 لغة، بما في ذلك اللغة التركية، وتعمل في 144 بلدا.

وقالت الوكالة إنها تقدّم خدماتها لما يقارب 6 آلاف مشترك في 93 بلد حول العالم، فيما يتجاوز عدد موظفيها 4 آلاف موظف موزعين على 100 بلد. كما أن لدى الوكالة التركية مكاتب في 41 مكانا حول العالم.

ولفتت إلى أن متوسط الإنتاج اليومي يبلغ حوالي 1600 خبر، و4000 صورة، و6 إنفوغرافيك، و400 مقطع مصور (فيديو)، و15 بثا مباشرا.

5