"أبي لم يمت" يستعيد سنوات الرصاص في المغرب

المخرج ركز على تصوير التناقضات الكثيرة التي يعيشها المجتمع المغربي والعلاقات بين الآباء والأبناء.
الجمعة 2025/01/10
فيلم حقق نجاحات في مهرجانات مغربية وعربية

الدار البيضاء (المغرب) - بعد عرضه في مهرجانات مغربية ودولية، يعرض فيلم “أبي لم يمت” للمخرج عادل الفاضلي في دور السينما المغربية ليعيد الجمهور إلى مرحلة حرجة من تاريخ المغرب أو ما يعرف بسنوات الرصاص (1960 – 1990) ويقدم له حكاية روائية مستوحاة مما عاشه المغاربة، دون أن يتطرق إلى الأحداث السياسية وإنما إلى التداعيات الاجتماعية والنفسية لتلك الحقبة التاريخية على المجتمع.

ويشارك في هذا العمل الفني ثلة من الممثلين المغاربة منهم، على الخصوص، محمد خيي وعمر لطفي وفاطمة عاطف وفوزي بنسعيدي والطفل آدم رغال وعبدالنبي بنيوي ونادية كوندة وعزيز الفاضلي وديديي بنورو. ويتناول هذا الفيلم قصة طفل يدعى مالك يعيش مع والده مهدي في مدينة ملاه حيث يقومان بأعمال الصيانة. في أحد الأيام، يقدم مهدي خمس لوحات مميزة لابنه الذي انبهر بجمال هذه الأعمال الفنية.

في اليوم التالي، وجد الاثنان نفسيهما بالصدفة وسط تجمع سياسي. وفي وقت لاحق من تلك الليلة، اقتحمت الشرطة الملاهي واعتقلت مهدي. لتبدأ بعدها رحلة مالك في البحث عن والده بمساعدة رجال العرض الآخرين، حيث سيتمكن من إيجاد إجابات في اللوحات التي تركها والده. وركز المخرج على تصوير التناقضات الكثيرة التي يعيشها المجتمع والعلاقات بين الآباء والأبناء، مسلطا الضوء على قيم عديدة مثل التضحية والحب في علاقة الأب مهدي وابنه مالك.

وفي حين تناولت عدة أفلام مغربية فترة سنوات الرصاص، من خلال التاريخ والسرد الوثائقي والتركيز على شخصيات سياسية إلى جانب مناضلين وصحافيين وشهادات مغاربة عاصروا تلك الفترة التاريخية، اختار الفاضلي أن يروي حكاية متخيلة عن أشخاص كانوا ضحية وجودهم في الأماكن الخطأ والتوقيت الغلط، مركزا على العلاقات العاطفية والإنسانية.

◙ العمل فرصة للأجيال الجديدة لاكتشاف الحقبة التاريخية الصعبة التي عاشها المغرب والتي مهدت لتحقيق الازدهار
◙ العمل فرصة للأجيال الجديدة لاكتشاف الحقبة التاريخية الصعبة التي عاشها المغرب والتي مهدت لتحقيق الازدهار

كما اهتم المخرج بالمرور على أهم مميزات تلك الفترة التاريخية مغربيا وعربيا حيث وظف صورا وموسيقى تعود لفترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ومن أبرزها الموسيقى المصرية مع إشارة واضحة إلى أشهر الأعمال السينمائية المصرية آنذاك.

وفي تصريح بمناسبة العرض الأول للفيلم، أوضح المخرج عادل الفاضلي أن رغم الحقبة الزمنية التي تدور خلالها أحداث الفيلم إلا أن قصة الفيلم لا تسلط الضوء على الجانب السياسي لهذه الفترة، موضحا أن الفيلم يمثل قصة إنسانية تدور حول طفل يبحث عن والده في قالب من الفرجة والإثارة. وأضاف أن العمل يشكل فرصة للأجيال الجديدة لاكتشاف تلك الحقبة التاريخية الصعبة التي عاشها المغرب، والتي مهدت الطريق لتحقيق الازدهار والاستقرار الذي ينعم به اليوم.

وأكد الفاضلي أن اختيار عنوان الفيلم كان قبل وفاة والده عزيز الفاضلي الذي شارك في تصوير الفيلم، لكن صدفة الحياة جعلت عرضه يتزامن مع غيابه، ما أضفى بعدا عاطفيا خاصا على العمل. من جهتها قالت الفنانة فاطمة عاطف إن العمل يجمع بين الفرجة والفكاهة، مبرزة أن هذا العمل الفني يتميز بكون الجمهور يعيش مجموعة من الأحداث من منظور طفل، بعيون بريئة ومظلومة أحيانا وبعيون جريئة أحيانا أخرى.

وبدوره، أعرب الفنان عبدالنبي بنيوي عن سعادته بالمشاركة في هذه التجربة السينمائية المتميزة، مشيرا إلى أنه يجسد في هذا العمل الفني دور علي وهو شخصية ثائرة على الوضع الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه، وبعد توالي الأحداث سيبدأ في مساعدة الطفل مالك في رحلته لإيجاد والده.

يشار إلى أن فيلم ”أبي لم يمت” شارك في العديد من المهرجانات وحاز على العديد من الجوائز، منها الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وجائزة لجنة التحكيم في فئة الأفلام الطويلة بالمهرجان الدولي للفيلم المغاربي بوجدة، وجائزة العمل الأول بمهرجان تطوان لسينما البحر المتوسط.

وعادل الفاضلي من مواليد 1970، وهو مخرج أفلام وكاتب سيناريو ومنتج أفلام ومونتير مغربي. نشأ في حضن عائلة فنية شهيرة في المغرب، فهو ابن الفنان المغربي عزيز الفاضلي، وشقيق الفنانة الكوميدية المغربية حنان الفاضلي.

وفيلمه “أبي لم يمت” الذي اقتنص ست جوائز في الدورة الـ23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة للعام 2023 هي الجائزة الكبرى، وجائزة الإخراج، وجائزة الإنتاج، وجائزة الصورة، وجائزة الصوت، وجائزة الموسيقى، كتبت عنه الناقدة المصرية ناهد صلاح أنه “في الفيلم المثير على مستويات عدة ثمة طفل يأخذنا في رحلة مدهشة ويسافر بنا نحو زمن آخر،  يعلو صوت الموسيقى كما ينبغي أن يكون إعلان الرحلة، بينما نحن المشاهدين نكاد نحبس أنفاسنا من واقعية المشهد، عما قليل سنتحرك معه مستسلمين للتداعي والذكرى”.

وتابعت “هذا هو الوهم الكبير الذي تصنعه السينما، يمتصنا، نصدقه ونحبه بقدر ما يوقد فينا من أحلام وحتى هواجس. التدرج في الألوان والإضاءة والمؤثرات الصوتية والطفل ونظراته المتغيرة من لقطة إلى أخرى، من غضب إلى فرح إلى ذهول واستغراب إلى انتباه وتيقظ، كل هذا لم يكن داخل الشاشة، بل خارجها، وصلت إلينا الحالة ونحن قبالة الشاشة، مما زاد من حماستنا وترقبنا المشهد التالي، حدث هذا الاندماج بين الحقيقة والخيال، والخيط الرفيع بينهما قارب على التلاشي”.

15