أبوظبي تستبق برد الشتاء بزيادة إنتاج الغاز

تعزيز استثمارات القطاع يفتح الأبواب أمام تحقيق مكاسب مزدوجة.
الجمعة 2022/10/21
جني الأرباح لا يأتي بسهولة كما تتخيلون

ينظر المحللون إلى تسارع وتيرة الصفقات التي تعقدها شركات الطاقة في أبوظبي سواء في ما بينها أو مع شركاء أجانب لزيادة إنتاج الغاز على أنها نقطة تحول لبلوغ الاكتفاء الذاتي وتحقيق منافع أكبر عبر زيادة الصادرات وتنويع الأسواق استباقا لبرد الشتاء.

أبوظبي – دفع استمرار ارتفاع أسعار الغاز في جميع أنحاء العالم في أعقاب اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل ثمانية أشهر العديد من بلدان الشرق الأوسط الرائدة في تصدير المحروقات إلى زيادة إنتاجها من الغاز والنفط.

وتعد إمارة أبوظبي مثالا على ذلك، فقد أرست شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) الأسبوع الماضي عقدا بقيمة 980 مليون دولار من خلال ذراعها البحرية على ذراعها الأخرى التي تنشط في الحفر، لدعم التوسع في قدرة استخراج موارد الطاقة.

وجاء ذلك بعد أن تم منح أدنوك للحفر عقدا بقيمة 1.53 مليار دولار للغرض نفسه قبل أيام قليلة. وذهب كلا العقدين و3.4 مليار دولار من العقود المماثلة التي منحتها الشركة في أغسطس الماضي إلى شركات محلية. وهذا جزء من برنامج أدنوك “لتعزيز القيمة المحلية المضافة” الذي يهدف إلى دعم النمو الاقتصادي المحلي وتنويعه.

سيمون واتكينز: مشاريع أدنوك قد تساعد في تفادي مشكلة الإمدادات
سيمون واتكينز: مشاريع أدنوك قد تساعد في تفادي مشكلة الإمدادات

والبرنامج برمّته هو حجر الأساس لـ”مشروع 300 مليار” الذي يهدف إلى زيادة مساهمة القطاع الصناعي في الدولة إلى 300 مليار درهم (81 مليار دولار) من 133 مليار درهم حاليا في غضون السنوات العشر القادمة.

ويعتبر هذا الهدف جزءا من سياسة الاقتصاد الدائري 2021 – 2031 لدولة الإمارات الذي سيتحقق إلى حد كبير عبر إنشاء 13.5 ألف شركة صناعية خلال تلك الفترة تغطي قطاعات التصنيع والبناء والكهرباء والغاز والتعدين والمحاجر.

وكانت حكومة أبوظبي قد اعتبرت في نوفمبر الماضي أن على صناعة النفط والغاز استثمار نحو 600 مليار دولار بحلول 2030 لتمويل الطلب المتزايد وكذلك عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

ووفقا لبيان صدر مؤخرا عن البنك المركزي، فمن المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للدولة بنسبة 4.2 في المئة هذا العام، مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير الهيدروكربوني بنسبة 3.9 في المئة خلال نفس الفترة.

ويأتي الاستثمار ضمن مساعي أدنوك لتوسيع طاقة إنتاج النفط إلى 5 ملايين برميل يوميا بحلول 2030، مما يزيد قليلا عن 3 ملايين برميل يوميا، ولتمكين الاكتفاء الذاتي من الغاز للدولة.

وتستمر جهود الإمارات في جذب شركاء أجانب بارزين لتطوير حقول النفط والغاز الرئيسية. ففي الشهر الماضي التقى كلاوديو ديسكالزي الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية بنظيره من أدنوك سلطان الجابر في أبوظبي لمناقشة تسريع تطوير مشروعي غشا والمنطقة البحرية 2.

ويعد غشا أكبر مشروع للغاز الطبيعي في العالم، ولا يشمل ذلك فقط، وإنما يضم أيضا حقولا أخرى أبرزها حايل وهير دلما وسطح وبوحصير.

ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج من الحقل في 2025، وبسعة إنتاج تقدر بنحو 1.5 مليار قدم مكعبة يوميا من الغاز بحلول سنة 2030.

وتعد إيني صاحبة أكبر حصة أجنبية في المشروع الذي تقوده أدنوك، فهي تمتلك 25 في المئة، تليها وينترشال الألمانية بعشرة في المئة، ثم أو.أم.في النمساوية ولوك أويل الروسية بخمسة في المئة لكل منها.

وتعزز هذا التوجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الغاز بعد اكتشاف جديد سنة 2020 بالمنطقة المشتركة بين أبوظبي ودبي أُطلق عليه اسم حقل جبل علي، ويحتوي على مخزون ضخم يقدر بنحو 80 تريليون قدم مكعبة وتقدّر مساحته بخمسة آلاف كيلومتر مربع.

وتتميز إيني بصفتها المساهم الرئيسي في المنطقة البحرية 2 ومشروع غشا العملاق بحصة 70 في المئة، بينما تحتفظ شركة بي.تي.تي التايلاندية بالباقي.

وشهدت نهاية يوليو الماضي اكتشاف خزان جديد أعمق بحجم احتياطي يتراوح بين 1 و1.5 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام، وهو ما يصل تقريبا إلى ضعف حجم الحقل المكتشف، وفقا لتعليق من أدنوك في ذلك الوقت.

لا

ويأتي ذلك بعد الاكتشاف الأول في فبراير الماضي من منبع أقل عمقا، ليصل إجمالي الغاز في المنبعين إلى 2.5 و3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز. كما تعمل إيني ضمن مناطق بحرية أخرى في أبوظبي ورأس الخيمة.

وبالتوازي مع هذه المبادرات لتعزيز إنتاجها من الغاز، منحت أدنوك في مارس الماضي 653 مليون دولار من العقود الأولية في اتفاقيات إطارية جديدة ستسمح لها بحفر الآلاف من آبار النفط الجديدة.

وكانت الاتفاقيات مع شركات هاليبورتون وورلدوايد ليمتد أبوظبي وبيكر هيوز الشرق الأوسط والإمارات الغربية لحفر آبار النفط وصيانتها والشركة الوطنية المتحدة لخدمات الطاقة وإمجل لخدمات حقول النفط، وذلك بعد عملية مناقصة.

وجاءت هذه التراخيص إثر حصول أدنوك على عقد بقيمة 946 مليون دولار لتنفيذ الأعمال الهندسية والمشتريات والتشييد لمشروع التطوير المستدام لحقل أم الشيف الإستراتيجي.

ويقع على شركة الإنشاءات البترولية في الإمارات متابعة الإجراءات اللازمة للحفاظ على قدرة إنتاج النفط الخام البالغة 275 ألف برميل في اليوم ثم لزيادة الإنتاج.

وذكر موقع “أويل برايس” حصريا في أغسطس 2020 قبل وقت قصير من تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، أن أدنوك أعلنت عن نقل حقوق ملكية نسبة من حصتين لمؤسسة البترول الوطنية الصينية (سي.أن.بي.سي).

600

مليار دولار الاستثمارات التي تسعى الإمارة لضخها في قطاع الغاز والنفط بحلول 2030

وتتمثل تلك الحصص في امتيازي حقلي زاكوم السفلي وأم الشيف ونصر البحريين في أبوظبي إلى سينوك المحدودة التابعة إلى شركة الصين الوطنية للنفط البحري.

وشمل اتفاق نقل الملكية استحواذ سينوك عبر سينوك هونغ كونغ القابضة المحدودة التابعة لها على نسبة 40 في المئة في شركة بتروتشاينا للاستثمار الخارجي (الشرق الأوسط) المحدودة المملوكة بأغلبيتها لسي.أن.بي.سي.

وهذه الصفقة هي المرة الأولى التي تنضم فيها شركة نفط وغاز بحرية صينية متخصصة إلى أي امتياز لشركة أدنوك.

وانعكس النشاط الجاري في امتيازات زاكوم السفلى وأم شيف ونصر في الوتيرة السريعة للتطوير في الامتياز البري في الرقعة رقم 4.

وكان ذلك بعد الكشف الأخير عن احتمال احتواء منطقة اكتشاف جديدة فيه على احتياطيات قابلة للاسترداد لما لا يقل عن 480 مليون برميل، وفقا لمشغل الموقع شركة إنبكس كوربوريشن اليابانية.

ويستند هذا الرقم إلى معدل استرداد مؤقت بنسبة 40 في المئة للنفط الخام و70 في المئة للغاز الطبيعي والمكثفات.

وبحسب أدونك يعد هذا أول اكتشاف من نوعه في الامتياز البري، وتشير الدلائل الأولية إلى احتمال المزيد من الاكتشافات في الموقع.

ويرى الكاتب في موقع “أويل برايس” الأميركي سيمون واتكينز أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه المبادرات كافية لتفادي مشكلات الإمدادات مع حلول فصل الشتاء رغم أن الإمارات قد أبرمت صفقات جديدة كبيرة مع ألمانيا وفرنسا مؤخرا.

وأفادت مصادر إماراتية أنه عقب زيارات المستشار الألماني أولاف شولتز ووزير الاقتصاد في حكومته روبيرت هابك إلى أبوظبي كجزء من اتفاقية جديدة لأمن الطاقة وتسريع الصناعة موقعة بين الإمارات وألمانيا ستقوم أدنوك بتزويد شركة آر.دبليو.إي بشحنة غاز مسال في أواخر 2022 لاستخدامها في محطة برونسبوتل.

وقالت المصادر إن أدنوك “خصصت أيضا العديد من شحنات الغاز الطبيعي المسال الأخرى للزبائن الألمان للتسليم في عام 2023”.

وفي الوقت نفسه وقعت شركة توتال إينرجيز الفرنسية مؤخرا شراكة مع أدنوك تشمل التعاون في التجارة وتوريد المنتجات واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.

وقالت توتال وقت إبرام الشراكة إنها “تشمل تطوير مشاريع النفط والغاز في دولة الإمارات لضمان إمدادات الطاقة المستدامة للأسواق والمساهمة في أمن الطاقة العالمي”.

وتملك الإمارات أحد أكبر احتياطات الغاز في العالم، إذ تقدر كميات الغاز التقليدي فيها بنحو 273 تريليون قدم مكعب، والغاز غير التقليدي بنحو 160 تريليون قدم مكعب، ما يعني أن الاحتياطيات الإجمالية ستبلغ 433 تريليون قدم مكعب.

لا

واستنادا إلى بيانات وزارة الطاقة الأميركية فإن هذه الكمية ستنقل الإمارات من المركز السابع إلى السادس عالميا في احتياطات الغاز المؤكدة.

لكن البلد الخليجي يستورد جزءا كبيرا من احتياجاته من الغاز من جارته قطر، والتي تعتبر أحد أكبر مصدري الغاز المسال في العالم عبر خط الأنابيب دولفين، والذي يمكن أن يتوقف عن الضخ بعد تطوير الاكتشافات الجديدة.

وكانت إمارة الشارقة قد أعلنت مؤخرا عن مقترحات لإطلاق جولة مناقصات خارجية لاكتشافها الجديد من الغاز والمكثفات في المنطقة ب التي تديرها إيني ومؤسسة بترول الشارقة الوطنية (سنوك)، والتي من المتوقع أن تبدأ الجولة مطلع 2023.

وفي أواخر 2020 اكتشفت الشركتان خزان ماهاني، وأنتج الحفر الأول ما يصل إلى 1.4 مليون متر مكعب يوميا من الغاز الخفيف والمكثفات المصاحبة.

وانطلق إنتاج الغاز أيضا هذا العام من بئر الغاز ماهاني 1، ولكن لم تصدر الشركات أي بيانات عن الحجم، رغم أن سنوك ذكرت أنها تواصل الحد من الإنتاج بأقل من 1.4 مليون متر مكعب يوميا لجمع البيانات وتحديد الإمكانات الكاملة للخزان.

ووفقا لسنوك فمن المقرر أن تستمر عمليات الحفر الإضافية التي تُجريها الشركتان اللتان تعملان معا في مناطق الامتياز البرية أي وسي، في بئرين جديدين.

وقالت الشركة في بيان مؤخرا إن البيانات الزلزالية الأولية حول التطورات تظهر أن “إنتاج الاحتياطيات الكبيرة وتطويرها سيكون اقتصاديا للغاية”.

10