"أبوالعروسة" مسلسل يقترب أكثر من تفاصيل الأسرة المصرية

الجزء الثالث يعتمد على التناغم الفني بين سيد رجب وسوسن بدر.
الخميس 2022/02/10
نسخة درامية عن الكثير من العائلات المصرية

يواصل المسلسل المصري “أبوالعروسة” تحقيق نجاح كبير للموسم الثالث على التوالي، فقد استطاع جذب انتباه المشاهدين بتبنيه قضايا ومشكلات من واقع حياتهم بأسلوب فني سلس يمزج بين الحبكة الدرامية المشوقة والعلاقات الاجتماعية المتنوعة والبعض من الكوميديا، وبتقديمه صورة عن مصر بجوانبها الطبيعية والإنسانية الجميلة.

القاهرة- حقق المسلسل المصري “أبوالعروسة” نجاحا كبيرا في موسميه الأول والثاني، حيث بلغ عدد حلقاتهما مئة وعشرين حلقة شجعت منتجي العمل على تقديم المعادلة الصعبة في جزء ثالث جديد بدأ عرضه مؤخرا على قناة “دي إم سي” ولا يقل جاذبية عن سابقيه، بل هو أكثر اقترابا من واقع الأسر المصرية المتوسطة التي تمثل شريحة كبيرة من المواطنين بكل مشاكلها وتطلعاتها وطموحاتها وأحلامها.

ويعتمد العمل على التناغم الفني والإنساني بين بطليه الرئيسيين سيد رجب وسوسن بدر أو عبدالحميد وعايدة، ومعهما أفراد أسرتهما التي تضم ولاء الشريف وميدو عادل وكارولوين عزمي، بجانب الطفلين المعروفين بمرزوق وبدرية.

وتتشعب الحكايات الاجتماعية لكل منهم على حدة وسرعان ما تتداخل بصورة تشبه ما تعيشه شريحة كبيرة من الأسر في مصر، فلا يشعر المشاهد بغربة أو افتئات على الحياة التي يحيا وسطها ومن حوله من الأقارب والجيران والأصدقاء.

وتمتد قصص “أبوالعروسة” من الأسرة المحورية في العمل عبدالحميد وعايدة، أو سيد رجب وسوسن بدر، إلى من حولهما والقريبين منهما مع الكثير من المفارقات، فالإبنة الكبرى ولاء الشريف المتزوجة من محمود حجازي ووالده محمد صيام ووالدته صفاء الطوخي أصبحوا جزءا من التكوين الاجتماعي لأسرة عبدالحميد التي تتناقض حياتها مع حياتهم في التفاصيل الكبيرة وتلتقي معها في الصغيرة.

 حكايات ومواقف تجمع بين التراجيديا والكوميديا

وتتشعب المشاهد بطريقة ناعمة وتتوغل داخل باقي أبطال العمل الذين تربطهم علاقات صداقة أو مصاهرة أو حب أو عمل أو زمالة، وتبدو أدوار نرمين الفقي ومدحت صالح ورانيا فريد شوقي وخالد كمال ومجموعة من الفنانين جزءا من التطورات اليومية لحياة عايدة وعبدالحميد التي بدأت في الموسمين السابقين ثم تتفرع في الثالث.

ولجأ المؤلف والمخرج هاني كمال إلى تجديد دماء المسلسل في الجزء الثالث بتضمينه بعض القصص الشيّقة، وعزف على وتر انتشار فايروس كورونا وطريقة تعامل المصريين مع المرض التي تتراوح بين الخوف الشديد واللامبالاة، وقدم من خلال هذه القضية مجموعة من المتلازمات التي تحدد طبيعة الشخص في التعامل مع الجائحة.

تجديد الدماء

استغل منتجو العمل نسبة المشاهدة الواسعة التي حققها المسلسل من قبل وقدموا الموسم الثالث وهم على يقين من أن نجاحه لن يقل عن الموسمين السابقين، ولم يرتبط الرهان بمجازفة أو رغبة في المغامرة، لكنه اعتمد على المزيد من التجويد الفني والإنساني، فمطالبة فئة كبيرة من الجمهور بعدم توقف حلقات العمل منحت المنتجين جرأة على تقديم الجزء الثالث.

وتوسع هذا الجزء في تناول المشكلات الحياتية في المجتمع المصري، مستفيدا من موهبة وخفة ظل نجومه، خاصة الممثل سيد رجب الذي قدم دورا مؤثرا حوّله إلى أب نموذج للكثير من الشباب والفتيات في مصر بسبب الطريقة التي يتعامل بها مع أبنائه والتي تجمع بين الأصالة والمعاصرة والديمقراطية، فهو رجل شرقي بالمعنى العميق للكلمة ولا ينكر التعامل مع التكنولوجيا وتفهم متطلباتها ويمنح أسرته هامشا كبيرا من الحرية.

وأكمل الفنان سيد رجب سلسلة من الأعمال الدرامية التي قدمها في الآونة الأخيرة في السينما والتلفزيون، وحوت تنوعا بالغا بين صفات الطيب والشرس والمجرم والفقير وتاجر المخدرات، وأسهم تكوينه الشخصي والفني في مدّه بطاقة ساعدته كثيرا على تقديم ألوان مختلفة وأدوار دسمة لا تتوقف عند البعد الظاهر في الشخصية التي يقدمها، حيث يغوص فيها بشكل يقنع المشاهدين بالمزج بين رجب الحقيقي ورجب الممثل.

 "أبوالعروسة" أثبت أن فكرة توزيع الأعمال الدرامية على مدار العام يمكن أن تكون مفيدة وأكثر جدوى

وأكدت الفنانة سوسن بدر أن عامل الزمن لم ينل من بريقها في أداء الأدوار المركبة، فهي الزوجة والأم والصديقة والموظفة المكابدة والسيدة المخلصة التي تشقى وتجتهد لتربية أبنائها بصورة سليمة، وهي توليفة مكنتها من الاستقرار في وجدان الجمهور الذي ينتظر كل حلقة بشغف ليتعرف على مناورات عايدة ومغامرات عبدالحميد.

ووفرت البساطة والتلقائية التي اتسم بها أداء غالبية النجوم تعاطفا مع شخصياتهم مهما كانت درجة الشر الداخلي، فدور مدحت صالح كأب لديه بنت في عمر الزهور وقام بتطليق زوجته الدكتورة الجامعية لم يكن شريرا بالمعنى الدقيق للكلمة، حيث أسهمت خفة ظل صالح في التخلص من التعقيدات التي يمكن أن تصاحب مثل هذا الدور.

ورغم التناقضات الكبيرة بين دور الزوج (مدحت صالح) ودور زجته (نرمين الفقي) جاء الشجار بينهما هادفا في الكثير من المشاهد، حيث يناقش واحدة من المشكلات الاجتماعية المتمثلة في حيرة الابنة الطموحة التي تخصصت في حل مشاكل الناس ولا تعرف كيف تحل مشكلة أبيها وأمها.

وحوى “أبوالعروسة” العديد من الرسائل التي تثار في المجتمع المصري وتبحث عن حلول لها ولجأ إلى مناقشتها ضمن سياقات درامية كي لا تبدو أمرا مفتعلا، وتطرق بطريقة مبتكرة إلى قضية الطلاق الشفوي من خلال أزمة سيدة لديها ثلاثة أطفال طلقها زوجها وسافر دون أن تحصل على وثيقة الطلاق التي كانت ستوفر لها معاشا شهريا تمنحه الحكومة لمن هن في مثل حالتها.

وتسلل العمل من خلال الحكايات والمواقف التي تجمع بين التراجيديا والكوميديا إلى وجدان قطاعات كبيرة من المصريين تعلقت به كأنها تشاهد شريط حياتها الحقيقي يمر أمامها، وهو الوتر الذي عزف عليه طاقم العمل ببراعة ليضمن نجاحا لافتا، فليس هناك اغتراب أو جفاء بين ما يقدمه أبطال “أبوالعروسة” وبين المفردات التي يستخدمها الناس والقاموس الذي يرددونه باستمرار في حياتهم اليومية.

دراما الفلاشات

☚ عبدالحميد نموذج الأب المثالي

يمكن القول إن أحد أسرار النجاح في المسلسل يأتي من التنوع في المشاكل وعدم الاستطراد في سردها أو اللجوء إلى الاستغراق فيها، فقد اعتمد على ما يوصف في لغة الدراما بـ”الفلاشات” السريعة التي تصل إلى الهدف مباشرة بلا تطويل وملل يؤثر على تعلق المشاهد بالعمل.

وجاءت البراعة أيضا من التعامل مع المشكلات بكل ما تحمله من ملابسات اجتماعية، وكان الحرص ظاهرا في عدم اللجوء إلى المبالغات أو التضخيم عند التطرق إلى القضايا المختلفة، كثيمة وفرت للعمل حضورا تفتقده الكثير من الأعمال الدرامية عندما تلجأ إلى تسليط الضوء على قضية باعتبارها الوحيدة التي تهم المصريين في تلك اللحظة، من نوعية مشاكل الصفوة في المجتمع، فاختيار مشاكل من المجتمع ضمن للعمل نجاحا، والاتقان في تقديمها ضمن لمنتجيه تفوقا مستمرا.

واستمرت النعومة في تقديم صورة زاهية للكثير من معالم القاهرة الكبرى عبر تقديم لقطات فوقية لعدد منها، تعكس وجها حضاريا لمصر في الوقت الحالي، حيث قدمت غالبية المشاهد التي جاءت مصحوبة بموسيقى تصويرية شيقة ألوانا أنيقة للشوارع وانتشار الخضرة مع نهر النيل الذي يشق القاهرة إلى نصفين، وهي الصورة التي بدت مريحة للمشاهدين وأشرف عليها مدير التصوير أحمد فهيم.

 أحد أسرار نجاح المسلسل يأتي من التنوع في المشاكل وعدم الاستطراد في سردها أو اللجوء إلى الاستغراق فيها

ومع أن هناك كثافة كبيرة لها في كل حلقة، إلا أن الطريقة التي تقدم بها لا تشعر بوجود فجوة بين الصورة المصحوبة بالموسيقى والمشاهد الدرامية الموازية، بينما الأخيرة لا علاقة لها بالأولى، فالانسجام وحده هو الذي أوجد العلاقة والألفة بينهما.

ويحسب للمنتجين منى قطب وإبراهيم حمدوة أنهما نجحا في قراءة مزاج الجمهور المصري، وقدما هذا العمل الذي أثبت أن موسم رمضان ليس هو الوحيد الذي تقدم فيه الأعمال الجيدة، فالأجزاء الثلاثة بثت خارجه وجاء تأثيرها كبيرا، واستفاد “أبوالعروسة” من عدم وجود تخمة فنية فحقق نجاحه الكبير، وأثبت أن فكرة توزيع الأعمال الدرامية على مدار العام يمكن أن تكون مفيدة وأكثر جدوى.

ويبدو أن منتجي العمل أرادوا أن يكون مسلسلهم الملحمي درسا يقدم للنجوم الذين يتهافتون على تقديم أعمالهم في رمضان، فالنجاح يمكن أن يتحقق خارجه بشكل أسهل في خضم عدم وجود منافسة محتدمة، لكن تظل الجودة التي يقدم بها “أبوالعروسة” المعيار الفني الذي يقاس عليه النجاح.

وتضمن العمل فكرة جيدة تلمس مشاعر فئة كبيرة من الناس، وطاقم تمثيل على مستوى جيد، ومجموعة مؤمنة بأهمية التجويد الفني، بدءا من المخرج والمؤلف والمصور والديكور البديع وحتى الموسيقى التي صاحبت العمل وأضفت عليه رونقا خاصا به.

15