أبناء العجائز وأبناء الكهنة

الاثنين 2015/12/07

حاول الكثير من الأدباء والنقّاد تفسير العلاقة التي تربطهم ببعضهم بعضا، وبخاصّة أنّ الكثيرين يزاولون العمل النقديّ بالتزامن مع العمل الإبداعيّ، ولا يخفى أنّ أيّ مبدع يقدّم تصوّراته ورؤاه في نتاجاته، وهي لا تحمل صفة قدسيّة كي تعلو فوق أي نقد، بل تظلّ معرّضة لتشريح النقد، لإبراز نقاط القوّة والضعف فيه، ذلك أنّ الأفكار الراسخة تنتعش بالنقاش وتصمد بالمحاججة وتكتسب حضورا أكثر وأعمق بالتقادم.

هناك مَن يفسّر العلاقة بين الأديب والناقد من منطلق المواجهة العدائية، أو التخندق والتناقض، في الوقت الذي يفترض بالعلاقة أن تكون تكاملية، لا تنافسية أو إلغائية كما قد يحلو للبعض تصنيفها، أو توصيفها. فالنقد لا يبحث عن سبل تشويه النتاج الأدبيّ، بل يروم مقاربته وقراءته بعين متفحّصة.

البعض من النقد، ولا سيّما الصحفيّ منه، يتحوّل إلى إطلاق أحكام قيّمة على الأعمال الأدبيّة، ويروّج نوعا من النقد الشفاهيّ الذي يتناقله المهتمّون والمتابعون في ما بينهم، كنوع من تلقّف التقييم وتداوله والتعاطي معه كحقيقة ثابتة في ما بعد.

الروائيّة الكندية مارغريت أتوود تجيب عن سؤال عدم استساغتها النقّاد، بتصنيفها النقّاد إلى نوعين “أبناء العجائز وأبناء الكهنة: النوع الأول هم الجالسون في المقاهي يطلقون الأحكام المطلقة والشائعات على الروائيين، والنوع الثاني هم الأكاديميون وأساتذة الجامعات الذين يحتكرون الكلام عن الأدب كما كان الكهنة يحتكرون الكلام عن النصوص المقدسة”.

أمّا الفرنسيّ إميل زولا فقد رأى أن الروائي والناقد ينطلقان من النقطة نفسها، أي أنهما يأخذان ما يسميه بالوسط الدقيق والوثيقة الإنسانية من مصدرهما الطبيعي، ثم يستخدمان المنهج ذاته للوصول إلى المعرفة والتفسير. يذكر أنه من جهة هناك العمل الذي كتبه إنسان ما، ومن جهة أخرى هناك أفعال شخصية بعينها، وكلا العمل وسلسلة الأفعال هما بمثابة نتاجين للماكنة الإنسانية الخاضعة لتأثيرات معينة.

من هذا المنطلق يعتقد زولا أنه من البديهي أن يكون الروائي الطبيعي ناقدا ممتازا، يكفيه عند دراسته لكاتب ما، الاستعانة بأداة المراقبة والتحليل ذاتها التي استخدمها الكاتب في دراسته للشخوص، الذين استقاهم هو من الطبيعة، ويضيف أن المرء يخطئ إذا ما اعتقد، حين يقال عنه بنزق “ما هذا إلا ناقد”، يقللون من شأنه كروائي.

يشير زولا إلى أن القرابة بين الروائي والناقد ليست متأتية إلا من استخدامهما كليهما للمنهج الطبيعي للعصر، وأن المؤرخ أيضا يمارس على التاريخ عملا مماثلا، وباستخدام الأداة نفسها، وكذلك الاقتصادي والسياسي أيضا. ويقول إن هذه وقائع يسهل التدليل عليها، وهي ترينا رجل العلم وهو يتقدم الحركة، ويقود العقل الإنساني. كما يقول إن قيمة أعمالنا إنما تنبع من القدر الذي يمسنا به العلم بهذه الدرجة أو تلك من العمق.

كاتب من سوريا

15