أبناء الطبقة المتوسطة يلتحقون بالأرصفة

القاهرة – ارتفاع معدلات الفقر وزيادة البطالة حولا الباعة الجائلين في مصر من ظاهرة عشوائية إلى مراكز منظمة في الشوارع لبيع منتجات قد لا تحتويها المتاجر التقليدية. ينتظرهم كثيرون للشراء منهم بأثمان زهيدة، تتناسب مع دخولهم المنخفضة.
ولم يقتصر زحف الباعة على أرصفة الشوارع الكبرى، فتوسعوا في مناطق كثيرة، وخرجت فئة جديدة من الشباب تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، شاركت الباعة الأرصفة واحتلتها كمحاولة للتغلب على صعوبة إيجاد عمل. بعد أن كانت ظاهرة احتلال الرصيف موضع انتقاد مجتمعي دائم، تقلد بعض المعترضين عليها ممن يحملون مؤهلات عليا مهنة بائع متجول، وهو ما اعتبره علماء اجتماع مؤشرا خطيرا على التدهور الاجتماعي، لأن هذه الفئة يقع على عاتقها التغيير الثقافي والمجتمعي.
وذكر تقدير لاتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية أن هناك نحو ستة ملايين بائع متجول في مصر، منهم 30 بالمئة من السيدات، و15 بالمئة من الأطفال، يعيلون أسرهم، ونحو 10 بالمئة من الجامعيين اضطرتهم الظروف الاجتماعية إلى العمل لعدم توافر الوظيفة. وأدى الخلل في التركيبة الاجتماعية إلى صراع مستتر على الفضاء العام، المتمثل في الأرصفة والميادين، وتحولت المشاجرات بين الباعة بسبب زبون ورغبة عارمة في التربح، إلى نوع من الصراع تفوح منه رائحة الطبقية والانقسام المجتمعي.
وسعت الحكومة إلى تقنين هذه المسألة وتنفيذ وعود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتوفير سيارات خاصة ومتاجر خشبية صغيرة وتقديم إعانات وقروض بنكية لدعم الشباب وتوفير فرص عمل ميدانية.
وقال أحمد سمير، بائع متجول منذ 30 عاما، لـ”العرب” إن هناك محسوبية في تعامل الحكومة مع الباعة الذين ينتمون إلى طبقات شعبية متدنية ومن ينتمون إلى الطبقة الوسطى. وتساءل بلهجة حملت إيحاءات طبقية “طالما يتعامل معنا الأغنياء على أننا كيانا طفيليا، لماذا يزاحموننا على الأرصفة؟”.
مواجهة الظاهرة تحتاج إلى الوقوف على الواقع الاجتماعي، الخاص بانضمام أبناء الطبقة الوسطى إلى تلك الكيانات
في المقابل، يدافع الباعة الجدد، من الطلبة وخريجي الجامعات الذين تزايدت أعدادهم مع بدء الإجازات الصيفية، عن حقهم في الرصيف. ويقف محمد مصطفى أمام أحد أسواق مدينة نصر شرقي القاهرة، ويبدأ رحلة عمله اليومية عقب غروب الشمس ومعه سيارته وعليها ماكينة صناعة القهوة والكابتشينو.
ويشكو الشاب من نظرة الحقد التي تلاحقه من باعة يشاركونه الرصيف، ويقول لـ”العرب”، “افتعلوا المشاجرات معي، لأنني تخرجت من كلية التجارة منذ عامين ولم أجد وظيفة، ما اضطرني إلى المجيء إلى تلك المنطقة، وأرشدني أحد الباعة إلى المعلم”، وهو شخص يتحكم في أرصفة بعض الشوارع في، ويؤجر الجزء منها للباعة بنحو 15 دولارا شهريا.
بدت مشاعر الغضب ترتسم على وجه الشاب، وهو يحكي أنه رفض دفع المبلغ، لاعتقاده أن كل مواطن له الحق في الرصيف.
وأكد محمد عبدالغني، عضو البرلمان المصري، لـ”العرب” أن وجود باعة جائلين أمر مهم لتوفير السلع لفئات عريضة من الشعب، حيث تتماشى أثمانها مع إمكانيات الطبقة الفقيرة، بعد انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر.
وترى آية ماهر، أستاذة الموارد البشرية بالجامعة الألمانية في القاهرة، أن مواجهة الظاهرة لا تحتاج قوانين بقدر ما تحتاج إلى وقوف على الواقع الاجتماعي، الخاص بانضمام أبناء الطبقة الوسطى إلى تلك الكيانات، بسبب انتشار البطالة والفقر وندرة فرص العمل.
وأوضحت لـ”العرب” أن الحكومة كانت تتعامل بطريقة تقليدية مع الباعة الجائلين دون تخطيط سليم، وأنفقت الملايين من الجنيهات على أسواق لم يستفد منها الباعة، لافتة إلى أن كثيرا من الحلول قدمتها الحكومة تأتي من مجموعة من الأفراد لا تعبر عن الباعة، فلا يلتزمون بها.
وطالب خبراء بخلق كيانات ذات شرعية من الباعة تتفاوض مع الحكومة وتنظم المهنة، وتكون ضامنا لالتزام الباعة بالحلول الرسمية في ظل تخطيط تنموي تشاركي.