"آي ميديا" مسرحية كويتية تنتشل اللبنانيين من دراما الحياة

سليمان البسّام يحول البطلة الإغريقية ميديا إلى مهاجرة عربية ثائرة.
الاثنين 2022/01/31
ميديا تنبعث كشبح من مقبرة بحرية بلون برتقال

صفّق الجمهور اللبناني وقوفا لأول عروض مسرحية “آي ميديا” الغنائية التراجيدية المعاصرة للمسرحي الكويتي سليمان البسام مساء الجمعة في بيروت، تفاعلا مع العمل الذي يثير قضايا سياسية واجتماعية راهنة، من بينها معاناة اللجوء وظاهرتا العنصرية والتطرّف. واستمر البسام في تقديم عمله في ثلاثة عروض على امتداد ثلاثة أيام، في رسالة تضامنية مع بيروت.

بيروت - قدمت الكويت مبادرة مسرحية كسرت عصرا يكاد يكون متوحشا يعيشه اللبنانيون واصطحبتهم إلى دراما على خشبة تنتشلهم من دراما الحياة اليومية عبر مسرحية “آي ميديا” للفنان الكويتي سليمان البسام.

ولثلاث ليال متواصلة يمزج البسام أساطير الإغريق بالحداثة ويقدمها في قالب درامي يحاكي منظومة القمع وعصر الاستبداد على خشبة مسرح المدينة في بيروت.

وتظهر في المسرحية ميديا كفتاة مهاجرة عربية مثقفة مسيّسة وتجد نفسها في خلاف عميق مع العالم من حولها. وتتحول نقمة ميديا إلى صرخات استحالت انتفاضة عارمة بمجرد وصولها إلى مخيمات اللاجئين.

تراجيديا جديدة

مسرحية “آي ميديا” عمل مستوحى من مسرحية يوربيديس التراجيدية اليونانية “ميديا” التي كتبت في الأصل استنادا إلى أسطورة جاسون وميديا

يقول المخرج البسام إن هذا العمل مستوحى من مسرحية يوربيديس التراجيدية اليونانية “ميديا” التي كتبت في الأصل استنادا إلى أسطورة جاسون وميديا.

وتدور أحداثها حول امرأة ساحرة تعيش غريبة ودخيلة على مجتمع يظلمها ويدفعها إلى انتقام شرس.

ويتجسد هذا الانتقام على المسرح عندما تقتل ميديا أخاها وتقطع جثته كي تتمكن من الزواج من حبيبها جاسون، لكن جاسون هذا يتركها وحيدة غريبة مع أطفالهما الثلاثة ليتزوج من ابنة الملك كريون طمعا في المال والجاه.

ولا تلبث ميديا أن تحضر لانتقام رهيب من زوجها فتدمر المدينة وتقتل أطفالها الذين يعلق عليهم والدهم آمالا عريضة.

تمكن البسام من ربط خيوط التاريخ ببعضه البعض إذ أن وقائع ميديا لن تبتعد كثيرا عن نسختها اليونانية في عمق بنائها الدرامي لكنها تتأثر بالحداثة ووسائل التواصل والتطورات الإنسانية السياسية الآنية.

وتظهر ميديا الحديثة بصورة امرأة مهاجرة إلى مدينة ساحلية غريبة اسمها كورينثيا التي تستقبل موجات اللاجئين الهاربين من بلدانهم ومن مدن تخضع أنظمتها إلى تحوير وتشويه من خلال تأجيج العنصرية وإثارة النعرات والعمل على الأجندات الشعبوية لحاكمها كريون.

وشاء البسام أن تكون سينوغرافيا العرض التي وضعها إريك سواييه متقشفة تقوم على فضاء يخيم عليه اللون الأسود.

أما الموسيقى فغير تقليدية، قوامها ألحان من آلتيْ الرق والبزق تمتزج أحيانا بنغمات إلكترونية أو بقرقعة نصول السكاكين التي تؤجج اللحظات الدرامية.

تمكّن البسام من ربط خيوط التاريخ ببعضها البعض مستندا إلى تراجيديا إغريقية مقحما فيها عالما حديثا
تمكّن البسام من ربط خيوط التاريخ ببعضها البعض مستندا إلى تراجيديا إغريقية مقحما فيها عالما حديثا

وكذلك تضفي الأناشيد الجنائزية والشاعرية التي ألفها الشاعر الكويتي عبدالله السرحان وتؤديها عمران جرعات من التراجيديا على المسرحية.

ويرتفع البسام على الخشبة إلى وضع سريالي فائق التراجيديا ويعمل على خلق فضاء مسرحي يتحرر فيه من قيد القصة الأصلية. وتطلق ميديا تغريداتها التي تتحول إلى صرخات إنسانية تضامنية مع اللاجئين وبمجرد وصولها إلى مخيماتهم على حواف كورينثيا تردد “أنا ميديا أقول لكم اليوم، إضرابي عن الطعام مستمر إلى أن تنالوا حقوقكم… أنتم من ميديا وميديا منكم”.

وتلعب الفنانة السورية المقيمة في فرنسا حلا عمران دور ميديا المكافحة من أجل النازحين.

وكتب الكاتب والمخرج المسرحي يحيى جابر على وسائل التواصل الاجتماعي “حلا يا حلا عمران… شاهدتك البارحة على خشبة مسرح المدينة. كنت مدينة مسرح على خشبة… تنبعثن كشبح من مقبرة بحرية بلون برتقال بلون الغروب الكوني كالدم. نازحون في مركب مثقوب تحاولين نجدتهم بأوتار صوتك”.

ويشارك في العمل أيضا أعضاء “فريق التنين” الموسيقيين علي حوت وعبدالرضى قبيسي من لبنان والسينوغراف إيريك سواييه ومهندسة الصوت ماتيلد دوسييه من فرنسا ومدير الإضاءة سمير شعراوي من مصر والممثل ومدير الإنتاج أسامة الجامعي من تونس.

أما سليمان البسام وإضافة إلى كتابة النص وإخراجه فيلعب عدة أدوار في العمل مثل دور المؤلف الموجود على الخشبة والزوج الغادر جاسون والملك كريون. فيما يجسّد التونسي أسامة جامعي دور أغاديز.

حصد هذا العمل ثلاث جوائز رئيسية بمهرجان قرطاج حيث فاز البسام بجائزة أفضل نص مسرحي، وفازت الفنانة حلا عمران بجائزة أفضل ممثلة عن ذات العمل، وإيريك سواييه على جائزة أفضل سينوغرافيا.

تضامن مع بيروت

Thumbnail

يشرح المخرج المولود لأب كويتي وأم بريطانية أنه تطرق “رمزيا” من خلال المسرحية إلى “علاقة أوروبا بالإرهاب وبالمسلمين وإلى العصرنة وإلى تسلط الحاكم الذي يقف ضد الثورة”.

ولا يرى أن موضوع اللجوء الذي تتناوله المسرحية بعيد منه كخليجي، إذ أنه من المسائل “الموجودة في كل مكان وزمان، كالعنصرية والصراع السياسي وصراع التيارات وحرية التعبير والزواج المختلط”.

يقول البسام إن “قراري بإدخال شخصية المؤلف من ضمن شخصيات الخشبة جاء كنتيجة مباشرة لتحليلي للعلاقة بين الكتابة والتمثيل في زمن جائحة كورونا”.

وشرح البسام في كلمة مكتوبة أنه اعتمد في أعماله على خلق فرق مشتركة من بلدان عربية ومن الغرب ومزج عناصر من خلفيات وتجارب مسرحية متعددة. وأضاف “أنّ لا هوية وطنية للمسرح بل هوية فنية مطلقة عابرة للحدود”.

وعن الرسالة التي يريد إيصالها من تواجده في بيروت، قال البسام “أهتم بتقديم العرض في كافة المدن العربية، بيروت محطتنا الثالثة. جئنا إلى بيروت لرغبتنا بالتضامن مع مسرح المدينة، ومع أهل وشباب وأناس قد نعرفهم أو لا نعرفهم. لبيروت في وجداننا مكانتها، وهي تمر في مرحلة عصيبة، ونحاول أن نضيء شمعة في ظلامها الداكن”.

سلسلة العروض جولة تضامنية فنية مع الجمهور والمدن للتلاحم الفني والفكري في الوقت العصيب الذي يمرّ به لبنان
سلسلة العروض جولة تضامنية فنية مع الجمهور والمدن للتلاحم الفني والفكري في الوقت العصيب الذي يمرّ به لبنان

ويدير البسام “مسرح سبب”، وهي فرقة مسرحية كويتية تأسست عام 2002، وتضم مجموعة من الفنانين والممثلين والتقنيين الكويتيين والعرب والأجانب. ولطالما عكست أعماله مسائل الهوية بين العالم العربي الإسلامي والغرب. ومن أبرز أعماله “ريتشارد الثالث” عام 2007، و”طقوس الإشارات والتحولات” عام 2014 للمسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس.

تفاعل الجمهور مع المسرحية تصفيقا، وقال توفيق الزين بعد انتهاء العرض “لقد اشتقنا إلى الحياة وإلى هذا المستوى الشاهق في الأداء المسرحي. ساعة ونيف ولم أشعر بالوقت. متعة حقيقة، التمثيل، الإخراج الديناميكي، إعادة الكتابة لتتماشى الملحمة الإغريقية مع يومنا المتأجج هذا، شيء رائع للحقيقة”.

 وقالت سحر الحسين “انظروا إلى هذا العدد الكبير من الناس. لقد مللنا الوباء والفقر والخوف والفراغ. عمل بهذه الضخامة البسيطة يستحق أن نشاهده أكثر من مرة”.

وبدأت العروض على مسرح المدينة في بيروت ليل الجمعة واستمرت لثلاث ليال متواصلة.

وقال البسام إن العروض تأتي في إطار “جولة تضامنية فنية مع الجمهور والمدن بغرض التلاحم الفني والفكري في الوقت العصيب الذي يمر به لبنان”.

وتتوجه “آي ميديا” بعد بيروت إلى محطات عربية أخرى، وفي بداية الصيف تحتضنها خشبات نابولي الإيطالية التي شارك مهرجانها في الإنتاج.

12