آمال معلقة على طريق التنمية لانتشال نينوى من مخلفات حقبة داعش

الموصل (العراق) – يعلّق سكان مناطق عراقية عانت على مدى العقدين الأخيرين حالة من التوقّف شبه التام لحركة التنمية وشهدت توسع دائرة الفقر والبطالة آمالا على مشروع طريق التنمية الذي تقرّر إنجازه بشراكة بين العراق وكل من تركيا والإمارات وقطر، وجاء بمثابة استثناء في عمل الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد سنة 2003 وتميّزت سياستها بحالة من الإهمال للتنمية وتنويع مصادر الثروة واكتفت بالتعويل على النفط كمورد وحيد للدولة.
وزاد من تعقيد أوضاع سكان بعض المناطق عدم استقرار الوضع الأمني الذي بلغ قمّة ترديه خلال حقبة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على تلك المناطق وما أحدثته الحرب التي فجرّها من دمار هائل في المرافق الأساسية والبنى التحتية والممتلكات العامّة والخاصّة.
وينطبق الأمر بشكل استثنائي على محافظة نينوى بشمال البلاد والتي مثّلت مناطقها ساحة أساسية للحرب ضدّ تنظيم داعش، ولا يزال الدمار الذي نتج عن ذلك ماثلا إلى الآن في ظلّ بطء حركة إعادة الإعمار التي يأمل السكان أن يقدّم لها مشروع طريق التنمية دفعة نوعية تساهم في تجاوز مخلّفات حقبة التنظيم المتشدّد بشكل نهائي.
ويبدي مسؤولون وخبراء عراقيون ثقة في قدرة المشروع على المساهمة في توفير الحلول لمشكلة البطالة في العراق عموما وفي محافظة نينوى على وجه الخصوص.
وينطوي المشروع بالإضافة إلى فوائده الاقتصادية والاجتماعية المباشرة على فوائد أشمل تتعلّق بعلاقة العراق بمحيطه حيث يساهم في إعادة صياغة تلك العلاقات على أساس المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة بدلا من الأساس الأيديولوجي والسياسي الذي يتحكّم حاليا في علاقة البلد ببعض جيرانه وتحديدا بإيران التي كثيرا ما استخدمت أذرعها من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة في محاولة إضعاف صلات العراق بمحيطه الإقليمي المباشر.
وأبرز مسؤولون وخبراء في تصريحات لوكالة الأناضول التركية الفوائد المنتظرة محليا وإقليميا من وراء إنجاز الطريق الذي سيربط العراق بآسيا وأوروبا عبر الأراضي التركية.
ويتمثّل المشروع في طريق بري وسكة حديدية تمتد من جنوب العراق إلى تركيا وموانئها بطول 1200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
وأشرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في أبريل الماضي ببغداد على توقيع البلدان الأربعة على مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مشروع طريق التنمية. وأشار الصحافي فواز الطيب إلى الأهمية الإقليمية والدولية للمشروع الذي يشمل محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل.
وذكّر بأن مشروع الطريق كان قد طرح في ثمانينات القرن الماضي إلا أنه واجه عقبات بسبب الحرب العراقية – الإيرانية ولم يتم تنفيذه. ورأى أن المشروع ستكون له آثار إيجابية سياسية واجتماعية وثقافية على نينوى.
ومن جهته قال رئيس مركز النور للإستراتيجيات والحوار في نينوى جليل محمد إن المشروع سيشكل نقطة تحول على أصعدة كثيرة بالعراق أهمها الاقتصادي والسياسي. وأضاف “ننظر إلى إتمام مشروع طريق التنمية على أنه بوابة للحلول السياسية الكبيرة وربما الشراكات الدولية والإقليمية وهذا من شأنه أن يخفف الكثير من التوترات الحاصلة في المنطقة.”
وقالت مديرة قسم المرأة في ديوان محافظة نينوى رافعة محمد إن مشروع طريق التنمية سيوفر حلولا مهمة لمشكلة البطالة، لاسيما بالنسبة للنساء. أما عضو مجلس محافظة نينوى ساجدة الأفندي فقالت إن المشروع له أهمية اقتصادية خاصة بالنسبة للمحافظة كون الطريق البري سيمر عبرها. وأشارت إلى أنه سيتم إنشاء مناطق صناعية ومحطات قطار في نينوى ضمن المشروع.
المشروع أتاح للحكومة العراقية الحالية فرصة تدارك قلّة رصيدها من العمل التنموي وذلك بنجاحها مؤخرا في إنهاء تعثّر إنجاز مشروع ميناء الفاو الكبير
وأتاح المشروع للحكومة العراقية الحالية فرصة تدارك قلّة رصيدها من العمل التنموي وذلك بنجاحها مؤخرا في إنهاء تعثّر إنجاز مشروع ميناء الفاو الكبير وتسريع العمل فيه وإدخال جزء منه حيّز الاستغلال الفعلي قبل الموعد المحدّد له.
واكتسب الميناء قيمة مضافة كبيرة ذات طبيعة جيوإستراتيجية باعتباره منطلقا ومدارا لمشروع طريق التنمية الذي يتيح للعراق أن يصبح منطقة ربط بين الخليج وأوروبا عبر الأراضي التركية التي سيواصل الطريق امتداده عبرها باتجاه ضفة البحر المتوسّط.
ولن يحسب إطلاق المشروع، من هذه الزاوية، في رصيد حكومة السوداني كإنجاز اقتصادي وتنموي فحسب، بل سيعتبر أيضا بمثابة إضافة نوعية لها في تنويع الشراكة الإقليمية للعراق والفكاك الجزئي من سطوة النفوذ الإيراني الذي تحرسه شخصيات وأحزاب وفصائل مسلّحة شيعية ذات نفوذ كبير داخل الدولة العراقية وتعمل على استدامته من خلال محاولتها إقفال الساحة العراقية أمام منافسين آخرين في مقدمتهم تركيا. وتحدث رئيس الوزراء العراقي في وقت سابق عن أهمية المشروع معتبرا أنّه يمثّل استعادة لدور بلاده على مرّ العصور كممر تجاري مناسب وسهل.
وقال في تصريحات صحفية إن طريق التنمية يعني وفقا لمعادلات السوق الحالية وحركة التجارة الدولية، ربطا بين الشرق وأوروبا عبر الأراضي العراقية والتركية، موضحا أن “المنطقة تشهد صراعات وتوترات تتراجع حينا وتتأجج حينا آخر، وهذا يدفعنا إلى ضرورة تركيز الجهود على مشاريع التشابك في المصالح والتداخل في المنفعة.”
ويمتلك مشروع الطريق قوّة دفع وفرها له تضافر العديد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، إذ يعتبر نتاج وفاق متنام بين العراق وتركيا حول العديد من الملفات من بينها الملف الأمني وما أظهره الجانب العراقي من استعداد للتعاون مع الجانب التركي لحسم الصراع مع حزب العمال الكردستاني الذي يتّخذ مقاتلوه من مناطق بشمال العراق ميدانا للمواجهة ضدّ القوات التركية.
كما وفّر اشتراك دولتين خليجيتين غنيتين وتمتلكان تجارب ناجحة في المجال التنموي عموما وفي إقامة البنى التحتية الضخمة والمتطورة على وجه الخصوص، سندا إضافيا لانطلاق مشروع طريق التنمية على أسس صلبة.