آمال ضعيفة لتحقيق مصالحة فلسطينية في مباحثات الجزائر

لا تبدو الحظوظ وافرة للمبادرة الجزائرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني وصولا إلى مصالحة وطنية شاملة في ظل الاختلافات الجوهرية بين مختلف الفصائل الفلسطينية بشأن الاستراتيجية التي يجب اتباعها. ويرى مراقبون أن التضارب بين مختلف الفصائل في أكثر من ملف يعقد جهود الوساطة التي يتوقع أن تفشل كما فشلت غيرها من الوساطات حتى الآن.
رام الله (فلسطين)- تحمل الفصائل الفلسطينية التي بدأت بالوصول إلى الجزائر تباعا تلبية لدعوة رسمية من الرئيس عبدالمجيد تبون للتباحث في سُبل إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني، رؤى متعددة ومتضاربة في أكثر من ملف لإنهاء الانقسام السياسي الداخلي، ما يضعف آمال المصالحة الوطنية.
ومنذ سنوات، عُقدت العديد من اللقاءات والاجتماعات بين الفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية دون أن تُسفر عن خطوات عملية جادة لتحقيق ذلك.
ومن أبرز البنود التي نصّت عليها رؤى الفصائل الاتفاق على برنامج سياسي مشترك، وإعادة بناء النظام السياسي، والبناء على اتفاقيات المصالحة السابقة وبحث آليات تطبيقها.
والاثنين وصل وفد من حركة حماس إلى الجزائر، ليكون الثاني الذي يصل العاصمة الجزائرية، بعد وصول وفد من حركة فتح السبت.

منير الجاغوب: ملتزمون بالاتفاقيات التي وقّعتها منظمة التحرير
ومن المقرر أن تواصل الفصائل وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية – القيادة العامة وحركة الجهاد الإسلامي، وصولها إلى الجزائر خلال الشهر الجاري، للتحضير للمؤتمر الجامع.
وكان الرئيس الجزائري أعلن في السادس من ديسمبر الماضي في مؤتمر صحافي عقب استقباله نظيره الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة بالجزائر، اعتزام بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية. ولم يحدد الرئيس الجزائري موعداً لعقد هذا اللقاء، واكتفى بقوله إنه سيكون قريباً.
وتعاني الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي منذ عام 2007، حيث تسيطر حماس على قطاع غزة، في حين تدير الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة فتح، بزعامة الرئيس عباس، الضفة الغربية.
ويقول منير الجاغوب رئيس المكتب الإعلامي بمفوضية التعبئة والتنظيم التابعة لحركة فتح إن وفد الحركة ما زال يواصل اجتماعاته مع المسؤولين الجزائريين. ويضيف “لا يوجد حتّى هذه اللحظة نتائج للاجتماعات المستمرة، لأنها لم تنته بعد”، موضحا أن حركته ” تلتزم باتفاقيات المصالحة وإنهاء الانقسام التي تم توقعيها في الماضي، وأبرزها الاتفاقية الموقّعة في الثاني عشر من أكتوبر 2017 في العاصمة المصرية القاهرة”.
وذكر أن وفد حركته يبحث مع الجزائريين “آليات تطبيق تلك الاتفاقيات التي تضع حلا لغالبية الملفات”.
وشدد على أن أيّ حكومة وطنية سيتم تشكيلها لاحقًا، يجب أن “تلتزم بالاتفاقيات التي وقّعتها منظمة التحرير وبالشرعية الدولية، كون معظم الحكومات الفلسطينية تعتمد على المساعدات الدولية”.
ولا تزال حركة حماس تتمسك بما تقول إنها “شرعية انتخابية” كمنطلق لأيّ تسوية داخلية وهذا ما لا تقبل به حركة فتح.
وقال حازم قاسم المتحدث باسم حركة حماس إن حركته “ستقدّم رؤية متكاملة وشاملة لترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء الانقسام وتحقيق مصالحة حقيقية مبنية على مبدأ الشراكة السياسية الكاملة”.
وأوضح قاسم أن هذه الرؤية تتركز على “إعادة بناء نظام سياسي فلسطيني على أساس التعددية، وعلى مبدأ الشراكة لكل القوى الفلسطينية؛ بعيدا عن منطق الإقصاء والهيمنة الممارس من السلطة”.
وأضاف “لا بد من وضع القضايا الوطنية في بؤرة اهتمام هذا النظام السياسي، خاصة في ظل التحديات المتصاعدة ضد القضية الفلسطينية”، وبيّن أن الرؤية تستند إلى “اعتماد الخيار الديمقراطي في إعادة بناء النظام السياسي”.

حازم قاسم: يجب أن تستند المصالحة للانتخابات وشرعية الجماهير
وتابع “يجب أن تستند (إعادة بناء النظام السياسي) إلى الانتخابات وشرعية الجماهير، هذه الانتخابات يجب أن تشمل كافة المستويات، الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، ثم باقي المكوّنات التمثيلية مثل البلديات والنقابات وغيرها”.
وتستند الرؤية، بحسب قاسم، إلى تشكيل قيادة وطنية موحّدة ومؤقتة، إلى حين استكمال بناء النظام السياسي الذي يشمل منظمة التحرير أولا ثم السلطة الوطنية والجهات المُنبثقة عنها.
وقال المتحدث إن مهمة هذه القيادة تتمثل في “إدارة الحالة الفلسطينية، لمواجهة التحديات التي يمر بها الشعب ومواجهة التغوّل الصهيوني على مكوّنات القضية”.
وكان من المقرر أن تجرى الانتخابات العامة الفلسطينية، على 3 مراحل خلال العام الماضي: تشريعية (برلمانية) في الثاني والعشرين من مايو، ورئاسية في الحادي والثلاثين من يوليو، وانتخابات المجلس الوطني في الحادي والثلاثين من أغسطس. لكن، في التاسع والعشرين من أبريل الماضي، أعلن الرئيس الفلسطيني تأجيلها إلى حين ضمان سماح السلطات الإسرائيلية بمشاركة سكان مدينة القدس.
وتعتزم حركة الجهاد الإسلامي التي يصل وفدها إلى الجزائر في الثلاثين من يناير الجاري، بدورها طرح رؤيتها الخاصة للمصالحة الفلسطينية.
وقال القيادي في الجهاد الإسلامي داود شهاب “المدخل الحقيقي لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، يبدأ بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يتطلب الشروع بالعديد من الخطوات إذ تبدأ بالحوار الوطني للتوافق على برنامج سياسي؛ يتضمن آليات بناء منظمة التحرير على أسس جديدة”.
وتتضمن الرؤية، بحسب شهاب، ضرورة إجراء “انتخابات المجلس الوطني”، موضحا أن “تصاعد حدة الإرهاب الصهيوني في الضفة، وسيادة الاحتلال على الأرض، تفرض على الفلسطينيين التفكير في كيفية مواجهة هذا الاحتلال لحماية ما تبقّى من الأرض”.
وأضاف “في ظل التهويد والاستيطان والإرهاب الذي يستهدف أرضنا وشعبنا ومقدساتنا علينا أن نبني استراتيجية وطنية للتحرير ولحماية الأرض وليس الذهاب نحو تكريس الاحتلال من خلال الحديث عن حكومة أو سلطة تعترف به وتسعى للتعايش معه وتنسق معه أمنيًا”.
وتابع “الخلاف الحاصل في الساحة الفلسطينية هو خلاف على البرنامج السياسي، وليس نزاعا على سلطة دون أيّ سيادة فعلية على الأرض؛ لأن الحاكم الفعلي هو الاحتلال الذي يتحكم بكل شيء من معابر واقتصاد وجو وبحر وبر”.
وترى الحركة أنّ المدخل الصحيح لتحقيق الوحدة يجب أن يقوم أيضا على قاعدة “حماية المقاومة، إلى جانب التوافق على البرنامج السياسي”.

داود شهاب: لا بد من إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية
وتتبنى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدروها رؤية خاصة للخروج من حالة الانقسام السياسي.
وقال كايد الغول، وهو أحد أعضاء وفد الجبهة الذي من المرجح أن يصل إلى الجزائر في السادس والعشرين من يناير “تتضمن الرؤية معالجةً سياسية ووطنية للخروج من حالة الانقسام، والاتفاق على برنامج سياسي مشترك بعد أن وصل خيار أوسلو (اتفاق موقع بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1993)، إلى طريق مسدود”.
وأوضح أن استمرار “إسرائيل في تغوّلها بالاستيطان وضم الأراضي والتهويد، يتطلب رؤية وطنية مشتركة تشكل أساسا للالتقاء”.
وبيّن أن المعالجة السياسية يجب أن تبدأ بعلاج “منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، والإطار الجامع لكل مكوّنات الشعب”.
وتابع “يجب أن تفتح الأبواب للجميع وأن يجري التوافق على مرحلة انتقالية – إن لم تكن انتخابات – لتشكيل مجلس وطني جديد يضم جميع الفصائل، ومبني على مبدأ الشراكة”.
وسبق أن أعلنت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الأحد عن مبادرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الوطنية، قائلة إنه تم تسليمها لكل من الجزائر ومصر والفصائل الفلسطينية.
وقال قيس عبدالكريم نائب الأمين العام للجبهة إن المبادرة تدعو إلى بدء حوار وطني شامل، في ظل التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية، بهدف “إيجاد حد لحالة الدمار والتشرذم الداخلي”.
وتابع عبدالكريم، خلال مؤتمر صحافي عقده في مدينة رام الله، إن المبادرة تحث على “وقف التراشق الإعلامي بين طرفي الصراع الداخلي (فتح وحماس)، ووقف متبادل لممارسات القمع والاعتقال السياسي، تمهيدا للمباشرة بحوار وطني شامل يهدف للتوصل إلى خطة تترجم إلى خطوات تنفيذية مجدولة زمنيا”.
وبيّن أن المبادرة تقترح “العمل ضمن مسارين: الأول يرتكز على الشراكة والتمثيل الشامل في مؤسسات منظمة التحرير، والثاني يعتمد على إعادة توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية وصولا إلى انتخابات عامة”.
كما تضمّنت المبادرة، وفق عبدالكريم، مقترحات “تتعلق بالشراكة مع مؤسسات منظمة التحرير، واختتام عام 2022 بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في مواعيد متفق عليها مسبقا في إطار الحوار الوطني”.
من أبرز البنود التي نصّت عليها رؤى الفصائل الاتفاق على برنامج سياسي مشترك، وإعادة بناء النظام السياسي، والبناء على اتفاقيات المصالحة السابقة وبحث آليات تطبيقها
وتستند المبادرة أيضا إلى “تنفيذ مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل (سبتمبر 2020) بشأن صياغة واعتماد استراتيجية كفاحية جديدة بديلة لاتفاق أوسلو وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للنهوض بالمقاومة الشعبية وصولا إلى الانتفاضة الشاملة والعصيان الوطني في مواجهة إسرائيل”.
ويرى محللون أن في تعدد المبادرات والرؤى الفردية في ظل غياب عنصر جامع بينها ما يضعف آمال تجاوز الانقسام الداخلي تمهيدا للمصالحة الوطنية الشاملة.
ويقول هؤلاء إن مباحثات الجزائر قد تختتم بصياغة بيان توافقي بين مختلف الفصائل وهو كغيره من بيانات “المصالحة” السابقة فلن يجد الأرضية معبدة لتطبيقه في ظل الخلافات العميقة والمستفحلة بين حركتي فتح وحماس أبرز الفصائل الفلسطينية.