آمال سورية بعودة الانتعاش إلى مفاصل السياحة المشلولة

تسعى السياحة السورية إلى استكمال معركة إزالة العثرات الكثيرة التي أثرت عليها أثناء سنوات الحرب وما تلاها من أزمات عالمية وحظر غربي، أملا في تحصيل البعض من المكاسب رغم تآكل البنية التحتية التي لا تزال تبدو شاحبة جراء الدمار وقلة التمويلات.
دمشق - منح تدفق الزوار على سوريا خلال النصف الأول من العام الجاري بارقة أمل للسلطات من أجل استعادة السياحة المحاصرة بالأزمات بعضا من بريقها الذي فقدته خلال الحرب التي جعلتها في دائرة الشلل التام.
وتقول دمشق إن مؤشرات القطاع شهدت منذ بداية العام تحسناً ملحوظاً في مختلف مفاصل السياحة مقارنة بالأعوام السابقة، وخاصة زيادة أعداد الزوار العرب والأجانب، ما انعكس بشكل إيجابي على إيرادات الفنادق وخاصة الحكومية.
وذكرت وزارة السياحة في بيان أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية الثلاثاء أن عدد السياح نما خلال الفترة بين يناير ويونيو الماضيين بنحو 37 في المئة على أساس سنوي.
وبحسب الإحصائيات الرسمية شهدت البلاد وصول أكثر من 880 ألف سائح عربي ونحو 120 ألف سائح أجنبي، أي أن المجموع بلغ مليون زائر.
وتشير البيانات إلى أن نحو 385 ألف زائر قدموا إلى البلاد خلال الربع الأول من العام الجاري، بينهم 40 ألفا من غير العرب.
ويأتي معظم الزوار الأجانب إلى سوريا من دول تربطها علاقات جيدة بحكومة الرئيس بشار الأسد، ومن بينهم عراقيون ولبنانيون وإيرانيون يحجون إلى مواقع يقدسها الشيعة.
وحول مؤشرات تطور الإيرادات في القطاع السياحي لمنتصف عام 2023 أوضح بيان الوزارة أن عائدات الفنادق بلغت 38.5 مليار ليرة (نحو مئتي مليون دولار) بإجمالي ربح وصل إلى 7.5 مليار ليرة.
كما بلغ حجم الأرباح الإجمالية في الشركة السورية للنقل والسياحة ما يُقارب 45 مليون دولار، فيما وصلت الأرباح الإجمالية المحققة للشركة السورية العربية للفنادق والسياحة إلى ما يُقارب تسعة ملايين دولار.
ويعتقد المتابعون للشأن الاقتصادي السوري أن هذه الأرقام تأتي على خلفية عودة العلاقات السورية مع العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي مقدمتها الإمارات والسعودية ومصر وتونس.
ويرجح هؤلاء أن تحقق دمشق مكاسب أكبر خلال الأشهر المقبلة من هذا العام وربما أيضا في السنوات المقبلة مع الانفتاح أكثر على المنطقة العربية وإعادة بناء العلاقات بشكل متزايد لتنهي عزلة استمرت سنوات.
وكان نضال ماشفج نائب وزير السياحة السوري قد أكد لرويترز على هامش معرض سوق السفر العربي الذي عقد بدبي في مايو الماضي أن بلاده تستهدف استقبال ثلاثة ملايين زائر هذا العام.
وخلال العام الماضي استقبلت سوريا حوالي 1.8 مليون سائح بنمو بلغ نحو 141 في المئة بمقارنة سنوية.
وفي ذروتها عام 2010 جذبت سوريا 10 ملايين سائح، الكثير منهم من الغربيين. وتغير كل ذلك مع بداية الحرب التي دمرت البنية التحتية لكافة القطاعات وجعلت نصف السكان يغادرون البلاد.
وتصطدم طموحات دمشق لانتشال السياحة المنهارة من الخراب، الذي حل بها بسبب سنوات الحرب، بالكثير من العقبات رغم بروز مؤشرات على عودة مظاهر الحياة إلى هذا القطاع.
وكانت الوجهة السورية تشتهر بغناها الطبيعي والأثري، وسبق أن صنفت كواحدة من أفضل المواقع السياحية في العالم، غير أن الأزمة أفضت إلى اختفاء مظاهر نشاط القطاع من البلاد.
ويعتقد متابعون أن القطاع، الذي أسهم لسنوات قبل الحرب بنحو 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، محاصر بالتحديات، أبرزها القيود الغربية المفروضة على الاقتصاد السوري، والتي تمنع تطوير السياحة من بوابة جذب رؤوس الأموال الخارجية.
وتوقفت السياحة عقب اندلاع الحرب التي ألحقت أضرارا بالغة بالمواقع الثقافية التي تشمل مدينة حلب القديمة وأطلال مدينة تدمر القديمة.
كما أن الاقتصاد السوري في حالة مزرية لأسباب من بينها الانخفاض الحاد في قيمة الليرة أمام الدولار منذ عام 2019، حيث بلغ سعر صرف الدولار بمكاتب الصرافة في دمشق أكثر من 9100 ليرة بعدما كان سعرها لا يتجاوز 50 ليرة قبل الحرب.
ومع ذلك عملت وزارة السياحة منذ خفوت حدة المعارك قبل أربع سنوات على تقديم التسهيلات الممكنة للمستثمرين العرب والأجانب لتشجيعهم على ضخ رؤوس أموال في السوق المحلية لتنمية القطاع.
كما تعول دمشق على عودة المغتربين إلى مناطق سيطرتها حتى يسهموا في تحريك نشاط المرافق السياحية والترفيهية والتجارية، التي مازال الكثير من منها يعاني من الدمار، في محاولة لرفع معنويات هذا المجال الذي كان يدر الملايين من الدولارات سنويا قبل 2011.
وتكافح الحكومة كذلك من أجل إعادة تأهيل المنشآت السياحية التي دمرت خلال الحرب، وسط شكوك تحوم حول قدرتها على تحقيق أهدافها في ظل الأزمة المالية الخانقة.
◙ 1 مليون سائح زار البلاد خلال النصف الأول من العام الجاري بحسب وزارة السياحة
وحتى تتمكن البلاد من إيقاظ القطاع المنهار فإن الوضع يتطلب ضبط أسعار الخدمات وتسهيل إجراءات منح التراخيص وإعادة تفعيل شركة الكرنك للنقل السياحي وتحسين مستوى الرواتب والتعويضات والحوافز ودعم المنشآت السياحية بالطاقة المتجددة.
وقالت وزارة السياحة السورية إنها منحت خمسة تراخيص لمنشآت سياحية خلال النصف الأول من هذا العام، منها 3 منشآت سياحية وفق صيغة التشييد والتشغيل ونقل الملكية (بي.أو.تي).
وخلال العام الماضي بلغ عدد المنشآت المرخصة 8 منشآت سياحية، منها منشأتان سياحيتان وفق صيغة بي.أو.تي.
وفي الإجمال بلغ عدد المنشآت الموضوعة بالخدمة 62 منشأة سياحية، منها 13 جديدة بكلفة استثمارية تبلغ 2.1 مليار دولار مقابل نحو 39 منشأة سياحية خلال نفس الفترة من عام 2022 وبكلفة تبلغ نحو نصف مليار دولار.
وفي مارس العام الماضي كشفت الحكومة، التي تراهن على تحقيق إيرادات أكبر مع استكمال خططها المزمعة، أنها رصدت تمويلات بقيمة 665 مليار ليرة (264 مليون دولار بأسعار الصرف في ذلك الوقت) لإصلاح خراب العشرات من المنشآت، أغلبها فنادق.
وقال وزير السياحة محمد مرتيني أمام البرلمان في ذلك الوقت إن "الوزارة مستمرة في الترخيص للمنشآت السياحية الجديدة وإعادة تأهيل المدمرة جراء الأعمال الإرهابية".
وأوضح أن عدد المنشآت المستهدفة يصل إلى 188 منشأة، من بين 600 منشأة خرجت عن الخدمة، وهي تستوعب أكثر من 3700 سرير، لكنه لم يذكر بالتحديد توزيعها الجغرافي أو موعد عودتها إلى الخدمة بشكل فعلي.